شكل موضوع "التعليم العالي في الوطن العربي: رهانات وتحديات"، ألقاه الدكتور صالح هاشم، الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، فرصة لطلبة جامعة فاس وأطرها ومجموع المفكرين والباحثين، الذين حضروا درسا افتتاحيا للموسم الجامعي الحالي وناقش الدرس الافتتاحي الذي نظمته رئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، بقاعة الندوات بكلية الطب والصيدلة، أخيرا، واقع وطموحات التعليم العالي في الوطن العربي، في ظل التحديات التي تواجهه ولما له دور أخطر مما له في دول أخرى، بفعل التحديات المختلفة التي تواجه أمتنا في مسيرتها الحضارية الراهنة، و"هي تحديات داخلية تتمثل في محاربة الجهل والتخلف وضعف المستوى المعيشي، وتحديات خارجية يمثلها الغزو الحضاري اليومي للذات العربية في عقر دارها" على حد تعبير الدكتور صالح هاشم. وفي معرض حديثه عن واقع التعليم العالي بالعالم العربي، أبرز الأمين العام، أن الزيادات التي سجلت في نسب انخراط الطلاب تبقى في الغالبية العظمى متدنية بالدول العربية إذا ما جرت مقارنتها ليس بالدول المتقدمة فقط، بل حتى ببعض دول العالم الثالث، مؤكدا أن العالم العربي لم يتمكن بعد من تقليص الفجوة المعرفية بسبب تراجع قدرة الدول العربية على الاستجابة إلى الطلب المتزايد على التعليم العالي في ظل ضعف الاعتمادات المالية، بحيث يقدر معدل ما ينفق على التعليم العالي في الدول العربية مجتمعة 1.3 في المائة من الناتج المحلي فقط، موجه إلى 400 جامعة رسمية وأهلية منتشرة على طول خارطة العالم العربي. واعتبر الدكتور طاهر صالح، ظاهرة ضعف العلاقة بين التعليم وسوق العمل والتهام النمو السكاني للدخل المتنامي، أنها لا تتيح مجالا واسعا للاستثمار وخلق فرص الشغل، ما يؤدي إلى مزيد من البطالة في صفوف الخريجين الجامعيين، وتفاقمت هذه الظاهرة، حسب الأستاذ المحاضر، في ظل العولمة الاقتصادية التي أدت إلى فقدان فرص عمل عديدة لدى الكثير من السكان، وأضحت تهدد أسواق المال الهشة والوليدة بالزعزة في غضون أيام، والتي تقود في خاتمة المطاف، على حد تعبير الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، إلى إحباط وتأخر النمو ووقوع الكوارث الاجتماعية (لاسيما في البلدان النامية ومنها البلدان العربية)، حيث صاحب ذلك تحولا عميقا طرأ على ظاهرة هجرة الأدمغة، إذ تشير الإحصائيات إلى أن العالم العربي يفقد كل سنة 50 في المائة من الأطباء و23 في المائة من المهندسين و15 في المائة من العلميين في مختلف التخصصات. وفي سياق حديثه عن هيكلة التعليم العالي في الوطن العربي، اعتبر الدكتور صالح، أن الجامعات العربية حذت حذو الجامعات الأمريكية أو الأوروبية دون مراعاة الظروف البيئية والاجتماعية والثقافية والحضارية في أقطارنا، ما يفرض التوجه إلى استحداث أنماط جديدة من التعليم بدل التوسع في إنشاء الجامعات، كالتعليم المفتوح والتعليم عن بعد وغيره من أنماط حديثة للتعليم وإنشاء المعاهد والكليات المهنية المتخصصة، التي تربط بالجامعات وتوفر الكوادر المؤهلة القادرة على المشاركة الفاعلة في نماء البلد وتطوره، وإعطاء المزيد من الرعاية والاهتمام للتعليم المستمر بالتعاون بين القطاعات المختلفة لرفع مستوى العاملين والإفادة من إمكانات الجامعات الأكاديمية، بالإضافة إلى ربط المعاهد الفنية العليا والمتوسطة بالجامعات حتى يقبل الطلاب على الدراسة فيها، مع إتاحة الفرصة للمتفوقين منهم لإكمال دراستهم الجامعية والعليا، وتحديد احتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية واستحداث التخصصات التي تلبي هذه الاحتياجات. ومن القضايا التي تؤرق وضعية التعليم العالي بالوطن العربي، أبرز الأستاذ المحاضر، إشكالية البحث العلمي وقضية التعريب، ففي ما يخص البحث العلمي لا ترصد له الدول العربية إلا نسبة مائوية تقل عن 0,9 في المائة من الدخل السنوي في أحسن الأحوال، ما يؤكد أهمية التركيز على البحث العلمي وتوفير كل الظروف للباحثين لإجراء البحوث ذات الصلة بخططنا ومشروعاتنا التنموية، أما فيما يخص قضية التعريب فإن معظم الجامعات العربية، يقول المتحدث، ما زالت تعتمد على التدريس بغير اللغة الأم. وخلص الدكتور صال هاشم إلى أن التعريب من شأنه إثراء اللغة العربية بالمصطلح ويجعلها قادرة على مواكبة النهضة العلمية والتقنية، التي يشهدها العالم ويوسع دائرة المستفيدين من التقدم العلمي والتقني والمعلوماتي، ويساعد على استيعاب العلم واستنباطه وتوطينه، ويسهل انتقال الأساتذة والكاتب المنهجي والمحاضرات المنقولة بالأقمار الصناعية بين الجامعات العربية، ما يعين على سد النقص في الكوادر التدريسية، على حد قول الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، ولا يفهم من ذلك، يوضح الأستاذ المحاضر، أن تنغلق جامعتنا وأساتذتها وطلابها على أنفسهم ويهملوا تعلم اللغات الحية ويتأخروا عن مواكبة العلم في لغاته الأصلية ومصطلحاته الجديدة، بل المقصود أن توحد الجهود لإثراء لغتنا الأم بالمصطلحات العلمية وتمكينها من مواكبة النظام العلمي والتقني.