لم يكن غريبا أن يثير تقرير إسباني الاهتمام في أقصى غرب المتوسط، بضفتيه الشمالية والجنوبية. وتحدث هذا التقرير، الصادر أخيرا، عن "مؤسسة بدائل" الإسبانية، عن التحديات الأمنية المستقبلية، التي تهدد إسبانيا، وقال إن مصدرها الأساسي، في العشر سنوات المقبلة، سيكون جنوبيا، وسينطلق، بالتحديد، من مدينتي سبتة ومليلية. وعدد التقرير سالف الذكر ثلاثة أنواع من التحديات، يتعلق الأول بتقلص السكان الإسبان الأصلاء، ويتعلق الثاني بما يسميه "الخسارة الدراماتيكية" لقدرات المدينتين المحتلتين الاقتصادية، بفعل المشاريع التحتية الكبرى، التي ينجزها المغرب على الواجهة المتوسطية، أما الثالث، فيتعلق بمخاطر التهديد الإرهابي، التي يتوقع أن تكون المدينتان المحتلتان منفذا أساسيا لها نحو إسبانيا. والملاحظ، أن التقرير الإسباني، بسبب منطلقه الاستعماري، يقلب الأمور رأسا على عقب. وهكذا، يزعم أن المخاطرعلى إسبانيا آتية من الجنوب، ويتجنب الاعتراف بأن إسبانيا هي التي اتجهت إلى الجنوب، واحتلت جزءا من الوطن المغربي، وجرت على نفسها، بذلك، ما يمكن أن يجره كل محتل على نفسه. ورغم عملية القلب الإسبانية، فإنها لا تمنع من تسجيل الاعتراف الإسباني بما يحبل به احتلال سبتة ومليلية من عواقب وخيمة، أمنية، وسكانية، واقتصادية، فضلا عن توتير العلاقات مع المغرب. لكن الاعتراف الإسباني لم يدفع أصحابه إلى فتح صفحة جديدة مع المغرب، لتجاوز وضعية الاحتلال، وما تحبل به من مخاطر، بل دفعهم، على العكس من ذلك، إلى المطالبة باتخاذ كافة التدابير، التي من شأنها إطالة عمر الاحتلال، من تعزيز للحضور العسكري والاستخباراتي، ومن تلاعب بالحساسيات الدينية والطائفية، ومن ربط تعسفي للمدينتين بمجال بعيد عنهما. وبذلك، يكون التقرير الإسباني ذهب مع الشاعر، الذي قال "وداوني بالتي كانت هي الداء!". وبذلك، يكون هذا التقرير ساهم في مضاعفة المخاطر، التي تهدد إسبانيا، بدل المساهمة في تحريرها منها.