رغم الأزمات ودورات الاصطدام والتوتر، فإن المغرب وإسبانيا يظلان محكومين بإكراهات الجوار، بجوانبها الإيجابية والسلبية، بما أن العنصر الوحيد الثابت في التاريخ، هو الجغرافيا، التي تظل على حالها، بينما كل ما عدا ذلك يخضع لقانون التحول. وفي هذا الإطار، تتحدد العلاقات بين بلدين جارين، حكمت عليهما ظروف الموقع أن يعيشا متجاورين، وأن "يتحمل" كل منهما جاره، المفروض عليه بهذه القوة الطبيعية. وضمن هذا الجوار، تشكلت علاقات تاريخية وثقافية وحضارية بين الشعبين الإسباني والمغربي، تخللتها، وساهمت في صنعها، صدامات وصراعات، كما طبعتها فترات هدوء ووئام، في مسار طويل من المصالح المتبادلة والمشتركة، والمتعارضة، أيضا، في بعض الأحيان، بما أدى إلى نشوب نزاعات وحروب وأزمات، وما خلفه ذلك من واقع استعماري ما زال قائما في مدينتي سبته ومليلية. وبحكم واقع الجوار وضرورة التعايش، اكتسب البلدان خبرة في إدارة أزماتهما، مع سعي كل طرف إلى صيانة مصالحه. وهكذا، عندما اشتدت الأزمة الأخيرة بين الرباطومدريد، اتصل العاهل الإسباني، الملك خوان كارلوس، بجلالة الملك محمد السادس، لنزع فتيل التوتر، ثم أرسلت مدريد وزير داخليتها إلى الرباط للتباحث مع نظيره المغربي حول القضايا، التي كانت وراء التوتر، بما أدى إلى عودة التفاهم المشترك بشأن الملفات الأساسية للهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات ومكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، أي كل ما يتصل بأمن الطرفين، في أبعاده الإقليمية والجهوية، باعتبار إسبانيا البوابة الجنوبية للاتحاد الأوروبي، والمغرب صلة الربط بين أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط. وفي جميع الأحوال، يتحرك المغرب في علاقاته مع جارته الشمالية من منطلق الندية والسيادة والاحترام المتبادل وحسن الجوار، على قاعدة المصالح المشتركة والمساهمة في إقرار السلم إقليميا ودوليا. إن العلاقات بين البلدين تبقى أقوى من أي أزمة سياسية، وما يجمع فيها أكثر مما يفرق، وهذه الحقيقة لا تنفي استمرار مصادر الخلاف المتعددة والمتداخلة، إلا أن حضور إرادة التعاون، وتبادل المصالح، والنهوض بالالتزامات، كفيل بأن يحول عوامل الأزمات والتوترات المحتملة إلى أسباب ومحفزات لتعاون وتفاهم، يفرضه التاريخ المشترك والجوار الجغرافي والمصالح المتداخلة.