"دابا، بانت الشميشة، وخا ضعنا في ديورنا ومنازلنا، ولكن اللي جاي، في الشهر الجاي، هو الخطير". هكذا تحدثت امرأة مسنة، من دوار أولاد عبو، بنواحي مدينة سيدي سليمان، ثم أضافت، بصوت حانق "ياربي تحنن قلب المحسنين، راه الما اللي جاي، غادي يدينا".هذه المرأة ليست الوحيدة، التي تنتابها حالة من الرعب، مع توقع تساقطات مطرية قوية في فبراير، بل يعيش هذه الحالة سكان دواوير البحارة، والعزابة، وأولاد عبو، وأولاد كزولي ، بجماعة أولاد حساين، في ناحية سيدي سليمان، المتضررين من فيضانات السنة الماضية والحالية. فتاريخ 8 فبراير 2009، ذكرى مؤلمة بالنسبة لسكان هذه الدواوير، وغيرها، مثل القليعة، والخنيشات، والمساعدة، إذ تكبدوا خسائر مادية كبيرة، تمثلت في انهيار المنازل، ونفوق رؤوس الأغنام والأبقار، وإتلاف المزروعات، وانقطاع التلاميذ عن الدراسة. وزارت "المغربية" منطقة سيدي سليمان، وتصادفت الجولة مع استئناف التلاميذ دراستهم، واجتياز تلاميذ السنة السادسة أساسي الامتحان الموحد الخاص بالدورة الأولى. وسردت تلميذات معاناتهن اليومية خلال فترة الفيضان، بقطع أغلبهن مسافات طويلة للوصول إلى الإعدادية. تقول حسنة الكوملي (14 سنة، تلميذة بالسنة التاسعة أساسي) إنها تقطع، يوميا، مسافة 25 كيلومترا ذهابا وإيابا، من دوار بكارة إلى المؤسسة وكانت علامات العياء بادية على محيا التلميذات اللواتي يقطعن مسافات طويلة من أجل طلب العلم. أما مريم، فكانت عيناها الزرقاوين تتحدثان عن المعاناة، دون أن تنطق بكلمة واحدة، الأمر ذاته بالنسبة إلى سعاد، التي انزوت في ركن قصي، وهي تنظر تارة إلى الطاقم الصحافي، وأخرى تمعن النظر في كراستها. تلميذات تتراوح أعمارهن بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة، جلسن فوق حجر مبلل بالماء والتراب، ينتظرن أن يدق الجرس لاستئناف الامتحان الموحد، وما إن دق، حتى قفزن من فوق الحجر، ونفضن ما علق بملابسهن من طين، ودخلن حجرات الدرس. من جهته، أكد أحد أولياء التلاميذ أنه، خلال فصل الشتاء، يعاني أبناؤهم مشكل انقطاع الطريق، لأن أغلبهم يأتون من جماعة المساعدة، التي لا توجد بها ثانوية، إلى جماعة أولاد حساين، مضيفا أن تلاميذ يقطعون، يوميا، بين 15 و 20 كيلومترا (دواوير سيدي عبد العزيز، وأولا عقبة، والقليعة، وأولاد الكزولي...). وأكد عبد الرزاق غفار، كاتب عام نقابة صغار الفلاحين، أن الفيضانات الأخيرة تسببت في خسائر عدة، تمثلت في إتلاف المنتوجات الفلاحية (الفصة، والقوق، والشمندر، وأشجار الفواكه، والحبوب المزروعة). وأضاف غفار أن المتضررين من فيضانات هذه السنة لم يتلقوا أي دعم، سواء من المسؤولين، أو من المحسنين، مشيرا إلى أن الإجراءات، التي اتخذت بخصوص الفيضانات، كانت موسمية فقط. وطالب غفار ب"منح الدولة الدعم مباشرة للفلاحين، وانتزاعه من المضاربين، الذين يستغلون الفرصة للزيادة في ثمن العلف، وبيعه للفلاح بالثمن الأصلي، دون الاستفادة من نسبة الدعم". أما على مستوى البنايات، فأفاد غفار أن حجم أضرار فيضانات السنة الماضية هي نفسها، التي سجلت خلال هذه السنة، مشيرا إلى أن أغلب المنازل تتخللها شروخ وشقوق، ومهددة بالانهيار في أي لحظة. ورفض السكان المتضررون إيواءهم بالمؤسسات التعليمية، والمستودعات، وفضلوا قضاء لياليهم في الخيام البلاستيكية، وهم يئنون من شدة البرد، إذ صرح أغلبهم أنه، في السنة الماضية، تعرض النساء والفتيات داخل فضاء مشترك للتحرش الجنسي، وعدد من السلوكات، التي وصفوها باللاأخلاقية، الحاطة من كرامة الإنسان، إضافة إلى انعدام المرافق الصحية بها (المراحيض). وحاولت "المغربية" معرفة نوع المواد الموجودة بأحد المستودعات بمدينة سيدي سليمان، التي وضعت عليها حراسة أمنية مشددة (قوات قمع الشغب، والقوات المساعدة، وأعوان السلطة، والاستعلامات العامة)، وعند حضور قائدي المنطقة، تضاربت آراؤهما، إذ أكد الأول أن الأمر يتعلق بمساعدات خاصة بمنكوبي الفيضانات، عبارة عن زيت، وسكر، ودقيق، بينما أوضح الثاني أن الأمر يتعلق بمواد غذائية، تخص رجال القوات المسلحة الملكية، الذين جاؤوا في مهمة لمساعدة ضحايا الفيضانات.