تنعقد الجولة الثامنة من المفاوضات غير الرسمية حول الصحراء، المقررة من 19 إلى21 يوليوز الجاري بمانهاست، تحت إشراف الأممالمتحدة، ضمن سياق إقليمي جديد. سمته الأساسية الدينامية الجديدة، التي أطلقها المشروع المجتمعي، الذي اختاره المغاربة، فضلا عن الحراك والانتفاضات الشعبية، التي تشهدها بعض دول الجوار، والتي قد تشكل تهديدا جديا للأمن والاستقرار بشمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء. وإذا كانت بعض بلدان المغرب العربي تشهد اضطرابات قوية، فإن دولا أخرى تعيش مرحلة انتقالية واعدة بالأمل والتقدم، ستكون لها دون شك انعكاسات على المنطقة في المدى البعيد. فمن جهة، هناك تطور هادئ نحو ترسيخ الديمقراطية وتعزيز الانفتاح، وهذا ما يعكسه النموذج المغربي، ومن جهة ثانية، يشهد بلد مغاربي آخر تموجات غير مضمونة العواقب. والواقع أن هذه التحولات العميقة، التي تحصل ضمن ما يصطلح عليه بالربيع العربي، تتطلب إعادة ترتيب الأوراق، والتفكير الجماعي في إطار نظرة جيوسياسية إقليمية، تروم تحقيق الاستقرار والأمن بهذه المنطقة من جنوب حوض المتوسط، ذلك أن المواقف الإديولوجية والجيوسياسية، التي كانت سببا في تنافس محموم، أفرزت طروحات عفا عنها الزمن، حسب ما أكد أحد المراقبين. وكان وزير الخارجية والتعاون، الطيب الفاسي الفهري، جدد التأكيد خلال الجولة السابعة من المفاوضات غير الرسمية، التي جرت في يونيو المنصرم على "إرادة المغرب مواصلة التزامه القوي مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، كريستوفر روس، من أجل التوصل إلى حل سياسي عاجل يحترم سيادة المملكة، والتمكن، بالتالي، من استئناف بناء المغرب العربي، مغرب عربي مستقر، قوي ومندمج اقتصاديا، لمواجهة التحديات التي تواجهه، سيما على مستوى جواره بجنوب الصحراء". في السياق ذاته، أكد ديبلوماسي أممي، أخيرا، أن التحديات مازالت مطروحة، قائلا "إننا في ليبيا، على سبيل المثال، نشهد تغير أمة ومآسي إنسانية، فضلا عن المخاطر الأمنية". لذلك فإن المنطقة الواقعة جنوب الصحراء تشهد نزوحا لآلاف اللاجئين، وانتشارا للاسلحة والمرتزقة، فضلا عن تفشي الأعمال الإجرامية، وهو ما يشكل تهديدا إضافيا للتوازن الهش في منطقة تعاني من عدم الاستقرار، وتعرف حدودها اختراقات عديدة. وكان الممثل الشخصي السابق للأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة في الصحراء، إيريك يانسن، حذر في تدخل أمام اللجنة الرابعة للمنظمة في أكتوبر الماضي، من خطر "قيام ساحلستان على أبواب المغرب العربي". فالمغرب، الذي عبر عن حسن إرادته ونيته الصادقة، خاصة من خلال مخططه للحكم الذاتي، الذي لقي ترحيبا دوليا باعتباره مخططا واقعيا يحظى بالمصداقية، وكذا عبر مشروعه للجهوية المتقدمة، ليس باستطاعته لوحده تجاوز العراقيل، التي تطرح كلما لاح في الأفق حل نهائي لهذا النزاع المصطنع. ويرى العديد من الملاحظين أن المغرب، يعمل جاهدا على إيجاد حل سياسي لهذه القضية، وبرهن غير ما مرة عن ذلك، كما قدم أخيرا مقترحات ملموسة في إطار مقاربات متجددة، تروم المساعدة على الخروج من المأزق، وتجاوز الوضع القائم الذي يعمل بعض "الخصوم المحرضين" على استدامته. وفي هذا الإطار، كان الطيب الفاسي الفهري، أكد خلال جولة سابقة، أن المغرب يريد أن يضفي أملا على هذه المفاوضات، من أجل تحقيق تقدم، مع الأخذ بعين الاعتبار تجارب أخرى ناجحة عرفتها مسلسلات تفاوضية، واعتماد مناهج أخرى، حتى تعطي هذه المقاربة الجديدة التي أطلقت في نونبر الماضي أكلها. لقد أوفى المغرب بجميع التزاماته، سواء على صعيد حقوق الإنسان أو على مستوى الحكامة أو تمثيلية السكان، وهو ما كان محط ترحيب وتنويه من المجتمع الدولي. ويرى ملاحظون مهتمون بالشأن المغاربي أن الأطراف الأخرى أصبحت مدعوة إلى الانخراط في هذه الدينامية، عبر الشروع أولا في تطبيق بنود القرار 1979، الذي صادق عليه مجلس الأمن بالإجماع في أبريل الماضي، والكف عن اختلاق "الذرائع الواهية" كلما اقترب موعد المفاوضات، في محاولات يائسة للفت أنظار الرأي العام العالمي، وسكان مخيمات تندوف عن القضايا الجوهرية. وضمن هذه القضايا الجوهرية هناك، في المقام الأول، إحصاء سكان المخيمات، وهو مطلب نص عليه القرار الأخير لمجلس الأمن باعتباره "التزاما قانونيا"، وكذا الاستماع إلى نبض هؤلاء السكان وتلبية انتظاراتهم، وخاصة الشباب منهم، وتمكينهم من التعبير عن آرائهم واختيار مسارهم، وهو ما يدخل، دون شك، في صميم واجبات الجزائر وبوليساريو. فسكان المخيمات عيل صبرهم، حيث بدأت أصوات ترتفع، ومن ضمنها تيار خط الشهيد الذي يطعن في تمثيلية القيادة "الفاسدة"، ناهيك عن أصوات الأجيال الجديدة، التي ازدادت ونمت في المخيمات وجرى تجنيدها دون أي آفاق مستقبلية. وهناك التزام آخر يقع على عاتق الجزائر، ألا وهو الانكباب على تقييم مخاطر عدم الاندماج المغاربي، خاصة في ظل هذه الفترة، التي تتميز بالاضطرابات، وتقييم نتائج وتأثيرات الربيع العربي تقييما حقيقيا.(و م ع)