أطفال في وضعية صعبة يعيشون في أماكن نائية، طالها التهميش، وعمق جروحها حصار الثلوج، وفيضانات الأمطار، لكنهم يحتفظون بشيء من الأمل، ويحلمون بغد أفضل.. أطفال حفاة يتسولون، وفتيات قاصرات في سن الزهور يتزوجن، علنا، في موسم إملشيل، وقيمة الصداق لا تتجاوز 200 درهم..قاصرات خلال موسم الخطوبة في إملشيل أطفال تترواح أعمارهم ما بين 5 و 10 سنوات يجرون حفاة، وهم يلوحون بأيديهم، قبل أن يدخلوا رؤوسهم وأياديهم عبر نافذة السيارة، ليطلبون النقود من السائقين، مرددين بصوت مرتفع "اعطيني درهم". بعض السائقين يجيبهم بالأمازيغية "أورلّي أقاريدن" (ليس معي فلوس)، ومنهم من يسلمهم بعض الدراهم التي لا تسمن ولا تغني من جوع. أباء وأولياء هؤلاء الأطفال يقطنون بدواوير إملشيل، التي تعاني الفقر والتهميش، بسبب حصار الثلوج ووعرة المسالك، دواوير بمجرد ما تجتاحها الأمطار والسيول حتى يُصبح السكان في عزلة تامة عن باقي المناطق، لكن ذلك لم يمنع الأهالي بالاحتفال بموسم إملشيل للخطوبة، المعروف عالميا. تقتصر الزيجات على عقد القرآن وتوقيع العرسان والعروسات على مجموعة من الوثائق الرسمية، التي هيأها مسبقا كل من الخليفة وشيخ القبيلة دون ترديد الزغاريد ولازمة "الصلاة والسلام على رسول الله"، التي يجري، عادة، ترديدها احتفاء وفرحا بعقد الزواج. مسؤول بإملشيل قال ل "المغربية" إن عدد الزيجات بلغ حوالي 40 زيجة، هذه السنة، وأن أغلب الفتيات المتزوجات قاصرات، إلا أنه في هذه الحالة، يضع أولياء أمورهن طلبا لدى قاضي القاصرين مع دفع مبلغ 160 درهما كرسوم على الطلب وانتظار بت القاضي في الدعوى، إما برفض الطلب أو إعطاء الإذن بتزويج القاصر. من جهة أخرى، أكد المسؤول ذاته أن من بين المتزوجين مطلقون ومطلقات ومسنون وكهول، وأن قيمة الصداق تراوحت بين 100 و200 درهم، ليس لأن العروس "رخيصة" في نظر العريس، ولكن لأن المرأة في تلك القبائل لا تقدر بثمن، بل تختار الزوج بناء على ما يملك من أراضي فلاحية ورؤس الأغنام وبأخلاقه وسمعته في القبيلة. عزلة وحصار نريد إصلاح الطرق" و"فك العزلة"، عبارات رددها مواطنون من منطقة إملشيل، ل "المغربية"، فهؤلاء السكان لم تعد لديهم رغبة ملحة في تلقي المساعدات الغذائية والملابس، بل حاجتهم في إصلاح الطرق وإخراجهم من العزلة والحصار الثلجي، الذي يدوم أزيد من ثلاثة أشهر. مريم (15 سنة)، فتاة من إملشيل، قالت بصوت مبحوح "ماذا سنفعل بالأحذية والطريق وعرة، تتخللها الحفر ومياه الوادي، فنحن نريد أولا أن تعبد الطرق وننفتح على العالم الخارجي". أما والد مريم، فأكد "لدينا زراعة التفاح، لكن أهم شيء هو إصلاح الطرق من أجل تسويق المنتوج"، الشيء ذاته زكاه مزارعون آخرون، مشيرين إلى أن المنطقة في حاجة بالدرجة الأولى إلى رفع الحصار والعزلة عنهم. حلم طفولي تغيرت نظرة الزواج عند بعض الفتيات بإملشيل، إذ عبرت طفلات، أعمارهن ما بين 10 و 12 سنة، أنهن يرغبن في إتمام دراستهن، والحصول على شهادات عليا تؤهلهن للظفر بمناصب مهمة من أجل خدمة منطقتهن بالدرجة الأولى. فاطمة (12 سنة)، قالت ل"المغربية" بعينين دامعتين "تستهويني مهنة الصحافة، وأحب أن أصبح صحافية، وأكتب عن مشاكل إملشيل كي ينتبه المسؤولون إلينا". "أرفض الزواج حاليا أريد إتمام دراستي"، هذا ما أكدته فاطمة وهي مبتسمة الثغر بينما تخفي عيونها حزنا دفينا. فاطمة ليست الوحيدة التي تريد أن تخالف تقاليد وعادات قبيلتها، بل عشرات الطفلات لديهن الرغبة ذاتها، ويحرصن على استكمال دراستهن الإعدادية والثانوية والجامعية، فمنهن من تحلم بأن تصبح طبيبة أطفال، لعلاجهم وقت الحصار والعزلة، ومنهن من تحب مهنة التعليم، ولديها رغبة في أن تصبح معلمة وتدرس الأطفال وتشجعهم على القراءة والكتابة. هن طفلات صغيرات من حيث السن، لكنهن كبيرات في عقولهن، فلديهن أفكار فاجأت زوار إملشيل، إذ كانت ضمنهن طفلة تحرص بين الفينة والأخرى على قراءة إحدى الجرائد الوطنية باستمرار، وتعرف أسماء بعض صحافييها. اتضح من خلال حديث "المغربية" مع هؤلاء الطفلات أن موسم الخطوبة إملشيل سيتحول في المستقبل إلى مهرجان لطلب العلم والمعرفة. في الوقت الذي كانت تحدث السيارات صوتا مدويا في أرجاء القرى البعيدة التابعة لإقليم خنيفرة، في اتجاه مدينتي إفران وسيدي حرازم، كانت قلوب أطفال تلك الدواوير تخفق فرحا، فصوت السيارات جعلهم يخرجون من منازلهم الأقرب إلى الجحور، وعلامات الاستغراب كانت بادية على محياهم، فمنهم من ظن أن الأمر يتعلق بقافلة محملة بالمساعدات الغذائية والأغطية، وآخرون حسبوا أن الدولة بعثت مسؤولين لانتشالهم من براثن العزلة والتهميش، لكن البعض الآخر، ورغم حجم المشاكل، التي يعانونها ظلت الابتسامة لا تفارق محياهم. أطفال أعمارهم تتراوح بين أربع وست سنوات يقفون على امتداد مدخل منابع وادي أم الربيع، الذي لا يبعد عن منطقة مريرت إلا بحوالي 20 كيلومترا، يلوحون بأيديهم ذات اليمين والشمال، وآخرون يشيرون بأناملهم الصغيرة ويرددون عبارة "هي، هي، هي..." كلما لمحوا سيارة تسير بسرعة، فعيون هؤلاء الأطفال الأبرياء كانت تخفي حزنا دفينا، وفتيات في نعومة أظافرهن يمتطين البغال ويحملن على ظهورهن قنينات بلاستيكية معبأة ب 10 لترات من الماء ويقطعن بها مسافة طويلة لإيصالها إلى الدوار. منظر هؤلاء الأطفال جعل المتسابقين، المشاركين في رالي نسائي يعبر جبال الأطلس، يتأسفون للوضع، الذي يعيشه أبناء هذه المنطقة، في ظل ظروف اجتماعية قاهرة، كما جعلهم يفكرون في تعميم المساعدات الاجتماعية في السنة المقبلة على الدواوير الأكثر فقرا وتضررا. حلم واحد أمينة، زينب، خديجة، سعاد، مريم، هذه أسماء طفلات تتراوح أعمارهن ما بين 8 و12 سنة يتحدرن من دوار "إغين باها"، التابع لإقليم أكادير، الذي مرت منه قافلة المتسابقين، ليس لهن أحلام كثيرة، بل لديهن حلم واحد هو متابعة دراستهن الإعدادية والثانوية. يدرسن بالمدرسة الابتدائية ويرغبن في تحقيق حلمهن في أن يصبحن طبيبات ومعلمات، فهن لا يردن وظيفة أخرى، فبسبب غياب المؤسسات التعليمية والمستشفى والمراكز الصحية، يفضلن أن يصبحن معلمات من أجل تشجيع تعليم الفتيات في المنطقة ومحاربة الهدر المدرسي. تقول زينب (السادس ابتدائي)، "لا أريد أن يزوجني والدي، بل أريد أن أتمم دراستي وأصبح طبيبة لعلاج والدتي المريضة أولا ونساء الدوار، اللواتي يفقدن أبناءهن أثناء مرحلة الولادة". وأضافت زينب أنها تدعو الله ليل نهار أن يشيد المسؤولون دار الطالبة من أجل تشجيع الفتيات على التمدرس، وبالهداية لأولياء الأمور من أجل يُبعدون من خلدهم فكرة أن مستقبل الفتاة في بيت الزوجية، الشيء ذاته أكدته أمينة (الخامس ابتدائي)، مضيفة أنها تطمح لأن تصبح معلمة وتدرس جميع فتيات الدوار، وتساعدهن مجانا على مراجعة الدروس. أما سعاد، صاحبة الابتسامة العريضة، فقالت بصوت طفولي "أنا باغيا نقرا، وخّا نعرف غير نمشي عند عمتي فدارالبيضا". قبل أن تتمم سعاد حديثها، قاطعتها مريم (9 سنوات)، "يلى كنتي كتبغيني، ديني معاك لدارالبيضا". وتضيف، "نقطع يوميا مسافة 7 كيلومترات من أجل الذهاب إلى المدرسة، ونتعرض للبرد القارص في فصل الشتاء وحرارة الشمس في الصيف". فتيات كان برفقتهن ذكور يرتدون ثيابا بالية وأحذية ممزقة وأخرى بلاستيكية، ويتعقبون سيارات الرالي، التي توقفت من أجل انطلاقة جديدة، يستجدون الماء والأكل، فمنظر هؤلاء الأطفال جعل قلب الزوار يحن، ويمدونهم بكل ما يملكون من قارورات ماء ومشتقات الحليب والحلويات (بسكويت ومادلين). شعرت المشاركات بالندم وهم يرون أطفالا حفاة ويستجدون الماء، ورددوا أنه كان عليهم حمل مساعدات عينية ومالية وتقديمها لأهالي هؤلاء الأطفال. رغم الفقر والإهمال والتهميش الذي يعانيه هؤلاء الأطفال، فإنهم متشبثون بأهاليهم، إذ طلبت عدة مشاركات في الرالي من فتيات مرافقتهن إلى مدينة الدارالبيضاء، إلا أنهن رفضن، وقالت إحداهن "ما نقدارش نمشي معاكم، بغيت نبقى مع مّي"، بينما رددت أخرى "ما نمشيش لكازا، حينت منقدارش نخلي خوتي".