يقبل لبنان على أيام عصيبة في ظل سياسة لي الذراع بين قوى المعارضة والأغلبية، على خلفية المحكمة الدولية، التي تحقق في اغتيال الحريري الرئيس ميشال سليمان مستقبلا سعد الحريري (أ ف ب) إذ أعلن وزيرا الخارجية القطري والتركي، أول أمس الخميس، تعليق مسعاهما الهادف إلى إيجاد حل للأزمة المتفاقمة في لبنان مؤقتا، ما يثير مخاوف من تصعيد جديد في البلاد. وجاء الإعلان غداة إعلان وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، رفع بلاده يدها عن الوساطة المشتركة، التي قادتها مع سوريا في لبنان على مدى أشهر بهدف احتواء الأزمة المتمحورة حول المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. ولخص قطب سياسي الوضع بالعبارة الآتية "نحن في طريق مسدود تماما وأتوقع تصعيدا في الشارع". وغادر الوزيران أحمد داود أوغلو، وحمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، فجر أمس الجمعة، لبنان عائدين إلى بلديهما بعد محادثات مكثفة لمدة يومين استمرت حتى ساعة متأخرة ليلا وأحيطت بالسرية والكتمان، وكان أبرز أطرافها اللبنانيين رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. وأعلن الوزيران قبل مغادرتهما في بيان مقتضب أنه "من خلال مساعيهما، تمت صياغة ورقة تأخذ بالاعتبار المتطلبات السياسية والقانونية لحل الأزمة الحالية في لبنان على أساس الورقة السعودية السورية". وأضاف البيان "لكن بسبب بعض التحفظات، قررا التوقف عن مساعيهما في لبنان في هذا الوقت ومغادرة بيروت من اجل التشاور مع قيادتيهما". ولم يعط البيان تفاصيل عن مضمون الورقة، إلا أن مصادر سياسية متطابقة أفادت أن الأفكار المتداولة خلال المحادثات مع الوزيرين القطري والتركي لم تختلف كثيرا عن تلك، التي كان يجري العمل عليها، من خلال الوساطة السعودية السورية. وكان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، كشف الأحد الماضي، أن أبرز عناوين المسعى السعودي السوري تتمثل في سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة الخاصة بلبنان، ووقف المساهمة اللبنانية في تمويل المحكمة، وإلغاء مذكرة التفاهم الموقعة بين لبنان والمحكمة، والتي تنظم التعاون بين الجانبين. وأكد مسؤول قريب من الحريري، لوكالة فرانس برس، النقاط المطلوبة في المقابل من حزب الله، وهي تشدد على ضرورة تقديم ضمانات بعدم استخدام سلاح حزب الله في الداخل وتفعيل عمل مؤسسات الدولة المشلولة منذ أشهر. ولدى وصوله إلى اسطنبول، وجه وزير الخارجية التركي "نداء إلى كل القوى الموجودة في لبنان"، داعيا إلى أن "يسود التعقل، وان تنتصر دولة القانون والديمقراطية". وتوجه سعد الحريري الساعة السابعة من مساء أول أمس الخميس، (00 ،17 ت غ) "بكلمة إلى اللبنانيين حول التطورات الأخيرة"، بحسب ما أفاد مسؤول قريب منه. وقال النائب عاطف مجدلاني، من تكتل "لبنان أولا" النيابي برئاسة الحريري، لوكالة فرانس برس، إن المعلومات تشير أن حزب الله لم يعط جوابا على المسعى التركي القطري، ورأى في ذلك "قرارا للحزب باستكمال العملية الانقلابية، التي بدأهاالأسبوع الماضي، باستقالة الوزراء من الحكومة". وأضاف أن "حزب الله سيلجأ إلى حركة أمنية عسكرية، هي بمثابة انقلاب على السلطة تحت شعار رفض المحكمة الدولية وطلب استسلام سعد الحريري عن طريق تلبية مطالب حزب الله المتعلقة بالمحكمة". وحذر مجدلاني من أي "عمل عسكري يقوم به حزب الله"، معتبرا أن ذلك "سيكون خطيئة في حق حزب الله نفسه، إذ سيعلن بداية النهاية بالنسبة إليه، وفي حق لبنان والشعب اللبناني". وجدد الدعوة إلى الحوار، مؤكدا أن "سلاح قوى 14 آذار (الحريري وحلفاؤه) هو الموقف والكلمة". وامتنع مسؤولون في حزب الله، ردا على أسئلة فرانس برس، التعليق على أي من التطورات الأخيرة. وأعلن الزعيم المسيحي النائب، ميشال عون، المتحالف مع حزب الله، أول أمس الخميس، أنه لن يرضى بسعد الحريري رئيسا لحكومة لبنان، مؤكدا أن "قوى الأرض لا يمكنها أن تفرضه علينا". وازدادت المخاوف من حصول تحركات أمنية على الأرض، بعد تسليم مدعي المحكمة الخاصة بلبنان، دانيال بلمار، القرار الظني في اغتيال رفيق الحريري الاثنين الماضي، إلى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، لدراسته قبل المصادقة عليه. ويتوقع حزب الله أن يوجه القرار الظني، الذي يفترض أن يصادق عليه فرانسين قبل الإعلان عن مضمونه، الاتهام إلى عناصر فيه رافضا مثل هذا القرار ومطالبا بوقف التعاون مع المحكمة. وتطورت أزمة سياسية بين نوفمبر 2006 وماي 2008 إلى معارك في الشارع بين أنصار الحريري وحزب الله تسببت بمقتل أكثر من مئة شخص، وسيطر خلالها حزب الله على معظم شوارع غرب بيروت. وسقطت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في 12 يناير الجاري، نتيجة استقالة أحد عشر وزيرا بينهم عشرة يمثلون قوى 8 آذار، على خلفية الأزمة المستحكمة حول المحكمة. وجرى تأجيل الاستشارات مع النواب، التي يفترض أن يقوم بها رئيس الجمهورية، ميشال سليمان، من أجل تسمية رئيس حكومة جديد، الاثنين الماضي، أسبوعا، لفسح المجال أمام الاتصالات الإقليمية والدولية. ودعا ممثل الأممالمتحدة في لبنان، مايكل وليامز، الذي التقى أمس الجمعة، الحريري وعون، الأطراف اللبنانيين إلى اعتماد الحوار والسبل الدستورية لتشكيل حكومة جديدة. وقال إن "الأزمة الحالية يجب أن تحل بطريقة سلمية وقانونية"، داعيا، أيضا إلى "تشكيل حكومة جديدة وفق الدستور اللبناني، وبطريقة تتجاوب مع احتياجات الشعب في هذه المرحلة".