أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، أمس، صلاة الجمعة بمسجد ضريح محمد الخامس بحسان. (ح م) واستهل الخطيب خطبة الجمعة بالآية الكريمة "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا"، موضحا أن هذه الآية تضمنت وعدا كريما من الله لعباده المومنين الصالحين بالاستخلاف في الأرض، والتمكن في الدين والحياة فيها، حياة آمنة مطمئنة محفوفة بعناية ورعاية الله رب العالمين. وأكد أن من مظاهر هذا الاستخلاف في الأرض والتمكين في الدين في حياة المسلم، وتيسير القيام برسالته الدينية والوطنية على الوجه الأكمل، أن يكون في وطنه الأم وبلده الأصلي يتمتع فيه بكرامته الإنسانية وينعم فيه وسط مجتمعه بحريته وكامل حقوقه ويشعر فيه بالأمن على نفسه وأهله وماله، ويطمئن على سلامتها من أي إساءة أو مضرة تلحق بها، فينهض بوطنه ويعمل على إسعاده في ظل قيادة رشيدة حكيمة متبصرة تجمع شمل أفراده، وتضم شتات سائر مكوناته وتجعل منهم أمة واحدة متآخية ومتماسكة كالبنيان يشد بعضه بعضا. وذلك، يضيف الخطيب، ما أنعم الله به على مملكة المغرب المتأصلة العريقة منذ عرف الإسلام وتمسك به وتكونت فيه دولته المستقلة، في عهد دولة الأشراف الأدارسة إلى عهد الدولة العلوية الشريفة، وينعم بذلك في عهد وارث سرها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس. وأوضح أن المراد بكلمة الوطن والمواطنة في منظور المجتمع وحياة المسلم أنه بلده الأصلي الذي ولد فيه، ونشأ وترعرع وتعلم وتثقف فيه، وتربى في أحضان بيئته ومجتمعه، وتمتع فيه بحقوق إنسانية ثابتة وتكونت له فيه شخصيته الدينية والوطنية، وهو إلى جانب ذلك، موطن الآباء والأمهات، وبلد الأجداد والجدات، ينتسبون إليه انتسابا أصيلا وينتمون إليه انتماء عريقا ويرتبطون بالولاء له ارتباطا وثيقا. وقال إن أول ما يجب على المواطن نحو وطنه الأم، شرعا وطبعا، ويقتضيه واجب البرور بالوطن والاعتراف له بالجميل، هو حبه له حبا صادقا عميقا، بحيث أن عددا من واجبات الدين وأخلاقه ومكارمه تتحقق للإنسان المواطن، إذا ظل مستحضرا لانتمائه لوطنه ولمسؤوليته المترتبة عن وطنيته، ولذلك وجب إلحاح العلماء والخطباء على الروابط الوطنية وما ينبغي التشبع به من روحها، لأن عددا من الأمور والأعمال التي ترضي الله وتنفع عباده متوقفة على مراعاة تلك الروابط والتمسك بها وبمزاياها. وأكد أن حب الوطن من الإيمان في حياة المسلم لأنه وطن للإسلام وأرض لدينه الحنيف، وهو بالتالي حب للدين وشريعته السمحة ولما تضمنه من أسس وأخلاق فضلى وقيم عليا يتحلى بها المسلم تدينا وتعبدا لله تعالى، مبرزا أنه تأسيسا على هذا الواجب الأول نحو الوطن المتمثل في الحب العاطفي والفطري، فإن الواجب الثاني تجاهه هو ترجمته إلى محبة عملية واقعية ومواطنة صادقة تظهر في أعمال إيجابية نافعة تنم عن مدى تعلقه به وإخلاصه وولائه له وتفانيه في خدمته وتكشف عن سعيه المتواصل ومشاركته الفعالة في تشييد صرحه الشامخ بالعمل الإيجابي البناء. كما يتمثل هذا الواجب في العمل على كل ما يحقق لوطن المسلم المزيد من الخير والنماء من خلال قيامه بالواجبات الاجتماعية المنوطة به في الحياة وبرهانه عن مدى تمسكه بالثوابت الدينية والوطنية المجمع عليها من الأمة، والتي هي في بلدنا المغرب، الدين الإسلامي الحنيف والملكية المتحلية بالإمامة العظمى وإمارة المؤمنين والوحدة الوطنية والترابية، مما جعل المملكة على امتداد تاريخها الحافل الطويل تتميز بخصوصية الجمع بين الحفاظ على ما هو ثابت وراسخ والأخذ بما هو حديث متجدد في عهد من ولاه الله أمر هذه الأمة المغربية ويسره لتدبير شأنها ورعاية مصالحها الدينية والدنيوية، جلالة الملك محمد السادس. وأكد الخطيب أنه إذا كان حب الوطن والتعلق به أمرا واجبا ومحمودا شرعا ومجتمعا وشعورا وإحساسا قلبيا مغروزا في نفس المرء، باعتباره من الإيمان، فإن لذلك واجبات وحقوقا لا يكتمل ذلك الحب والتعلق بالوطن إلا إذا نهض المواطن بها، ضمن جماعة الأمة ومكوناتها وانخرط في ذلك بحيوية وإيجابية وقناعة ونكران ذات، وفي مقدمة ذلك التمسك بالانتساب للوطن والاعتزاز بالانتماء إليه والتشبث بمقدساته الدينية وثوابته الوطنية والمشاركة العملية بكل ما يرفع شأنه ويسهم في تشييد حضارته وتحقيق الصالح العام . وشدد الخطيب على ضرورة حرص المغاربة على كل ما من شأنه أن يزيدهم تمسكا بدينهم وأخلاقهم، وسدادا في أقوالهم وصوابا في أعمالهم وحبا لوطنهم وبلدهم وتماسكا وتضامنا ورخاء وازدهارا وأمنا واستقرارا وتعاونا على الخير، في ظل رائد المبادرات الإصلاحية الكبرى وباعث نهضة التنمية الاجتماعية المثلى وضامن الوحدة والاستقرار والطمأنينة لبلدنا العزيز، جلالة الملك محمد السادس. وابتهل الخطيب في الختام إلى العلي القدير بأن ينصر أمير المؤمنين حامي حمى الوطن والدين، نصرا يعز به الدين ويجمع به كلمة المسلمين، وبأن يسدد خطاه ويحقق مسعاه، ويقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد أزر جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة . كما تضرع إلى الله عز وجل بأن يتغمد برحمته الواسعة الملكين الفقيدين المصلحين، جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، ويجعلهما في مقعد صدق مع النبيئين والشهداء والصالحين.