تحل اليوم الذكرى الواحدة والعشرون لقيام اتحاد المغرب العربي، بمقتضى اتفاقية مراكش في 17 فبراير 1989.وباستحضار حماس البداية، والآمال والرهانات، التي واكبت الحدث، كان يفترض أن تحتفل دول وشعوب المنطقة بالذكرى وقد تحقق القسم الأكبر من الأهداف المسطرة في ميثاق التأسيس، وأن تشكل الذكرى مناسبة لتقييم الإنجازات، وتجديد النفس على طريق ترسيخ المصالح المتبادلة في سياق المصير المشترك. لكن واقع الحال يتعارض مع التطلعات التاريخية، والآمال العميقة للشعوب المغاربية، كما يسير في الاتجاه المعاكس للشعارات والمبادئ المعلنة من طرف المسؤولين والفاعلين السياسيين في البلدان الخمس لاتحاد ما زال افتراضيا، في سياق إقليمي ودولي لا مكان ولا كلمة فيه إلا للكيانات الاقتصادية والسياسية الكبرى. فبعد مرور أزيد من عقدين على التأسيس، تبقى الحصيلة متواضعة على كل المستويات، في ظل جمود جل هياكل الاتحاد. وأثر توتر العلاقات المغربية الجزائرية بشكل سلبي على المشروع المغاربي، وبات جليا أن هذا التوتر يرتبط بمواقف الجزائر، المعاكسة للمغرب في استكمال وحدته الترابية، ما شكل السبب الأساسي في تعطيل عمل الاتحاد وشل نشاطه. تتعثر مسيرة الاتحاد المغاربي في الوقت الذي تؤدي عولمة الاقتصاد إلى إضعاف قدرة الدول، منفردة، على التفاوض من أجل حماية مصالحها الآنية والاستراتيجية، أمام التوجه العام إلى تبلور التكتلات الإقليمية الكبرى. وتخلف المغرب العربي في إنجاز هذه المهمة مقارنة بمسيرة الاتحادات والتجمعات المماثلة والمشابهة، كما هو حال الاتحاد الأوروبي، الشريك الأول والجار المباشر للبلدان المغاربية، الذي أبدى دائما الرغبة في قيام مخاطب وشريك قوي على الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط. إنها حصيلة لا تشرف أهلها، من مسؤولين وفاعلين سياسيين ومثقفين، وتبعث على الإحباط لدى الشعوب، كونها تسير ضد منطق المصلحة المتبادلة والروابط التاريخية والثقافية والجغرافية، ووحدة التطلعات والمرجعيات، وضد منطلق البداية نفسه، عندما تمكنت قيادات البلدان الخمسة من التغلب على الخلافات الظرفية، وتغليب النظرة البعيدة في التعامل مع قضايا الشعوب المغاربية. إن الصورة السيئة للحصيلة، ولما آلت إليه تطلعات ومبادئ التأسيس، تطرح، بالضرورة، سؤال المسؤولية. المسؤولية الجماعية للبلدان الخمس أمام التاريخ، وأمام أجيال المستقبل في عالم القرن الواحد والعشرين، ومسؤولية كل بلد على حدة عن مدى تطابق القول مع الفعل والممارسة. وفي جميع الأحوال، لا يمكن تحميل مسؤولية الفشل للمغرب، الذي احتضن معاهدة التأسيس، وتحمل، وما زال، عبء الدفاع عن حقه المشروع في استرجاع أقاليمه الجنوبية، وفي صيانة سيادته، ووحدته الترابية، وسعى إلى إخراج النزاع المفتعل من النفق المسدود، بتقديم مقترح الحكم الذاتي، الذي حظي بدعم مجلس الأمن الدولي والأطراف الدولية الفاعلة. والمأمول أن تكون الذكرى الواحدة العشرون لقيام الاتحاد، وشعور الإحباط المهيمن على شعوب البلدان الخمسة الأعضاء، حافزا للمسؤولين عن تعثر المشروع المغاربي لمراجعة الذات، وتقديم المصلحة الاستراتيجية للشعوب المغاربية على أي حسابات ضيقة.