دعا عباس الفاسي، الوزير الأول، أول أمس الثلاثاء، بواشنطن في كلمة ألقاها خلال الجلسة العمومية للقمة الدولية حول الأمن النووي، إلى إيلاء أهمية خاصة للأبعاد الإقليمية والجهوية لخطر الإرهاب النووي والإشعاعي. عباس الفاسي يتباحث مع رئيسة دولة الفيلبين بواشنطن على هامش القمة وأكد الوزير الأول، الذي يقود وفدا مهما يتشكل بالخصوص من وزير الشؤون الخارجية والتعاون، الطيب الفاسي الفهري، ووزيرة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، أمينة بنخضرة، أن "الموقع الجغرافي للمغرب في مفترق الطرق بين إفريقيا وأوروبا والعالم العربي والمحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، يتيح له منظورا إقليميا فريدا حول القضايا الأمنية". وأوضح الفاسي أنه تأكد، في سياق التصدي المستمر لجميع أنواع الاتجار غير المشروع، تنامي التداخل والترابط بين مجالات الأمن الإقليمي في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، لأن لأي حادث أو أزمة في إحدى هذه المناطق تأثيرا مباشرا وشبه فوري على المناطق الأخرى. وأكد الوزير الأول أن عدم الاستقرار الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، التي أصبحت تعاني في الوقت الراهن توترات متكررة، إنما يؤدي إلى مخاطر أمنية كبرى وتحديات على المستوى العالمي تؤكد الحاجة الملحة إلى استئناف المفاوضات، بغية إيجاد حل عادل ودائم يضمن للشعب الفلسطيني حقه المشروع في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة، عاصمتها القدس، تعيش في أمن وسلام جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل. وشدد على أن إقامة منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط، سيساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي، وسيساعد على الوقاية من الإرهاب. واعتبر أنه إضافة إلى ذلك، فإن الأوضاع المثيرة للقلق في منطقة الساحل المجاورة، وعلى طول الساحل الأطلسي لإفريقيا، تشكل تهديدا حقيقيا للسلم والأمن والاستقرار، مع ما يترتب عن ذلك من تداعيات تتعدى منطقة المغرب العربي. وتشهد منطقة الساحل، يضيف الوزير الأول، على الخصوص، تناميا للعلاقات بين الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة الدولية العابرة للحدود التي تستغل سهولة اختراق الحدود وضعف الهياكل الحكومية، مستخدمة وسائل متطورة جدا، ما يوفر شروط تنامي جميع أنواع الاتجار غير المشروع، بما في ذلك المواد النووية والمشعة. أما على المستوى الدولي، يقول الوزير الأول، فإن الهجمات الإرهابية المرتكبة في العديد من البلدان، سيما بالدول ذات البرامج النووية الكبيرة، تظهر بأن الإرهابيين لا يفتقرون إلى الخيال الهدام، وتثير الانتباه إلى خطر الإرهاب النووي والإشعاعي. واعتبر عباس الفاسي أن ما يزيد من حدة هذه المخاوف، استمرار الاتجار غير المشروع في المواد النووية أو المشعة، إذ تشير قاعدة بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاصة بالاتجار غير المشروع، ضمن إحصائياتها المتعلقة بفترة 1993- 2008 إلى تسجيل ألف و562 حادثة مؤكدة، 336 منها مرتبطة بالحيازة غير المشروعة والأنشطة الإجرامية، و421 حالة لها علاقة بالسرقة أو الضياع، وما يثير القلق أنه لا يجري استرجاع سوى 40 في المائة من هذه المواد. وأكد أن "المغرب على اقتناع تام بأنه لا يمكن معالجة كل هذه التحديات الملحة بفعالية دون الرقي بمستوى التعاون الإقليمي والدولي، إذ لا مناص من التنسيق الوثيق وتبادل الخبرات والمعلومات الدقيقة في الوقت المناسب". وقال الفاسي إن "المغرب يعمل، وفقا لرؤية جلالة الملك، على متابعة جهود التعاون الدولي والإقليمي القائمة على مبدأ ضرورة الحفاظ على التوازن بين الحق في تطوير واستخدام الطاقة النووية لأغراض التنمية، والالتزامات بشأن حظر الانتشار، والشفافية والمسؤولية وفقا للشرعية الدولية". ومن هذا المنطلق، يضيف الوزير الأول، "تقوم المملكة المغربية بتنفيذ مشاريع في مجال التطبيقات النووية تهم عدة قطاعات اجتماعية واقتصادية، وتعمل المملكة على تنفيذ هذا البرنامج في انسجام تام مع متطلبات الأمان وعدم الانتشار. كما أنها تولي في هذا المضمار أهمية خاصة للأمن النووي". وفي هذا الصدد، ذكر عباس الفاسي بأن المغرب استضاف الاجتماع الأول للمبادرة العالمية لمكافحة الإرهاب النووي، التي يساهم بفاعلية في تنفيذ مبادئها. كما أن الاستعدادات جارية حاليا، يضيف الوزير الأول، لتنظيم تمرين دولي حول "التصدي للطوارئ الناجمة عن أعمال مبيتة تستعمل مواد مشعة"، بشراكة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسبانيا، خلال شهر مارس 2011 بالرباط. وأوضح عباس الفاسي أن التدابير المغربية لضمان الأمن النووي ومكافحة الإرهاب النووي تندرج ضمن الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الإرهاب والتصدي له، مؤكدا أن هذه الاستراتيجية تعكس رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، التي تدعو إلى مقاربة استباقية ومتعددة الأبعاد. من جانبه، قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون، الطيب الفاسي الفهري، مساء يوم الاثنين المنصرم، بواشنطن، إن المغرب يدعو لشرق أوسط خال من الأسلحة النووية "ذلك أن امتلاك بلد واحد بالمنطقة (لهذه الأسلحة)، لا يخلق فقط إحساسا بالغبن هناك، وإنما يشكل أيضا تراجعا في الأخلاقيات والقانون الدولي". وأوضح الفاسي الفهري، في تصريح للصحافة، على هامش القمة الدولية حول الأمن النووي، التي تحتضنها العاصمة الفدرالية الأمريكية، يومي 12 و13 أبريل الجاري، أنه "من الأفضل المراهنة على شرق أوسط خال من الأسلحة النووية، قصد التمكن من تعزيز السلم هناك". وتابع الوزير أن المغرب يؤيد أيضا "قارة إفريقية خالية بدورها من الأسلحة النووية"، مضيفا أن المملكة تشارك في هذه القمة الدولية بهاجس النهوض بتدبير جيد للتكنولوجيا النووية. وأبرز الفاسي الفهري في هذا الإطار الطابع "غير القابل للإلغاء" للحق في امتلاك الطاقة النووية المدنية، عندما تستخدم لأغراض تنموية وليس لخدمة أهداف توسعية وعسكرية. وتدعو معاهدة عدم الانتشار النووي، التي انضم إليها المغرب، القوى النووية إلى التقليص من ترساناتها، قصد تعزيز السلم والطمأنينة في الساحة الدولية والحفاظ على اليقظة، إزاء أولئك الذين يسعون لامتلاك قدرات نووية عسكرية، إلى جانب تشجيع الاستعمال المدني للطاقة النووية في قطاعات حيوية كالصحة والفلاحة. وحذر وزير الشؤون الخارجية والتعاون، من جهة أخرى، من ارتفاع وتيرة التهريب بكافة أنواعه بمنطقة الساحل وغرب إفريقيا، مسجلا أن التواطؤ بين الشبكات التي تنشط فيه والمجموعات الإرهابية، من شأنه أن يتحول إلى تهديد كبير للاستقرار بهذه المنطقة. وأوضح، بهذا الخصوص، أن 40 في المائة فقط من المواد النووية التي تتعرض للسرقة، يجري العثور عليها، وأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تتمكن من توضيح ملابسات جزء كبير من هذه السرقات. وقال الفاسي الفهري "هذا يعني أن هناك خطرا حقيقيا من أن تسقط هذه المخزونات التي لم يجري العثور عليها بين أيدي المجرمين"، مشددا على ضرورة حماية "منطقتنا والعالم العربي - الإسلامي برمته من الإرهاب النوي، الذي يظل تهديده حقيقيا". وأشاد الوزير، من جهة أخرى، بالتوقيع، يوم الخميس الماضي، ببراغ، على المعاهدة الجديدة للتقليص من الأسلحة الاستراتيجية بين روسياوالولاياتالمتحدة. من جهتها، أكدت وزيرة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، أمينة بنخضرة، مساء أول أمس الثلاثاء، أن المغرب منخرط بشكل تام في قمة الأمن النووي بواشنطن، إذ عملت المملكة دوما في إطار الاحترام الكامل للآليات الدولية المتعلقة بمنع انتشار الأسلحة النووية. وقالت بنخضرة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، في ختام مشاركتها في هذه القمة، التي استمرت يومين، وانعقدت بدعوة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إن "المغرب منخرط بشكل تام في هذا المؤتمر، على اعتبار أنه احترم على الدوام معاهدات منع انتشار الأسلحة النووية، والتزم منذ البداية بالاتفاقيات الكبرى المتعلقة بحماية الأشخاص الذاتيين، ومنع انتشار المواد المضرة والنووية". وأوضحت أنه إلى جانب الموقف، الذي عبرت عنه المملكة منذ البداية، "كانت مشاركتها في هذه القمة ضرورية، من أجل مواكبة هذا المسلسل على الصعيد الدولي في مجال مكافحة انتشار المواد المشعة والخطيرة". كما أكدت الوزيرة أن المغرب يعتبر انتشار الأسلحة النووية والإرهاب النووي بمثابة "تهديد حقيقي" للسلام والاستقرار في العالم، ومن ثمة يتعين على مجموع المجتمع الدولي الانخراط في خطة العمل، التي اعتمدتها قمة واشنطن. من ناحية أخرى، أجرت بنخضرة، أول أمس الثلاثاء، على هامش أشغال اليوم الثاني لهذا المؤتمر، لقاء مع مساعدة كاتبة الدولة الأمريكية المكلفة بمراقبة عمليات التسلح والأمن الدولي، إيلين توشر، أعربت خلاله المسؤولة الأمريكية عن أملها في أن تساهم المملكة بشكل أكبر في المبادرات الرامية إلى مكافحة انتشار المواد النووية. وأشارت الوزيرة إلى أن الجانبين تطرقا كذلك إلى العلاقات، سواء الاقتصادية أو السياسية، في مجال الطاقة بين المغرب والولاياتالمتحدة. وأكدت بنخضرة على ضرورة تنويع وتطوير قطاع الطاقات المتجددة، مبرزة في هذا الصدد، المشروع المغربي للطاقة الشمسية، الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس. ودعت الوزيرة إلى انخراط أكبر عدد من الدول، من أجل تطوير المزيد من الطاقات النظيفة والمستدامة، وجعلها في متناول كافة الدول. ومثل المغرب في أشغال قمة الأمن النووي، التي انعقدت يومي الاثنين والثلاثاء، بالعاصمة الأمريكية، وفد مهم برئاسة الوزير الأول، عباس الفاسي، ضم على الخصوص وزير الشؤون الخارجية والتعاون، الطيب الفاسي الفهري. وتشكل القمة حول الأمن النووي، التي كان الرئيس باراك أوباما دعا إليها سنة 2009 ببراغ، مناسبة للبلدان المشاركة لإيجاد سبل تعزيز التعاون الدولي أكثر في مجال الوقاية من الإرهاب النووي.