هي امرأة قانون أولا، ثم فاعلة جمعوية، همها الرئيسي الرفع من شأن الأسرة المغربية، والنهوض بوضعية المرأة، باعتبارها شأنا وطنيا يقتضي من الدولة التدخل لدعمه ماديا ومعنويا، وباعتبارها مكونا أساسيا في المجتمع. هي نجاة الكص، المحامية التي كان لمساهماتها القانونية دور كبير في تغيير قانون الأسرة، وحتى في استقلال القضاء، التي كانت من أبرز المدافعين عنه، منذ أن شغلت منصب نائبة رئيس "الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء"، التي تأسست في 2002، إلى أن أصبح المغرب يتوفر اليوم عن هيئة عليا للحوار الوطني حول استقلال القضاء. تكريمها في كثير من المحطات البارزة يحفزها على العطاء أكثر ومواصلة ترافعها عن المرأة والأسرة، والنضال من أجل مغرب قوي بأسرته كمكون أساسي. فكانت محامية الأسرة وسفيرة الأسرة، واعتبرت من صانعات مدونة الأسرة. عن مختلف هذه المحطات، تتحدث نجاة الكص في هذا الحوار. تترأسين جمعية تهتم بالدفاع عن الأسرة المغربية وتنميتها. حدثينا عن ظروف تأسيسها وأهدافها؟ هي الجمعية المغربية لتنمية أسرة الألفية الثالثة، التي تسعى إلى النهوض بالأسرة المغربية وحل مشاكلها، باعتبارها قضية وطنية تحتاج إلى مجهودات كل القوى والفعاليات، حتى تتمكن من القيام بمسؤوليتها في تربية وتكوين الفرد، وصيانة كرامته. أما عن التأسيس، الذي جرى قبل 6 سنوات، فهذا كان من بين طموحاتي، منذ كنت أمارس العمل الجمعوي في عدة جمعيات نسائية وحقوقية، لأزيد من 15 سنة، كنت فيها دائما المحامية التي تدافع عن قضايا المرأة وقضايا المجتمع بصفة عامة. من أهداف الجمعية، الدفاع عن المرأة المغربية، والترافع لدى الجهات المختصة من أجل النهوض بها في جميع المجالات، والعمل على سن مقتضيات قانونية خاصة بالأسرة كوحدة وكخلية، وتقديم الدعم المادي والمعنوي للأسر في وضعية صعبة. للجمعية، حاليا، برنامج حافل من الأنشطة، على رأسها تأسيس فروع في عدة مدن أخرى مثل أكادير، ومراكش، ووجدة، وغيرها... وندوات تهتم بحقوق المرأة وحماية الأسرة، ومكانتها في الدستور الجديد، وبتطبيق مدونة الأسرة، وغير ذلك من القضايا... الجمعية تعمل أيضا، على صياغة اقتراحات لإقرار حقوق الإنسان، بشراكة مع الجهات المعنية وجميع المتدخلين، في إطار مقاربة تشاركية تقدم البديل لمساعدة الأسرة المغربية، وتمكينها من العيش الكريم. كيف اختارت نجاة الكص المحاماة؟ وأين تجدين نفسك أكثر، في العمل الجمعوي أو في المجال القانوني؟ - أعتبر أن النضال يجري في دمي منذ الصغر، فلم أكن أتردد في أن أثور داخل الأسرة على الظلم، خاصة حين يتعلق بالتمييز بين الجنسين. تزوجت وعمري 16 سنة، لكني فرضت على زوجي أن أكمل دراستي. فكنت الوحيدة، من بين زملائي، التي تدرس وهي متزوجة. حصلت على الإجازة وأنا أم لطفلين، وحصلت على الدراسات العليا، وبعدها اخترت المحاماة، واجتزت كل ما يتطلب النجاح في هذه المهمة بجهد ومثابرة، وكنت أرافع بكل جرأة وكفاءة، وأنا ما زلت متمرنة حينها. بعد ذلك ازدادت مسؤولياتي، كزوجة وأم لثلاثة أطفال، فازدادت أيضا انشغالاتي ما جعلني أعاني وأتعب وأؤدي ثمن استقرار عائلتي، وكذا ضمان استقلاليتي المادية ومكانتي في المجتمع. تسلحت دائما بالإيمان، وبالإرادة القوية والعزيمة، فأنا امرأة التحدي، وكثيرا ما أطلقوا علي امرأة المهمات الصعبة، لأنني أهوى حل الأزمات المستعصية. هذا الحس جعلني أيضا أخوض العمل الجمعوي، الذي اعتبره أيضا مجالا للدفاع عن قضايا المظلومين وقضايا المجتمع، وبالتالي أجد المجالين مرتبطين إلى حد ما، المهم هو أن أساهم في إنصاف الشريحة التي تحتاج إلى ذلك، سواء عن طريق المحاماة أو عن طريق العمل الجمعوي. لكن أكيد كان من ساندك في هذه المحطة العصيبة من حياتك؟ زوجك مثلا؟ - صراحة زوجي لم يرحب بما كنت أقوم به، لكنه اقتنع في الأخير بكفاءاتي واجتهادي، فأصبح يقدر عملي كثيرا.. ويقدر الجهد الذي أقوم به لفائدة أسرتي، ولفائدة الآخرين، ومن أجل تربية أبنائي الذين أعتقد، ولله الحمد، أنني توفقت في تربيتهم ورعايتهم في خضم كل هذه الانشغالات والمسؤوليات. ثم هناك زملائي المحامون والنقباء المتعاقبون، الذين وجدت فيهم الكثير من الدعم المادي، وكذا الإعلام لعب دورا كبيرا في دعمي، والعديد من الأصدقاء ... وكم كنت أسعد حين أصادف من يقرأ لي أبحاثي أو مقالاتي، أو شاهد بعض البرامج التي حضرتها، ويعبرون لي عن اعتزازهم بي وبأفكاري... فأنا مدينة لكل هؤلاء بنجاحي. حدثينا عن مساهماتك القانونية في مجال الرقي بوضعية المرأة والأسرة. - ساهمت بعدة مقالات وكتابات حول مدونة الأحوال الشخصية، وكانت لي مقالات عديدة حول المرأة، منذ 1995، إذ كانت تنشر بجريدة الاتحاد الاشتراكي، وبعدها جريدة العلم. ولي الفخر أن يكون آخر لقاء إذاعي، قمت به مع السيدة ليلى، هو فاتحة إعلان جلالة الملك عن تعديل مدونة الأسرة. كما دافعت عن قانون الجنسية، بالنسبة إلى الأطفال من زواج مختلط، ولي الشرف أن أكون من الفاعلات والمساهمات في تغيير هذا القانون، فبعد مشاركتي في برنامج تلفزيوني حول هذه القضية، صدر مباشرة وبعد أيام قليلة من هذا اللقاء، قانون تخويل المغربية نقل جنسيتها لطفلها في حال زواجها من أجنبي، مثلها مثل الرجل. حينها اختارتني جريدة "لاكازيت" من بين 100 شخصية، التي صنعت الحدث في المغرب. بعد ذلك، ألفت كتابا وضعته بين يدي اللجنة الملكية المكلفة بتعديل الأسرة، فاعتمدت منه 90 في المائة من المقترحات التي تضمنها، وهو "مواقف وآراء حول الوضع القانوني للمرأة المغربية"، الذي يعتبر دراسة لوضع المرأة المغربية في جميع المجالات القانونية، لكني ركزت بالضبط على مدونة الأحوال الشخصية. هذا المؤلف حظيت بشأنه بتكريم من جلالة الملك محمد السادس في 2004، بطنجة، وكان بمثابة مرافعة عن المرأة المغربية، إذ تناول وضعيتها في عدد من القوانين، كالقانون الجنائي، والشغل...ومع ذلك، استغرب الكثيرون من إقصائي من عضوية هذه اللجنة، رغم أن جميع التغييرات، التي حصلت عليها المرأة، كنت فاعلة فيها سواء عبر الندوات، أو على مستوى الكتابة. /bكنت أيضا من الأوائل التي طالبت بدسترة الأسرة، وساهمت بمذكرة لتعديل الدستور، وطالبت بإنشاء المجلس الأعلى للطفولة والأسرة، وبالفعل، تحقق ذلك في الدستور الحالي. - كيف تنظرين للعمل الجمعوي، اليوم، خاصة المهتم بقضايا المرأة المغربية؟ - لقد كنت عضوة، وما زلت، في العديد من الجمعيات .. ولي بعض التحفظات تجاه نشاطات بعضها.. أعتبر أن الجمعيات الجادة قليلة جدا، فيما الأغلبية ضلت السبيل.. بعضها يتلقى الدعم الدولي والوطني، ومع ذلك، تعمل من أجل مصلحتها الخاصة، وليس من أجل القضايا التي وجدت من أجلها. الجمعيات اليوم، مطالبة بتصحيح مسارها، وتفعيل أهدافها ومشاريعها، وعلى المسؤولين أن يتحروا مصداقية هذه الجمعيات، قبل أن يقدموا لها أي دعم كان، والتعرف على الجمعيات التي تسعى للعمل الجاد فعلا. أنا شخصيا لا أتوصل بأي دعم ولا أطلبه، لأنني أفترض أن تكون الجهات المختصة على علم بنشاطاتي، وتقوم بدعمي، تلقائيا، فلمدة أزيد من ست سنوات أعتمد فقط على وسائلي المادية الخاصة، وأعتبر الأمر صدقة جارية، مادامت تجري في أعمال الخير، ولصالح بلدي. على الجمعيات أن تتسلح اليوم بحب الوطن، ونكران الذات، وأن تكرس مبادراتها لخدمة الآخرين... فدورها لا يقل عن المساهمة في التنمية، وفي الشأن العام، لأن لها الحق، اليوم، في تقديم مقترحاتها للجهات المختصة، فهي شريكة في التدبير وفي تسيير السياسات العامة للدولة، وبالتالي عليها تفعيل الأهداف التي تبنتها في مجال اختصاصها. ما هي الثغرات التي مازال يعاني منها القانون المغربي في ما يهم أوضاع المرأة والتي تعيق استقرار الأسرة المغربية؟ - هناك بعض النواقص المتعلقة بالتطبيق أساسا، لكن أعتبر أن المشكل الكبير ليس في القوانين، بل في العقليات عند الجنسين.هناك نساء يكرسن هذه العقلية الذكورية لأن الأمية، القانونية بالأساس، متفشية، خصوصا عند المرأة القروية. ويساهم في تكريس ذلك التعتيم الإعلامي، الذي لا يقوم بدوره كاملا في التوعية والتعريف بالحقوق، وبنصوص القانون كما يجب، رغم مرور 8 سنوات على إصدار قانون الأسرة، فالقانون يقول إنه لا يعذر أحد بجهله القانون، ولكننا نجد أن الكل يجهل هذا القانون. لهذا، تجدين من بين أهداف جمعيتي إنشاء مركز لمحاربة الأمية الأبجدية والقانونية، وسيكون أهم مشروع قد أنجزه في مساري الجمعوي والقانوني.