يواصل الفنان الفوتوغرافي المغربي، جعفر عاقيل، اشتغاله على "الخطوات"، ويقتفي أثرها من جديد في معرضه الفردي، الذي سيفتتح مساء اليوم 23 نونبر الجاري برواق محمد الفاسي. الفنان جعفر عاقيل (خاص) التابع لوزارة الثقافة بالرباط، ويحمل اسم "اقتفاء الأثر..."، ويضم مجموعة من الصور الفوتوغرافية الجديدة لرئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي. يتعقب الفنان جعفر عاقيل في هذا المعرض الجديد، المنظم من طرف وزارة الثقافة، والجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي إلى غاية 10 دجنبر المقبل، الخطوات في المغرب، أو في الشيلي، التي شارك، أخيرا، في معرض جماعي بها، أو في فرنسا أو في أماكن أخرى، ويرصد تلك الخطوات من خلال الأضواء والظلال، والأمكنة والأزمنة، وفي كل الحالات والوضعيات المختلفة بهاجس واحد وقصدية وحيدة، امتلاك هذا المرئي/ اللامرئي للفعل العادي "الخطو" أو"المشي"، ولمن يقوم به أي "الماشي". في هذا المعرض الفردي الأول من نوعه للفنان، الذي شارك في مجموعة من المعارض الجماعية بالمغرب والخارج، يقدم جعفر عاقيل سلسلة من الصور الفوتوغرافية، التي التقطتها عدسة آلته الفوتوغرافية في مختلف المناطق والأزمنة، ويقتفي من خلالها أثر "الخطوات"، التي يقدم من خلالها مقاربة فوتوغرافية متميزة ومبتكرة لموضوع قد يبدو للبعض منسيا أو مبتذلا، لكنه لدى الفنان عاقيل مفتاح للإبداع والخلق من جديد، واقتفاء الصورة الفوتوغرافية في أبهى تجلياتها. "الفوتوغرافي المشاء"، هذا هو الوصف، الذي أطلقه الشاعر والروائي حسن نجمي على هذا الفنان الأصيل، الذي يراكم الأفكار والتجارب، كما يقول في تقديمه لهذا المعرض، مرتقيا سلم المهارة الجمالية والفنية، مستندا إلى مدخراته النظرية والمعرفية، واثقا في خطواته الهادئة، والناعمة، والعميقة، مقتفيا أثر المشاة في الظل والضوء، في الفضاء والزمن، كأنه يلتقط انعكاس الخطوة على الأرض، كما ينعكس ومض خفيف على مرآة الكون. ويضيف نجمي أن عاقيل لا يرغب في التوثيق من خلال هذا المعرض، وإنما الاحتفاء بالأثر، "إنه لا يلهو لهوا فوتوغرافيا مجانيا وهو يلاحق فعلا يوميا يكاد يكون منسيا أو "مبتذلا" لا يفكر فيه أحد (وهل يفكر أحد في مشيته وهو يمشي؟). على العكس، إن جعفر عاقيل يصنع المعنى مركزا على التفاصيل صانعا قيمة وجودية بامتياز. وهيأ نظرته وقدرته الذاتية على تصيد الأثر، الأثر فقط وهو يكاد يمحي من الصورة، يكاد يكون خارج الصورة". ويخلص نجمي إلى أن جعفر عاقيل يقدم، من خلال هذا المعرض الفوتوغرافي الجميل والعميق، درسا للزوار يدعوهم فيه إلى الارتقاء بنظرتهم إلى أقدامهم وأقدام الآخرين، وجعل الرقص أفقا للمشي وحلما لامتناهيا، ألم يقل أحد الكتاب "حتى حين يتمشى الطير، نحس بأن له جناحين"، وأيضا، ألم يقل بتروني (petrone) "يكفي أن نرى أحدا يمشي، فنعرف فكره"، قائلا إن "الفوتوغرافي جعفر عاقيل، المتيقظ، وهو يترصد كل هذه "الديدان التي تمشي على سطح الأرض، قبل أن تعود لتمشي تحت الأرض"، بتعبير نيتشه، يريد أن يقول لنا من خلال هذا المعرض، وهذه التيمة الجميلة الطريفة العميقة، ومن خلال إبداعه بأن من لا يعرف كيف يقود خطاه، لا يعرف كيف يقود العالم من حوله". أما الفنان التشكيلي والناقد الجمالي، بنيونس عميروش، فكتب عن هذا المعرض ورقة جميلة تحمل عنوان "على إيقاع الخطى"، تحدث فيها عن الريبورتاج الفوتوغرافي، وتساءل عن إمكانية تجاوز الريبورتاج الفني تشخيصيته الحكائية لملاحقة أفق جمالي صرف. ويضيف عميروش أن الغالب هو التقاط الصور من خلال تصويب العدسة باتجاه أفقي (نحو الوجوه مثلا)، أو من الأسفل إلى الأعلى vue contre-plongeante (تصوير صعودي لتعظيم الأشخاص مثلا)، إذ يتخذ الفوتوغرافي "موقفا" بداية من اختيار زاوية النظر، بينما يبقى من النادر تصويب العدسة من الأعلى نحو الأسفل vue plongeante خشية تشويه "الموضوع" (sujet) وتصغيره رمزيا، مشيرا إلى أنه "من هذه الندرة، تنهل فوتوغرافيات عاقيل سمتها الاختزالية، التي يجري عبرها نزع السحنات والأجساد، التي لا تبقي إلا على أقدامها وهي تشكل متوالية الخطى المنفلتة اللامتناهية، حيث هاجس الإمساك باللحظة والراهن يتوارى لصالح الدنو عميقا في قشرة البسيطة السائرة تحت النعال، لإحياء ذاكرتها المنسية، التي لا تستفيق إلا بفعل المحو الموزون، الموصول بوضع آلة التصوير في حالة تصادم مموسق مع الأرض، ليجد الفوتوغرافي نفسه مستجيبا لصدى الإبصار، الذي يقحمه في سيرورة بحث مستديم عن ظله". ويخلص عميروش إلى أن "في هذه الأعمال ذات الصلة الفضائية بمدائن المغرب وفرنسا والشيلي، تتشكل الرؤية القاطعة المحاكية لشذرية الهايكو، كتعبير بصري يحتفل بطبيعة مدينية منبنية على فتنة تفصيلية ممتعة ومستفزة في آن".