غلمت المغربية أن 80 أسرة بدوار فكيك في عين السبع بالدارالبيضاء خطر التشرد، بعد تعرضها للتهديد بالإفراغ، من بيوت شبيهة بكهوف، عاشت بها أزيد من 20 سنة.جانب من دوار فكيك بعين السبع في الدارالبيضاء (خاص) وأكدت الأسر المهددة في تصريحاتها ل "المغربية" أن ضعف دخلها، وارتفاع الأسعار حالا دون توفير سكن لائق، فيما أعربت عن تشبثها بغرفها في ظل غياب المرافق الصحية والواد الحار. عاينت "المغربية" الدوار الواقع بشارع تيزي أوسلي رقم 51 مكرر، واستقت تصريحات الأسر، التي عبرت عن تخوفاتها من التشرد، بعد تعرضها للتهديد بالإفراغ، خاصة أن كل قاطني الدوار، أدوا مبالغ مالية مقابل الاستفادة من البقع، التي يستغلونها حاليا، حسب أقوالهم. مدخل الدوار عبارة عن معبر صغير، يوجد وسط فيلات فاخرة، لا يمكن التعرف عليه، إلا بقراءة "أطفال مغتصبون وأطفال محرومون" أو بواسطة الإشارة إلى "80 أسرة معرضة للتشرد"، المكتوبة على جدرانه. قبل الدخول إلى الدوار، يحاول أطفاله التقرب من الزائرين ومعرفة أسباب الزيارة، لعلمهم أن لا أحد يمكنه الدخول إليه دون معرفة أهله. قال سعيد، طفل من الدوار، ل"المغربية" "كل الأسر المهددة بالرحيل عن المكان، لا تجد مالا توفر به شققا متعددة الغرف، وكل رفاقي يحلمون بالعيش بغرفة خاصة بهم مثل باقي أطفال الحي"، وأضاف الطفل، الذي يتابع دراسته بالمستوى التاسع من التعليم الإعدادي، "أشعر بالغبن بسبب العيش في غرفة ضيقة إلى جانب أختي ووالدي، وفي الحقيقة أخفي على بعضهم انتمائي للدوار، لأنني غير راض على الوضع". من باب المعبر تترامى أبواب حديدية متراصة، تخفي وراءها حكايات أسر عاشت، ما يقارب ربع قرب من الزمن، في جحور صغيرة مع غياب المراحيض والواد الحار. قالت فاطمة زوال، (36 سنة) أرملة، تبيع السجائر وتتكفل بطفلتين، ل"المغربية" إن التهديد بالإفراغ يعني التشرد بالنسبة للأسر، التي قضت أغلب أيام عمرها في جحور، إلى جانب الفئران والحشرات، التي تهدد صحة الأطفال، لأنها لا تملك ما توفر به سكنا لائقا، خاصة في ظل غلاء المعيشة. إن ارتفاع أسعار العقار بالدارالبيضاء، تقول زوال، حال، منذ زمن، دون توفير شقق تتوفر على مرافق صحية تلبي فيها الأسر أغراضها الخاصة، لأن أهم ما يجب أن يوجد بالشقة هو الحمام، والمطبخ، وكيف للعيش أن يحلو، تتساءل زوال، في غرفة لا تتعدى مساحتها مترين مربعين، ويغيب فيها "المرحاض"، كما تخلو من منافذ لتغيير الهواء. جحور آدمية إن الغرف، التي تأوي أسر الدوار، تضيف زوال، تشبه جحورا آدمية، لا تقي من البرد كما لا تحمي من الحرارة، فبعدما تفيض المنطقة بالحشرات والفئران، التي لا تنفع المبيدات في القضاء عليها، يغرق الدوار في مياه الأمطار، وبينما ينعم سكان الفيلات المجاورة في الأحلام الجميلة، تقضي نساء الدوار الليل في سد منافذ المياه القادمة من أعالي الشارع القادم من حديقة الحيوان، بواسطة "الكراطة" والأفرشة القديمة. أغلبية النساء يشتغلن في البيوت، حسب زوال، التي كانت تتحدث ل"المغربية" بقناعة الدفاع عن تشبثها بالسكن في الغرفة، التي اشترتها دون وثائق، مثل باقي سكان الدوار، ويستحيل على هذه الفئة من المجتمع، تضيف زوال، التخلي عن الغرف، التي اشترتها، في وقت كان سعر السكن غير مرتفع، بالمقارنة مع الوضع الحالي، وفي الوقت الذي كان ممكنا بالنسبة لأغلبيتها البحث عن غرف في أحياء، بأسعار تناسب قدرتها الشرائية. كان السكان يؤدون في البداية واجب كراء الغرف، حسب بوشعيب نوري، أحد قاطني الدوار، وتطور الوضع لتشتري الأسر هذه الغرف، دون وثائق، ما عرضها لخطر الإفراغ. اشترى بوشعيب نوري، الغرفة التي تضم حاليا خمسة أفراد، بثلاثة ملايين ونصف سنتيم، وحاول الاستفادة من سقف الغرفة، حيث بنى ما يعرف بين البيضاويين ب "السدة"، وضع فيها بعض أغراضه الشخصية. غياب الواد الحار قال بوشعيب نوري ل"المغربية" إن أبشع ما يواجهه سكان الدوار هو غياب الواد الحار، وعدم وجود مراحيض، لأن حوالي 80 أسرة تضع حاجياتها الشخصية في أكياس بلاستيكية، وترمي بها وسط الأزبال، التي تنتشر بالشارع، وطبيعي، حسب نوري، أن يثور المشرفون على النظافة وجمع الأزبال ضد الظاهرة. يعمل أغلبية رجال الدوار، حسب بوشعيب نوري، بما يعرف بين المغاربة ب "البريكول"، وجلهم لا يوفرون أزيد من 500 درهم في الشهر، إذ أن من بينهم من يقضي طيلة اليوم بالموقف، في انتظار زبون، ليعود في المساء إلى غرفته خاوي الوفاض، ما جعل بعض زوجاتهم يلجأن للعمل في البيوت، لتلبية حاجيات الأبناء. عند مدخل غرفة أحد القاطنين تجمعت النساء، لتثير الانتباه إلى إحدى المظاهر البشعة، التي يواجهونها كل يوم، أشرن إلى أن هذا الرجل المتقاعد، يعيش وسط الأزبال، فعوض أن يرمي بها إلى الخارج، ليحملها رجال النظافة، يحتفظ بها وسط الغرفة، التي امتلأت عن آخرها ببقايا الأكياس البلاستيكية ومواد التنظيف، وبعض الملابس القديمة المتسخة. وخلال المرور بالدهليز، الذي يرمي إلى باقي الغرف المتراصة أبوابها، تعالت أصوات النساء، اللواتي أكدن أنهن أدين مقابل العيش بالدوار مبالغ مالية تتراوح بين 3 ملايين وأربعة ملايين، وأنهن قضين ما بين 15 و20 سنة، وأعربن عن شعورهن بالغبن والظلم الاجتماعي، بسبب عدم قدرتهن على توفير مأوى لائق مثل باقي سكان الحي، فيما استنكرن ما يتعرضن له من خطر مغادرة الغرف، رغم رداءتها. قالت السعدية بن زايد ل"المغربية" إنها تتمنى أن يجري نقل صور هذا الدوار إلى كل المشاهدين في القنوات التلفزية، ليطلعوا على أوضاع 80 أسرة محرومة من أهم المرافق الضرورية في الحياة اليومية، ومعرضة للرعب كل ليلة، والسهر على صد مياه الأمطار الغزيرة. وأشارت إلى أن ما يهم السكان هو الأمان والاستقرار، وإبعاد خطر التعرض للتشرد، وحرمان الأطفال من سقف يأويهم كل ليلة إلى جانب آبائهم. "لا أخجل من العيش في غرفة صغيرة وضيقة، لكني أخجل من حمل حاجياتي الشخصية، كل صباح، في أكياس بلاستيكية، وأرمي بها في حاوية الأزبال، خاصة، أنها تترك رائحة كريهة بالقرب من الدوار، غير أنني لا أتوفر على البديل"، تقول السعدية بن زايد، التي كشفت ل"المغربية" أن طليقها هو الذي دفع ثمن الغرفة، وتخلى عنها لتعيش بها إلى جانب ابنيها. عاشت السعدية بن زايد (45 سنة) أزيد من عشرين سنة، في غرفة لا تتجاوز مساحته ثلاثة أمتار طولا ومترا ونصف عرضا، تفترش السعدية أغطية بسيطة، وتعلق بعض ثيابها بالمسامير الموجودة بالجدران، وبخلاف باقي الغرف، تحاول السعدية أن تكسر هموم وحدتها، بمتابعة بعض البرامج التلفزية، فيما يحاول أحد أبنائها توفير القوت اليومي. كانت السعدية تتحدث ل"المغربية" بشجاعة، وتعبر عن تشبثها بالعيش في الدوار، رغم ما وصفته بالظروف المزرية، ومعاناتها بالنوم إلى جانب أحد أبنائها، الذي مازال يلازمها، والذي يهدد بالهروب من الواقع الذي يعيش فيه، وأضافت أن عدم توفرها على دخل قار يحول دون تمكنها من الرحيل إلى شقة لائقة. لم تكتف بن زايد بالحديث عن ظروفها المادية، بل أشارت إلى وجود نساء لا يقوين على مغادرة غرفهن بسبب المرض، وتقدم السن، إذ من بين سكان الدوار، توجد أرامل مسنات، أهملهن ذووهن ورموا بهن في عالم النسيان، ولولا التضامن، الذي يطبع سكان الدوار، تقول بن زايد، لماتت بعضهن جوعا. تعود نشأة الدوار، حسب فاطمة بونويدرات (37 سنة) إلى السبعينيات من القرن الماضي، إذ أن بعض الأزواج لجأوا إلى العيش في البداية باكتراء غرفة صغيرة بصفة مؤقتة، في انتظار البحث عن عمل يمكنهم من اكتراء أو شراء شقة تتوفر على المرافق الضرورية، غير أن "الأيام تدور بسرعة"، تقول بونويدرات، ليجدوا أنفسهم أنهم أصبحوا مسؤولين على تربية 3 أو 4 أطفال، دون تحسين دخلهم الشهري، والغريب في الأمر، تضيف بونويدرات، هو أن أغلبية الأسر كانت تتمنى أن تحقق أحلام العيش في منازل لائقة مثل باقي سكان الحي، غير أن المشاكل المادية، التي أصبحوا يواجهونها منذ الثمانينيات من القرن الماضي، حالت دون الوصول إلى الأهداف المبتغاة. خطر هجرة الشباب بدورها تحدثت نعيمة، خادمة بيوت، ل "المغربية" عن خطر الهجرة، الذي يسود بين شباب الدوار، لأن أغلبيتهم لا يطيقون العيش في غرف ضيقة، إلى جانب أسر يتعدى عددها أحيانا ستة أفراد. وأوضحت أن عددا من الأطفال حاولوا الهروب من أسرهم، فيما هاجر بعض الشباب إلى مناطق مختلفة، بحثا عن العمل لتحسين ظروف عيشهم، فيما أشارت إلى أن بعضهم يعاني البطالة، بعد مغادرة الدراسة، لأن الظروف المادية والوضع، الذي تعيشه الأسر في غرفها الضيقة لا تشجع الأطفال على التحصيل الدراسي. فيما أشارت إلى أن أغلبيتهم ينتفضون في وجه الآباء، ويطالبون بضرورة توفير سكن يلبي حاجياتهم اليومية. وأكدت نعيمة أن من عيوب العيش في غرفة واحدة هو غياب ما وصفته بالحرية الشخصية، وأوضحت أن بعض الفتيات يواجهن مشاكل في تغيير ملابسهن بحضور الأب والإخوة الكبار، أو الخلود إلى النوم والقيلولة، ما يدفعهن إلى التسكع في الشوارع، واعتبرت الظاهرة خطيرة، خاصة في سن المراهقة. ويواجه أطفال الدوار، حسب زهرة، من سكان الدوار أيضا، أمراض الحساسية، لأن الغرف التي يعيشون بها غير صحية، بسبب غياب نوافذ التهوية، وغياب أسقف تحمي من الرطوبة التي تسجل بالمنطقة، إضافة إلى الروائح الكريهة، التي تنبعث من جوانب البيوت بسبب غياب المراحيض والواد الحار. قبل مغادرة الدوار، أكدت النساء تشبثهن بضرورة إيجاد حلول خاصة بالمرافق الصحية، خاصة المراحيض، وطالبت بالاستفادة من خدمات الواد الحار، الذي يعد، حسب أقوالهن، أهم مشكل يواجهنه في حياتهن اليومية، أما الظروف التي اعتبرنها مزرية وصعبة، فسيواجهنها بالصبر والمثابرة والبحث عن العمل، الذي يمكنهن من مواكبة غلاء المعيشة بالعاصمة الاقتصادية.