يرى إدريس الكراوي، رئيس جهة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الدولي للمبادرة الاجتماعية، أن الاقتصاد الاجتماعي يعد اليوم في صلب الجيل الجديد لأنماط النمو وأشكال بدائل التطور. وقال الكراوي، في حوار خص به الزميلة "لومتان"، بمناسبة تنظيم مناظرة دولية حول موضوع "الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، رافعة المستقبل للأجيال الجديدة للنمو" بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، إن "السبب الرئيسي والعميق لتكريس هذا التوجه، يكمن في ضرورة الإقناع بأن النموذج الحالي للتطور والتنمية استنفد كل مقوماته على مجموعة من الأصعدة"، وأن هذا النموذج الاقتصادي يساهم في الإقصاء على مستوى التشغيل، إلى جانب تفريخ أجيال جديد من المعطلين، موضحا أن هذا "الأمر يدعو المجتمعات إلى إعداد شبابها لهذه الحقيقة المرة، التي تنتظر اقتصاداتها، حقيقة تقوم على عدم إمكانية تحقيق النمو، وفي الوقت ذاته، خلق مناصب شغل للجميع، سواء في الأسواق الوطنية أو الدولية". وإلى جانب هذه الإشكالية، تطرق الكراوي إلى أزمة أنظمة الحماية الاجتماعية، وتمويل أنظمة التغطية الصحية، والتقاعد، وتعويض الأشخاص في حالة البطالة، والإعاقة، واختلال البنيات التقليدية للتضمن الاجتماعي، نتيجة التفكك المتسارع للبنيات الأسرية والاجتماعية، إلى جانب تراجع الموارد العمومية الموجهة للقطاعات الاجتماعية، مقابل طلب اجتماعي متزايد وضاغط على القطاعات الاستراتيجية من قبيل الصحة، والسكن. وأفاد الكراوي أن تأثير الأزمة المالية العالمية على مستوى امتداد وتوسع جيوب الفقر وتفاقم الفوارق الاجتماعية، واهتزاز الطبقات المتوسطة، وانكماش استهلاك الطبقات الميسورة، إلى جانب أوجه أخرى لهذا النظام الاقتصادي، المطبوعة بالرشوة، والمضاربات، وعنف المال، عوامل تؤكد مدى الحاجة إلى اقتصاد اجتماعي تضامني، قادر على توفير بديل حقيقي، ورافعة للمستقبل، لفائدة الأجيال الجديدة لنمادج التطور والتنمية. ويرى الخبير المغربي أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يعد خزانا مهما لفرصة لم تستغل بعد، ولم يقع تثمينها بالشكل الملائم، على اعتبار وجود مؤهلات كبيرة للتنمية وخلق فرص الشغل في كل قطاعات الأنشطة، خاصة القطاعات المستقبلية، من قبيل الاقتصاد الأخضر، والقطاعات غير الفلاحية في العالم القروي، إلى جانب قطاعات الطاقة، والماء، والفلاحة المستدامة، والصحة، والنقل، والثقافة والترفيه، كما أن هناك طاقات أخرى متعلقة بالموارد البديلة للتمويل، النقدية وغير النقدية. وعن كيفية تحويل هذه الإمكانيات إلى واقع ملموس، أشار الكراوي إلى أن قوة الاقتصاد الاجتماعي تكمن في مبادئه وتوجهاته، ومقارباته، والوسائل التي يعتمدها والأهداف المتوخاة منه بالنسبة لكل قطاع على حدة. وذكر أن قيم الاقتصاد الاجتماعي تتميز بحرية الانخراط، والمساواة بين المتدخلين، والديمقراطية التشاركية، والبحث عن المنفعة الجماعية، والانسجام الاجتماعي والجماعي. وأكد أن الاقتصاد الاجتماعي يعتبر أيضا مقاربة تتأسس على التدبير المتقاسم للإيجابيات والأخطار. وكلها وسائل تقوم على ميكانيزمات التضامن والتعاضد، والابتكار، والمتابعة، والمراقبة، والمحاسبة. واعتبر رئيس جهة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمجلس الدولي للمبادرة الاجتماعية أن هناك تحديات تواجه هذا النمط الاقتصادي، وأن إنشاء المرصد الاقتصادي والاجتماعي والتضامني مستقبلا، كما هو وارد في استراتيجيته الوطنية برسم الفترة 2010 2020، من شأنه المساهمة في رفع التحديات المطروحة، إلا أنه أبرز أن المسلك الحقيقي يبقى هو تطوير البحث العلمي بخصوص الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وذكر أن توقيع اتفاقية بين جامعة ابن طفيل والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، خلال هذه المناظرة، يعد نموذجا يمكن تطبيقه مع مؤسسات أخرى لفائدة جامعات أخرى. كما تطرق إلى تحديات الحكامة وغيرها من الأسس، التي يرى أنها يمكن أن تعبد الطريق أمام هذا التوجه.