تنظر عدد من المحاكم الابتدائية، في أنحاء المغرب، في كثير من القضايا والملفات، يشتكي فيها مواطنون تعرضهم، أو تعرض ذويهم، لأخطاء طبية، بعد أن دخلوا المستشفى أو المصحة للعلاج، فخرجوا منها إما جثثا هامدة، أو حاملين عاهات مستديمة. ويفتقر المغرب إلى سجل وطني يحصي عدد ضحايا الأخطاء الطبية، كما تغيب إحصاءات تقديرية لذلك، على عكس بلدان أخرى، مثل الولاياتالمتحدة، حيث يقدر عدد المتوفين جراء الأخطاء الطبية بحوالي 98 ألف مريض، حسب ما أوردته مواقع طبية على شبكة الإنترنيت. وأضحى عدد من أهالي المتضررين من هذه الأخطاء يصرون على عرض ذويهم على خبراء الطب الشرعي، لكشف مسببات ما ألم بهم، في محاولة لجبر الضرر، ومتابعة المسؤولين عن الفعل الخاطئ، مقابل ذلك، يعتبر عدد من الأطباء المغاربة أنهم أبرياء مما ينسب إليهم من نتائج تدخلاتهم العلاجية أو الجراحية، ويقولون إن جلها يظل رهينا بتفاعل جسم المريض، ومدى استجابته للعلاج أو للجراحة، وأن عددا من نتائج عمل الطبيب يكون خارج التوقعات أو غير متحكم فيها. هذه الدفوعات الموضوعية لا تنفي وجود حالات يرتكب فيها الطبيب، الإنسان، أخطاء مهنية، قد تكلف حياة المريض، نتيجة إخلاله بالأصول العلمية للمهنة، أو لإهماله للمريض، أو تقصيره في بذل مزيد من الجهود والبحث. الإشكال المطروح في المغرب، هو غياب قضاء متخصص، مكون من أعضاء أو لجنة لها دراية بالمجال العلمي والطبي، ليتسنى لهم الفصل في مثل هذه القضايا، لإنصاف المتضرر، وتفادي إلباس التهمة لأي شخص لم يرتكب، في الأصل، خطأ مهنيا. ويسود افتقار مفهوم محدد للخطأ الطبي في التشريع المغربي، إذ أن المفهوم الفقهي يصنفه في خانة الحالات الناجمة عن الإهمال والتقصير المؤدي إلى إلحاق ضرر معين بالمريض، ويخرجه عن الفعل الجرمي العمدي، كما لم يعط تعريفا قانونيا ودقيقا لمفهوم الخطأ الطبي، إذ بقيت المهمة موكولة للاجتهادات الفقهية، التي حددته في عبارة "عدم بذل العناية اللازمة". بناء على ذلك، يخضع النظر في هذه الملفات للسلطة التقديرية للمحكمة، بعد تقديم الدعوة إليها، وفق المقتضيات القانونية، التي جاءت في المسطرة المدنية، إذ يعتبر المشرع الخطأ الطبي مسألة فنية، لا يمكن الفصل فيها إلا بعد اللجوء إلى الخبرة، بمعنى أن المحكمة تأمر بإجراء خبرة، تعهد بها إلى خبير مختص في المجال الطبي، الذي هو موضوع الخطأ.