نظم أزيد من ألف من مريدي الزاوية المشيشية، توافدوا من مختلف جهات المغرب، مسيرة صامتة إلى ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش، بجبل العلم، في ظروف طبيعية قاسية جانب من شرفاء ومريدي الزاوية المشيشية في حضرة مولاي عبد السلام بن مشيش (خاص) احتجاجا على ما أقدم عليه، أخيرا، عدد من الأشخاص، الذين كانوا محسوبين على الزاوية من إساءة لحرمة الضريح، باستغلال اسمه غير مشروع للفتوحات، وتسخير ذوي السوابق الجنائية لابتزاز المواطنين، وتحديدا بمدشر جبل العلم. وقال عبد الهادي بركة، نقيب الشرفاء العلميين المشيشيين، في بلاغ توصلت "المغربية" بنسخة منه إن "رد الفعل ضد المسيئين للزاوية والمستغلين لاسمها وفتوحاتها، تمثلت في مسيرة حاشدة، نظمها مريدو الزاوية، الذين توافدوا من جهات مختلفة من المملكة، عبروا من خلالها عن رفضهم لأي استغلال باسم قطب الزاوية مولاي عبد السلام بن مشيش، مؤكدين حرصهم على الوقوف صفا واحدا في وجه كل من يسيء لقدسية الزاوية، ويشكك في دورها التاريخي في تلقين العلم وتكوين العلماء، الذين لعبوا دورا طلائعيا في الحفاظ على وحدة المملكة إلى جانب الملوك العلويين، الذين لم يدخروا جهدا في دعم كل شرفاء وخدام الوطن". من جهته، أوضح نجل النقيب نبيل بركة أن "منفذي هذه المسيرة الروحية عقدوا العزم للتصدي لكل من يحاولون المس بأخلاق شرفاء الزاوية وخدامها الأوفياء، واستغلال ثوابتها العلمية والروحية في أغراض دنيئة ومشبوهة تشكك في يقينية المدرسة المشيشية الشاذلية". وكشف بركة في حديث إلى "المغربية" أن عناصر محدودة مدفوعة من طرف بعض المنتفعين، الذين يفضلون مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن ووحدته الترابية، اخترقت هامشا سفليا في مدشر جبل العلم، لإشعال الفتنة وإثارة الشكوك حول الشرعية التاريخية للزاوية. من جهة أخرى، أبرز نبيل بركة أن المدرسة الصوفية السنية ربت أجيالا عرفوا بالصلاح وإسداء صنائع المعروف ورفعة السلوك وحمل لواء العزة والزهد، مشيرا إلى أن المدرسة المشيشية سجلت إنجازات مهمة ومشرقة، مثل تنظيم أول منتدى عالمي للمدرسة المشيشية تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة وبتعاون مع الرابطة المحمدية لعلماء المغرب شاركت فيه شخصيات وازنة من القارات الخمس، إلى جانب ربط جسور التواصل بين الشرفاء العلميين شمالا وجنوبا شرقا وغربا. وعمل المشرفون على الزاوية على توسيع دائرة التواصل في شكل بناء علاقات ذات اهتمام بالمدرسة المشيشية الشاذلية على المستوى العالمي، إذ نجح موسم الزاوية في لم شمل أبناء القطب الأكبر مولاي عبد السلام بن مشيش، وتوحيد جميع الأطياف، وخلق ذلك التلاحم الصوفي الذي ذابت فيه الفوارق، ما أكد دوره الكبير في خلق حوار للحضارات، من خلال الحضور اللافت للعديد من الشخصيات الفكرية والدينية من مختلف القارات، التي برهنت على أن إشكالية الاختلاف الحضاري، والصراع الديني، لم تعد مجرد نقاش فكري يجري تداوله في المنتديات المغلقة، بل أصبحت هناك رغبة كبيرة في أن ينفتح النقاش ليشمل جميع التيارات، وهو ما يتحقق سنويا في موسم الزاوية المشيشية، من خلال حضور عدد من معتنقي الديانات الأخرى، الذين أكدوا بشكل كبير إمكانية خلق تلاقح بين كل الديانات السماوية، التي يجمع بينها الرابط التاريخي، ما جعل زوار جبل العلم يخرجون بقناعة أساسية، هي أن الموسم يمكن أن يكون قاعدة خلفية للالتقاء الحضاري، ومناقشة الإشكالات الكبيرة، خصوصا بفضل السمعة العالمية التي يتمتع بها، والتي جعلت منه واحدا من أشهر مواسم التصوف في العالم الإسلامي. كما حافظت الزاوية على المورث الثقافي الملازم بقيام الفكر الصوفي السني، الذي يجسد ملامح بطولية في حفظ الكرامة والتقاليد والأخلاق، والحفاظ على الوحدة الوطنية بين شمال المغرب وجنوبه، من خلال حرص الوفود الممثلة للقبائل الصحراوية (أولاد الدليم، والركيبات، والعروسيين، وأولاد السبع، وماء العينين...)، على حضور الاحتفالات، التي تجري كل سنة في موسم مولاي عبدالسلام بن مشيش، خصوصا أنهم يرتبطون مع الشرفاء العلميين بعلاقة القرابة المبنية على الدم، والارتباط الروحي، إذ أن أغلب زوايا القبائل الصحراوية تمثل امتدادا للزاوية المشيشية. ويعد مولاي عبد السلام بن مشيش واحدا من أشهر شيوخ المتصوفة بالمغرب، إذ أكمل حفظ القرآن الكريم في سن الثانية عشرة، ونذر حياته للعلم والجهاد ومحاربة البدع، كما كان زاهدا في حياته، مقلا في كلامه. وتوفي مولاي عبد السلام بن مشيش، الذي تتلمذ على يده الإمام أبو الحسن الشاذلي، مؤسس الطريقة الشاذلية، نحو 622 للهجرة، مخلفا تراثا علميا توارثته الأجيال ونقله الرواة والفقهاء.