أصبح الكلام النابي الخارج عن ثقافتنا وعاداتنا قاعدة في العديد من الأزقة والشوارع، إذ تجد الشباب يتلفظون بينهم بتعابير ومصطلحات يندى لها الجبين، دون أدنى اكثرات لما يحيط بهم من آباء وأمهات، أو أشخاص مسنين. وهكذا أضحى الكلام الساقط من هذا النوع يؤثث الكثير من اللقاءات الشبابية، ويثير الحنق والاستياء، حول ما آلت إليه علائقنا في المحيط المعاش، وما من شك أن لهذه الظاهرة أسئلة عدة ومتعددة حول الأسباب التي دفعت بشباب في مقتبل العمر إلى الخروج عن عواهن اللياقة وعدم السيطرة على ما يتلفظون به، هل للمدرسة دور في ذلك أم للأسر أم للإعلام أم ماذا دفع بهذه الفئة السياسية إلى هذا المنزلق الاجتماعي الخطير؟. حاولنا للإجابة على هذه الأسئلة نقل محور موضوعنا هذا إلى ثلة من الشباب، الذين فاتحناهم عن طبيعة هذه الألفاظ، وبهذا الخصوص، أكد لنا سعيد، 25 سنة، ناشط حقوقي وفاعل جمعوي، في حديثه مع "المغربية"، أن الكلام النابي في الأصل مصدره الشارع، حيث يلتقي الشباب مع بعضهم البعض خصوصا في سن المراهقة، إذ يعتبر البعض النطق بهذا الكلام "الفاحش" بمثابة شعور بالذات وإحساس بالرجولة، ومع انعدام الواعز الأخلاقي وعدم وجود رقيب وحسيب، يصبح لهذا النطق الفاحش لازمة، يتعود عليها الشباب دون أن يدري، والأنكى من هذا، يقول الناشط الحقوقي، أن هذا الكلام الخارج عن اللياقة يتسرب شيئا فشيئا إلى المؤسسة التربوية، ويصبح لازمة في التعامل بين التلاميذ، سواء في الساحة أو حتى داخل الفصل، دون أن نستثني الأوساط العائلية التي بدورها لا تتصدى لهذه الظاهرة بالممانعة، إلى درجة أن بعض الأسر تجيز لابنها الصغير التلفظ بمثل هذا الكلام للتفكه والضحك، الذي يذكي في نفسيته أن ما قاله مقبول وخلق لديه نوعا من التواصل مع أهله. وهكذا، يضيف محدثنا، يستمر هذا الطفل الصغير في كل مرة إلى إطلاق كلام من هذا النوع ويلاقي بالمثيل نفسه، إلى أن يتعود على ذلك وتصبح لديه لازمة. من جانبه، أبرز عبد الرحيم، باحث في علم الاجتماع، أن بعض أفراد الأسر من أب وأم يساهمون بدورهم في تفشي مثل هذا الكلام، ذلك لأنهم يضطرون عند حالات الغضب و"النرفزة" إلى السب والشتم بأقبح المصطلحات الساقطة، والأبناء بدورهم يأخذون المنوال نفسه إذا ما وقعوا في المواقف نفسها. ومن هنا، يقول الأستاذ الباحث، في حديثه مع "المغربية"، أن الأسرة تتحمل مسؤولية قصوى في تحصين لسان أبنائها بعد إطلاق عنانهم للكلام الساقط، فعدم تساهل الأسر اتجاه مثل هذه النزلات اللفظية حتما يكرس لدى الابن أو الابنة ثقافة المراقبة المستمرة لما يتفوها به، ويحرسا على أن لا ينطقا بما يخدش علاقته بأسرته. وبخصوص تفشي هذا الكلام الساقط في الشارع، أبرز العديد من الشباب، ممن استقت "المغربية" آراءهم، أن الشارع مسرح لكل أنماط البيئة القبيحة والحسنة، ويمكن للشباب أن يتأثر بها بسرعة، إذا لم يجد من يراقبه ويوجهه الوجهة الصحيحة. واعتبرت مصادر "المغربية" أن الشارع فضاء مفتوح في وجه الجميع، ولا يتطلب القيام بأي مجهود من أجل الأخذ والتزود من براثينه النتنة، وبالتالي من اللازم أن تتحرك مؤسسة الأسرة من أجل إنقاذ فلذات أكبادها من التيهان في نثوءات الشوارع خصوصا في القوت الحاضر، إذ العديد من أرباب الأسر أمهات وآباء يشتغلون سويا، ويبقى الأبناء عرضة بين أنياب الشارع ورذائله. وما من شك، يقول العديد من الآباء في حديثهم مع "المغربية" أن الإعلام الوطني يساهم بشكل سلبي في تربية الأبناء، من خلال مسلسلات مستوردة تستعمل لغة "زنقاوية" وتفسد علينا أبناءنا وبناتنا وتشجعهم على التحرر من قيود الأسر وتقليد الممثلين والممثلات حتى في لباسهم وطرق تعاملهم. وحمل أولياء الأمور الجهات الوصية على إعلامنا السمعي البصري المسؤولية، ودعوا إلى العمل على الحد من هذه المسلسلات التي تفسد علينا أبناءنا وتبديلها بأخرى تربوية واجتماعية تساهم في تربية الأبناء على الفضائل والتمسك بالهوية المغربية، مادامت التلفزة أصبحت جزءا لا يتجزأ من مشهدنا اليومي. ومن هنا، يجمع العديد ممن استقت "المغربية" آراءهم أن المسؤولية في انتشار الكلام النابي في الشوارع يتحملها الجميع، أسرا وأساتذة ومربين وإعلام، المفروض أن يشتغلوا جميعا على قدم وساق لاجتثاث المصطلحات والكلام الفاسد من أوساط الشوارع وبين الشباب في مختلف مناحي الحياة.