شهدت 2012 على مستوى العلاقات المغربية التونسية إطلاق دينامية جديدة من خلال تبادل الزيارات وتكثيف المشاورات بين البلدين٬ مما أعطى نفسا قويا لحركية تطوير التعاون الثنائي والتنسيق الإقليمي في أفق إعادة بناء المشروع المغاربي على أسس جديدة. فقد شكلت زيارة "العمل والأخوة" التي قام بها للمغرب يومي 8 و9 فبراير من هذه السنة٬ الرئيس التونسي منصف المرزوقي٬ بدعوة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ محطة مهمة في هذه الدينامية مكنت من تنشيط العلاقات بين البلدين وإرساء أرضية مشتركة للعمل سويا على تفعيل الاتحاد المغاربي. فقد دعا قائدا البلدين إلى العمل على "تذليل كل الصعوبات التي تحول دون الانسياب الطبيعي للاستثمارات والخدمات بين البلدين، والاستفادة من الإمكانيات التي توفرها اتفاقية أكادير لإقامة منطقة التبادل الحر العربية المتوسطية، اعتبارا لما تفتحه من آفاق لتحقيق الشراكة والتكامل على المستوى الأورو- متوسطي". كما سجل البلدان٬ في بيان صدر في أعقاب هذه الزيارة "التوافق الذي يطبع العلاقات المتينة بين المغرب وتونس"٬ وجدد جلالة الملك والرئيس التونسي "عزمهما على السير بهذه العلاقات في اتجاه منحى متجدد يحقق تطورا نوعيا على مختلف الأصعدة بما يسمح بتعميق التعاون وتوسيع آفاقه وتنويع مجالاته بهدف بلوغ التكامل المنشود". و على الصعيد المغاربي٬ أكد قائدا البلدين "تمسكهما بالاتحاد المغاربي باعتباره خيارا لا محيد عنه، وشددا على أهمية تعزيز العمل المغاربي المشترك وضرورة ترقيته، في ضوء التطورات التي عرفتها المنطقة، مؤكدين حرصهما على تكثيف الحوار والتشاور والتنسيق مع بقية الدول المكونة للاتحاد قصد انبثاق نظام مغاربي جديد، قوامه التكامل والتضامن والتنمية والاندماج، يجعل منه محركا حقيقيا للوحدة العربية، وفاعلا رئيسيا في التعاون الأورو-متوسطي وفي الاستقرار والأمن في منطقة الساحل والصحراء والاندماج الإفريقي". كما أكد الجانب التونسي أن قضية الصحراء "تستوجب تسوية سياسية تفاوضية وتوافقية ونهائية، مشيدا بالجهود البناءة والصادقة التي يبذلها المغرب في هذا الاتجاه". وتلت هذه الزيارة محطات أخرى للتعاون بين البلدين٬ منها زيارة العمل التي قام بها إلى تونس رئيس الحكومة٬ عبد الإله بنكيران في 24 ماي من السنة نفسها٬ بالإضافة إلى تبادل الوفود في العديد من المجالات والمناسبات. وفي السياق ذاته، احتضنت الرباط وفي منتصف يونيو 2012، اجتماع الدورة (17) للجنة العليا المشتركة المغربية التونسية برئاسة رئيسي الحكومة في البلدين. وتواصلت هذه الدينامية في العلاقات الثنائية بالاستقبال الذي خص به صاحب الجلالة الملك محمد السادس وزير الخارجية التونسي٬ رفيق عبد السلام، في 14 نوفمبر الماضي. وأكد الوزير التونسي، عقب هذا الاستقبال٬ متانة العلاقات المغربية التونسية، وضرورة تطويرها في جميع المجالات٬ مبرزا في هذا السياق٬ أن الاستقبال الملكي شكل مناسبة للتأكيد على ضرورة "تطوير هذه العلاقات في جميع المجالات بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين". الواقع أن هذا التقارب بين البلدين الشقيقين يأتي انسجاما مع المبادئ التي يتشبث بها المغرب ومن بينها حق الشعوب في الحرية والكرامة والديمقراطية٬ إذ كانت المملكة سباقة٬ عقب "ثورة الياسمين" بتونس في 14 يناير 2011، إلى التعبير عن تضامنها "القوي والصادق" مع الشعب التونسي بكل مكوناته"٬ مشددة على أن استقرار تونس "يشكل عنصرا أساسيا للاستقرار والأمن الإقليمي٬ وخصوصا بالمغرب العربي"٬ حسبما جاء في بلاغ صدر آنذاك عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون. ووجد هذا الموقف التضامني من قبل المغرب صداه الإيجابي لدى الشعب والقيادة السياسية الجديدة في تونس وشكل حافزا قويا للمضي قدما من أجل الارتقاء بالعلاقات المغربية التونسية إلى مستوى الشراكة، من خلال تعزيز التعاون الثنائي في شتى المجالات، والعمل سويا على تذليل العقبات أمام تحقيق الاندماج المغاربي تجسيدا لتطلعات شعوب المنطقة. وانعكست الإرادة السياسية التي عبر عنها البلدان خلال زيارة الرئيس التونسي للمغرب٬ على النتائج التي توصلت إليها اللجنة العليا المشتركة بين البلدين خلال اجتماعها بعاصمة المملكة من 15 إلى 16 يونيو الماضي٬ حيث جدد المغرب وتونس في بيان مشترك عزمهما الراسخ على إعطاء "دفعة قوية لعلاقاتهما الثنائية ومضمون فعال للتعاون بينهما استجابة لتطلعات الشعبين لمزيد من التقارب والتكامل بما يخدم مصلحة البلدين". وفضلا عن الاتفاق على متابعة تنفيذ الاتفاقيات السابقة وإعطائها مضمونا فعليا، من خلال وضع آلية للمتابعة تحت الإشراف المباشر لرئيسي الحكومتين٬ جرى خلال هذه الدورة التوقيع على عدد من الاتفاقيات والبرامج التنفيذية ومذكرات التفاهم تهم على الخصوص التعاون في مجالات التربية، والشباب والرياضة، والثقافة، والطاقة والطاقات المتجددة، بالإضافة إلى الصناعة التقليدية، والتعليم العالي والبحث العلمي والموارد المائية. وشددت اللجنة العليا على مواصلة الجهود من أجل رفع حجم المبادلات التجارية بين البلدين ليصل إلى 500 مليون دولار سنويا٬ مع توسيع قاعدة هذه المبادلات والتركيز على القطاعات التي تدعم التكامل والشراكة٬ والاستفادة من الامتيازات المنصوص عليها في "اتفاقية أكادير"٬ وتذليل الصعوبات الجمركية٬ فضلا عن تعزيز التعاون في مجال الاستثمارات، وتشجيع حرية تنقل رؤوس الأموال، وتسهيل مهام رجال الأعمال المغاربة والتونسيين لإنجاز المشاريع المشتركة في مجالات مختلفة كتكنولوجيا المعلومات والاتصال، والتحكم في الطاقة والطاقات المتجددة، والنقل الجوي والتكوين والبحث العلمي الفلاحي والسياحة والجماعات المحلية. من جهة أخرى، اتفق الجانبان خلال هذه الدورة على تسوية وضعية نحو ثمانية آلاف من أفراد الجالية المغربية المقيمة بتونس٬ إذ دخلت الإجراءات المتعلقة بهذا الشأن حيز التنفيذ خلال الأسابيع الأخيرة٬ وتهم على الخصوص، تمكين هؤلاء المغاربة من وثائق الإقامة والعمل والتملك وتحويل المدخرات إلى أرض الوطن.(و م ع)