عشقت التمثيل في ربيعها السابع، بفضل والدها، الذي كان يأخذها معه للقاعات السينمائية ما غرس بداخلها حب التمثيل، واستقرارها بالحي المحمدي، الفضاء، الذي تخرج منه العديد من الوجوه الفنية في مختلف الأطياف، من غناء وتمثيل، مكنها من أن تكون من المترددين كل يوم أحد، على سينما شريف، لمشاهدة الأفلام، ما دفع بصاحب القاعة إلى استقبالها مجانا هي ورفيقاتها في الحي. هذه كلها عوامل ساهمت في خلق فنانة شابة، في ستينيات القرن الماضي. إنها الفنانة المحبوبة عائشة ساجد، التي حققت نجاحا فنيا متميزا، بعد التحاقها بفرقة البدوي، التي فتحت لها الأبواب للتمثيل. برفقة زوجها، الفنان عبد الرزاق البدوي، كونا ثنائيا جميلا، كزوجين، وشقا طريقهما الأسري بحب واحترام. فنيا، استطاعت، أن تكسب إعجاب زوجها كذلك، لأنها أبدعت وتألقت في كل الأدوار التي أسندت إليها. تألقت فوق خشبة المسرح، التي كانت انطلاقتها الأولى. لها أعمال تلفزيونية وإذاعية لكن المسرح يظل الفضاء الذي تبدع فيه بعشق. راكمت تجربة تجاوزت الأربعة عقود، جسدت خلالها أدوارا متنوعة، وعبرت فيها عن هموم المرأة المغربية وعن طموحاتها وأمالها وآلامها. فتحت ساجد قلبها ل "المغربية" وتحدثت عن أهم المحطات التي طبعت مسارها الفني، كما عبرت عن سعادتها لأنها أدت رسالتها الفنية بإخلاص دون أن تغفل واجبها كأم، فهي أم لثلاثة أبناء، كافحت من أجل أن يحققوا طموحاتهم ويعيشوا الآن في استقرار. ما هو جديدك الفني؟ نقوم حاليا بجولة لمسرحية "40 عام عشرة"، تأليف سعد الله عبد المجيد، ودراماتورجيا عبد الرزاق البدوي. وتحكي المسرحية قصة طبيبة بيطرية، تحتفل بأربعين سنة على زواجها بالأستاذ الجامعي، وتتخلل فصول المسرحية عدة مشاكل، تعيق هذا الاحتفال، الذي يكلل في النهاية بالصلح. نعرض هذه المسرحية للسنة الثانية، لأننا تعودنا أنه كلما حصلنا على دعم مسرحي، ألا نضيع هذا الإنتاج، حتى يتسنى لعدد كبير من الجمهور أن يحظى بفرصة مشاهدة هذا الإبداع. نحرص داخل الفرقة المسرحية على تقديم الأعمال المدعمة في مختلف المدن المغربية. من مشاريعي الفنية، أيضا، التحضير لعمل تلفزيوني سيعرض على القناة الأولى. ونحن الآن بصدد كتابة نص جديد. هل سيعرض العمل الجديد في رمضان المقبل؟ شخصيا، لا أحب الاشتغال في رمضان، لأن أغلب الأعمال تشاهد وقت الذروة. الفن مدرسة يجب الاشتغال عليه طيلة السنة. أعتقد أنه من الأفضل ألا تعرض الدراما، خلال رمضان فقط، لأن هذا الشهر الفضيل فرصة ومناسبة للعبادة أكثر منه للتسلية. كيف ترين الساحة الفنية المغربية حاليا؟ نفتقد كثيرا إلى الدراما، وإلى تربية درامية، في ظل هيمنة الأعمال الفكاهية. للأسف، المسؤولون عن البرامج والإنتاج التلفزيوني يهتمون بالفكاهة أكثر من أي لون إبداعي آخر. في الفترة الأخيرة، بدأنا نتلقى اتصالات من القيمين على التلفزيون، يطلبون منا تقديم أعمال درامية، رغبة منهم في تغيير المسار الفني، لأن الفكاهة، التي يتلقاها المشاهد غير هادفة، وتفتقد للقيمة الفنية، ولا تحمل أي رسالة للجمهور. كما أنهم لا يعطون قيمة للهجة المغربية. يجب أن نرقى بلهجتنا وبفننا. ما رأيك في الأعمال المدبلجة التي تعرض على القنوات المغربية؟ في ظل غياب إنتاج مغربي، طغت المسلسلات المدبلجة. أنا لست ضد الإنتاجات الأجنبية، لكن أرحب بمثل هذه الأعمال مرة في الأسبوع، باللغة العربية، كي نستفيد منها، كما أتمنى أن تقدم مسلسلات تناقش مواضيع اجتماعية، يمكن للمشاهد المغربي أن يتابعها دون خجل وسط أسرته، لأننا أصبحنا نستهلك مواد فنية ساقطة، لا تراعي الأوضاع الاجتماعية المغربية. إضافة إلى أن المسؤولين على هذه الأعمال لا يستدعون مبدعين في "الدوبلاج"، بل يقتصرون على فنانين مبتدئين بأجور غير مكلفة. كيف ترين المسرح المغربي حاليا؟ هناك لجنة تختار الأعمال المسرحية. ومع الدعم المسرحي، أصبحت 20 مسرحية تستفيد من الدعم، خلال السنة، لكن للأسف أغلب هذه الأعمال لا تعرض بشكل مكثف في المغرب، إذ تقتصر على عرض أو عرضين فقط، علما أن المسرحية عندما تحصل على الدعم، يجب أن تصل إلى مختلف المدن المغربية، حتى يتسنى لعدد كبير من الجمهور أن يستمتع بهذا الإنتاج الفني، الذي تدعمه الدولة. وكيف تقيمين السينما؟ تجربتي في السينما متواضعة، لأنني اشتغلت فقط في أربعة أفلام سينمائية، أولها فيلم "الصمت تجاه الممنوع" سنة 1973 للمخرج عبد الله مصباحي، وشاركني في الفيلم نخبة من الممثلين، منهم الراحل العربي الدغمي، والفنان عبد الهادي بلخياط، ومصطفى الزعري، ونال الفيلم استحسانا كبيرا من طرف الجمهور. كما شاركت في فيلم "دم الآخر"، إلى جانب محمد لطفي، وفيلم "أصدقاء الأمس" لحسن بنجلون، وفيلم "جنة الفقراء" لإيمان المصباحي، وفيلم "خربوشة" لحميد الزوغي. السينما المغربية لا تتطرق مواضيع اجتماعية، وتطرح مواضيع خجولة، باختصار لست راضية عنها، لأنها لم تنصفني. أين تجدين نفسك أكثر عطاء؟ فوق خشبة المسرح، الفضاء الذي يمدني بالعطاء، والتعبير والإبداع. المسرح مرآة تعكس كل الطاقات الإبداعية للفنان. أخيرا جرى تكريمي فوق الخشبة، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. شعرت أن الحفل رد لي الاعتبار. كيف التحقت بالتمثيل؟ كان سني 16 سنة عندما وقفت لأول مرة فوق خشبة المسرح، ضمن فرقة البدوي، التي كانت تشجع الطلبة داخل المؤسسات التعليمية لمشاهدة الأعمال المسرحية، من خلال بطاقة بمثن 10 دراهم تمكن الطالب من متابعة 9 مسرحيات، كل أحد. في صغري، كنت مرحة جدا، وأذهب إلى دار الشباب، والمسرح البلدي. سنة 1965، قدم مسرح البدوي إعلانا لمن يرغب في الالتحاق بالفرقة، وبما أنني كنت أتابع تدريباتهم، بحيث كان عبد الرزاق البدوي يعطي دروسا في التمثيل، تحمست للمشاركة داخل الفرقة. أتذكرين أول مسرحية شاركت فيها آنذاك؟ أكيد، وكأنه أمس قريب، رغم مرور أزيد من 45 سنة على ذلك، شاركت في مسرحية "لو كان الخوخ إداوي"، وأديت دورين في العمل نفسه، دور الأم والابنة. كانت تجربة رائعة، لن أنساها. ألم تواجهك صعوبات من قبل أسرتك ؟ إطلاقا، كنت أذهب إلى السينما رفقة والدي وسني لم يتجاوز السبع سنوات، كان والدي عاشقا للأفلام العربية، وتكون بداخلي حب المشاهدة. والتحاقي بالمخيمات الصيفية، ساهم في تطوير هذه الموهبة، نظرا للأنشطة المتعددة، التي كنا نزاولها هناك. وسكني بالحي المحمدي، بحي "سوسيكا"، وقربي من سينما "شريف"، ساهم بشكل قوي في تكويني الفني، لأنني كنت أذهب رفقة بنات الجيران كل أحد إلى السينما، ولكثرة ترددنا، أصبحنا مألوفات، وكان صاحب القاعة يسمح لنا بالدخول مجانا. كان أبي صديقي المقرب، كان يلبي جميع رغباتي، وعندما علم أنني عاشقة للتمثيل، أخبرته أنني أذهب إلى المسرح البلدي لمشاهدة تدريبات فرقة البدوي، قرر مرافقتي ليرى مع من أتدرب، ولشدة إعجابه بفرقة البدوي، وبالاحترام الذي كان متبادلا بين أعضائها، شجعني على الانضمام إليها. متى كان أول ظهور لك في التلفزيون؟ كان ذلك سنة 1966، من خلال مسرحية "حميد وأمينة". سنة بعدها، بدأت أقدم أدوارا تركيبية. وأول مشاركة لي في المسلسلات التلفزيونية، كانت سنة 1974 في مسلسل " بنك القلق". المسلسل التلفزيوني الثاني، الذي قدمته، كان للأطفال ويحمل عنوان "طريق النجاح" ويتكون من 30 حلقة، كما قدمت، أيضا، عملا مسرحيا للأطفال، لأن فرقة البدوي كانت تحرص على أن تقدم كل سنة عملا إبداعيا للأطفال. على مستوى الإذاعة؟ مثلت في 10 تمثيليات إذاعية بالدارالبيضاء. وكنت عاشقة للتقديم الإذاعي لكن المسرح سرقني. كيف كان الاشتغال داخل الفرقة؟ كنا نشكل أسرة واحدة، أفرادها منسجمون. كانوا يوصلوننا إلى بيوتنا بعد تقديم العروض. كان الاحترام والانضباط، شعار الفرقة، كنا نجتمع قبل العرض، نقرأ الفاتحة، وكانت عناصر الفرقة متماسكة ومحترمة، وهذا هو السبب في استمرار فرقة البدوي على مدى عقود من العطاء المتواصل. كانت تتكون من عبد القادر البدوي وعبد الرزاق البدوي، ومصطفى الداسوكين، ومصطفى الزعري، ولطيفة جيد. في السبعينيات من القرن الماضي، التحقت الفنانة نعيمة إلياس بالفرقة، ومليكة السايح، التي اعتزلت الفن في ما بعد. لك أكثر من 45 سنة من العطاء الفني، هل أنت راضية عن ذلك؟ أشعر أن الساحة الفنية لم تنصفني جيدا. لا أشعر بأي امتياز، اللهم بعض التكريمات، لكن حب الجمهور هو أكبر تتويج واعتراف، وكذا حب زوجي وأبنائي. متى كان ارتباطك بعبد الرزاق البدوي؟ سنة 1972، كنت في المرحلة الدراسية الثانوية، بعدها انقطعت عن الدراسة، وكونني زوجي في مجال التمثيل. كونا أسرة سعيدة ومتماسكة، وأنجبنا ثلاثة أبناء، سفيان، 34 سنة، متزوج ويعيش في إيطاليا، وزكرياء، الذي سلك مسارنا الفني، يشتغل حاليا في الإنتاج السينمائي، وراض عن وضعه الفني، وفاطمة الزهراء، آخر العنقود، متزوجة. أشعر الآن بارتياح، بعد ما أديت واجبي الأسري والفني بنجاح. كيف هي علاقتك بالمطبخ؟ علاقة وثيقة تجمعني بالمطبخ، مملكتي المفضلة، أنا طباخة ماهرة. عشت مع حماتي سنوات طويلة، رغم أن بيتي كان مستقلا، إلا أنني كنت أتردد عليها بشكل يومي. كانت طنجاوية الأصل، وعلمتني الكثير، كما أن والدتي أيضا، كان لها الفضل في تكويني داخل المطبخ. أخذت من حماتي الشهيوات الشمالية، ومن والدتي طبخ الشاوية، لأنها كانت من مدينة سطات. لكن لدي مساعدة أخذت عني كل تقنيات المطبخ، لا تدعني الآن أعمل شيئا. هل تمارسين الرياضة؟ كنت أمارسها منذ سنوات في قاعات الرياضة، لكن أخيرا أقتصر على المشي. هل تحبين التسوق؟ لا أسرف كثيرا، أفضل أن أشتري لزوجي وأبنائي، وأنسى نفسي، كما أنني لا أتابع الموضة، بحيث أحتفظ جيدا بملابسي. لدي بعض الملابس التي أحتفظ بها منذ سنوات، وهي في حالة جيدة. أرتدي منها ما يناسبني.