خصصت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط، يوم الأربعاء الماضي 23 مارس، يوما تكريميا للكاتب والمبدع المغربي الراحل إدمون عمران المالح، الكاتب اليهودي الذي اعتز بمغربيته ودافع عن المغرب والمغاربة بكل قوة، وساهم في التعريف بالتنوع الثقافي في المغرب، بحضور مجموعة من الشخصيات من عالم الفكر والثقافة والفن والسياسة، على رأسها أندري أزولاي، مستشار جلالة الملك، وإدريس خروز، مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، وحسن أوريد، الكاتب ومؤرخ المملكة السابق، والكتاب والفنانين أصدقاء الراحل: محمد برادة، وحسان بورقية، وخليل غريب، والمهدي أخريف، وعبد الله بيضا، ومحمود عبد الغني، وفؤاد بلامين، وكريمة اليتربي، وشمعون ليفي، وريجينا كيل ساكاو، وأرنو جينو. وشكل هذا اليوم التكريمي، فرصة لمدير المكتبة إدريس خروز، للكشف عن المكتبة والمجموعات الخاصة للكاتب الراحل إدمون عمران المالح، التي أهداها للمكتبة وهو قيد الحياة، واختار فضاءها مقرا لمؤسسته. والمكتبة الوطنية من جانبها اعتنت بالذخائر المهمة التي سلمت لها، وأفردت لها جناحا خاصا، زاره المشاركون في اليوم التكريمي، وتتكون من خزانة كتبه بكاملها، التي تضم مجموعة من الكتب النادرة، وكل مقتنياته الفنية من لوحات تشكيلية، وزرابي، وأنسجة صوفية، اقتناها أو صنعها بيده، إضافة إلى مجموعة من الصور، التي تؤرخ لمساره الفكري والحياتي، إلى جانب زوجته الراحلة ماري سيسيل، وصور أخرى تجمعهما بمجموعة من الأصدقاء والكتاب، الذين تأثر بهم هو وزوجته. وعن مؤسسة إدمون عمران المليح، التي حرص على خلقها في حياته، صرح الفنان حسان بورقية، صديق الراحل وملازمه في أيامه الأخيرة، ل "المغربية" أنه خلال اللقاء التكريمي تأسست لجنة تنظيمية للتحضير للجمع العام للمؤسسة تتكون من أندري أزولاي رئيسا، ومن نائبيه الأول والثاني: محمد برادة، وإدريس خروز، ومن بوشتنى الحياني، أمين المال، وعبد الله بيضا الكاتب العام، ومريم خروز نائبته، إضافة إلى الأعضاء عزيز البلغيتي، ونيكولا ديفور، وحسان بورقية، والمهدي أخريف، وخليل غريب، ومجموعة من أصدقاء الراحل من المغرب والخارج وناشريه. وأوضح بورقية أن اختيار أسماء من المركز في اللجنة، يرجع إلى أسباب تنظيمية، ومن أجل العمل على تفعيل هذه المؤسسة، التي أوصى الكاتب الراحل إدمون عمران المالح أن تكون فاعلة، وأن تسهم في بلورة النقاشات الثقافية والفنية والفكرية، المطروحة، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، مؤكدا أن مؤسسة المالح، مفتوحة في وجه أصدقائه وغير أصدقائه، وأنها ستكون لها فروع في بعض المدن المغربية. وأشار بورقية إلى أنه بعد سنة من الآن، وتحديدا ما بين 15 و25 فبراير المقبل، ستنظم المؤسسة لقاء حول الأثر الفكري والفلسفي للمالح، لاطلاع المتتبعين على شخصية الكاتب والمبدع بامتياز، إدمون عمران المالح، الذي يناديه المقربون ب "الحاج"، وأثره الفكري، الذي وشم الذاكرة المغربية بمؤلفاته وإبداعاته المتعددة والمتنوعة. عرف اليوم التكريمي الخاص بالكاتب المغربي الراحل إدمون عمران المالح، تخصيص ثلاث جلسات، الأولى قدمت فيها شهادات في حق "المالح ...الصديق"، ذكر فيها أندري أزولاي، مستشار الملك وصديق الراحل، أن المالح، الذي" ربطته به صداقة تزيد عن ثلاثة عقود، كان قويا وملما وملتزما"، مشيرا إلى أن الراحل أثراه، باستمرار، بقناعاته الهادئة وتفكيره الرصين ووضوح رؤيته، وهي ميزات حملت اسما واحدا، هو المغرب في أبهى حلله وغنى تنوعه، بكل لهجاته وأذواقه المتجذرة. من جهته، أكد إدريس خروز، مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، أن هذا اللقاء يشكل وقفة لتكريم المفكر والفنان والفيلسوف المغربي إدمون عمر المالح، الذي شرف المكتبة الوطنية من خلال إهدائه إياها جميع لوحاته وكتبه ومقتنياته، مبرزا علاقات الصداقة التي كانت تجمع الراحل بالفنانين والمثقفين، وحبه للكتب والفن. وأشار إلى أن الراحل كان يؤكد دائما على عراقة الحضارة المغربية بكل مكوناتها اليهودية والأمازيغية والإسلامية والعربية المنفتحة على العالم، مذكرا بأن "المكون المغربي كان قويا لدى الراحل"، فضلا عن تفرده طيلة حياته في الكتابة والنقد، ودعمه للفن والإبداع. أما الأديب المغربي حسن أوريد، فرأى في التكريم "وفاء لرجل من رجالات المغرب، الذي كانت له أياد بيضاء على الفكر والأدب، على اعتبار أن المالح كان يمثل الثقافة المغربية في كل تجلياتها"، مؤكدا أن المالح، الذي كان متشبعا بمكونات الهوية المغربية بكل تنوعاتها وتجلياتها، انخرط في كل قضايا المغرب وحرص على إبراز البعد العربي، معانقا بذلك هموم الإنسان العربي، لاسيما القضية الفلسطينية. أما ليلى شهيد، المندوبة الدائمة لفلسطين لدى الاتحاد الأوروبي، فقالت في شهادة تلاها نيابة عنها إدريس خروز، إن التكريم المقام ل"الحاج إدمون " بفضاء المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، مناسبة للتذكير بدفاع المالح المستميت عن القضية الفلسطينية، والهجمة الإسرائيلية المستمرة على فلسطين. وأعربت شهيد عن سعادتها بقرار المالح إهداء مجموعته الخاصة من كتب نادرة، ولوحات، ووثائق، وصور، وأوان فخارية، وتحف للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، مبرزة أنها تشكل إرثا حقيقيا يؤرخ لفترة من تاريخ المغرب تميزت بالتعايش بين المسلمين واليهود. وإلى جانب جلسة الشهادات عرف اللقاء جلستين تناولت مواضيع حول "المالح: الكاتب والفنان"، ومعرض المجموعة الخاصة لإدمون عمران المالح، التي أهداها للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية قبل وفاته. يشار إلى أن إدمون عمران المالح، الذي رأى النور سنة 1917 بمدينة آسفي الهادئة في كنف عائلة يهودية من الصويرة، وتربى وسط تعايش كبير بين المغاربة اليهود والمسلمين، رحل عشية عيد الأضحى الماضي، عن سن 93 بعد معاناة مع المرض، وووري جثمانه الثرى بمدينة الصويرة أمام البحر، بناء على وصيته. ويعد الكاتب الراحل إدمون عمران المالح أحد أهم وجوه الأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية، فرغم كونه لم ينخرط في الكتابة إلا بشكل متأخر، وهو في الستين من عمره، فإنه لم يعتبر نفسه إلا كاتبا "عرضيا"، أتى للكتابة بالصدفة بعد مسار في الكفاح من أجل استقلال المغرب مع الحزب الشيوعي، الذي قطع أي صلة له به وبالعمل السياسي ككل سنة 1959، وبعد مسار في تدريس الفلسفة بالمغرب وهجرة طوعية إلى فرنسا للاشتغال على نشر الكتب والتعريف بها في الصحافة الفرنسية في "عالم الكتب" بعدما ضاقت به سبل الالتزام الثقافي بالمغرب، فإن إدمون عمران المالح كاتب استثنائي وضمير الإنسانية بامتياز، استطاع الارتقاء بالمحلي إلى العالمية، وتمكن من القبض على الكثير من التفاصيل والصور، ووظفها بفنية عالية في الكثير من أعماله، التي ضمت حوارات بالعربية العامية "الدارجة المغربية". ومن أبرز أعماله: "المجرى الثابت"، و"أيلان أو ليل الحكي"، و"ألف عام بيوم واحد"، و"عودة أبو الحكي"، و"أبنر أبو النور"، و"حقيبة سيدي معاشو"، و"المقهى الأزرق: زريريق"، و"كتاب الأم"، و"رسائل إلى نفسي".