كانت كلمات عمر ياكيني بسيطة، ولكن النبرة يشوبها القلق والحيرة، بعد إدراكه أن خسارته كبيرة، سببها حكم إفراغ يهدد أسرته بالتشرد، حكم فاجأه على حين غرة، وقض مضجعه، ليزداد ألمه كلما فكر أن ما يملكه صرف في منزل معرض للهدم.ينظر عمر ياكيني، أب ل 7بنات و4 أولاد، نظرات مصحوبة بالارتباك، محاولا بتعبيراته البسيطة وصف أن بيته الذي بناه من ماله الخاص، والموجود بدوار ولاد بوعبيد الحاج أحمد سيدي معروف أولاد حدو، في الدارالبيضاء، سيندثر رغما عنه، بناء على حكم إفراغ، وإن كان وجوده به قديما، منذ سنة 1967. فاجعة الطرد لم يكن كلام عمر ياكيني غير مثير للانتباه، ولكن اغروراق عينيه واحمرار وجهه، كان كافيا لرصد أن "لعنة" الطرد من بيته تؤرقه، على نحو دفعه إلى القول إن "احترامه للأمانة التي أوكله لها رب عمله، كلفه أن يعرض أسرته للتشرد في منأى عن مراعاة لظروفه الاجتماعية. ولأن عمر، كان حارسا في ضيعة "المعمر أندري ماس"، ذي الجنسية الفرنسية، هذه الضيعة التي ظل أمينا عليها، فقد انشغل عن اقتناء بيت في مكان آخر، ليفضل توسيع غرفته (الغرفة التي منحها إياه المعمر حين كان غير متزوج) إلى منزل يتوافق وعدد أبنائه. "اليوم بعد غلاء المعيشة، ونفاد كل ما ادخره في بناء بيتي، أفاجأ دون سابق إنذار أني مجبر على الرحيل، باعتباري محتلا بغير سند قانوني"، يتحدث عمر، مؤكدا في الآن نفسه أن "لا شيء أكثر صعوبة من الاستيقاظ على نبأ أن وجود المرء في بيته مؤقت، وأن تفانيه في صيانة الأمانة لا معنى له، لأن وجوده قائم على شيء ليس في ملكه، وبالتالي لا أهمية لما صرفه في بيت كان في الأصل مجرد غرفة ضيقة". أرض تقدر مساحتها ب 2 هكتار و33 آرا و30 سنتيارا ، تحف بخضرة مثيرة وبعض الأشجار، أما مكان وجود بيت عمر، فيظهر أن الرجل التزم برعاية ما تركه المعمر (إسطبل ومسبح ومنزل المعمر الخاص..) حتى ولو لم يكن يتقاضى عن ذلك أجرا، ما عدا ما يوفره له أبناؤه وبناته من مصاريف هزيلة. بينما يروي عمر حكاية فاجعته، تتابع زوجته السعدية بربر بتلقائية أن "زوجها كان كلما توفرت لديه إمكانيات مادية إلا وصرفها في اقتناء أدوات البناء، ثم شرع في تشييد منزل يحتضنه وأبناؤه بإيعاز من مشغله، المعمر الفرنسي"، لتضيف بلهجة مؤكدة أن "المعمر الفرنسي نفسه تفاجأ بعد أن غادر المغرب سنة 1997 في اتجاه بلده قصد العلاج، بأن الضيعة التي فوت له لاستغلالها إلى حين مماته، لم يعد له الحق فيها، ليدخل هو الآخر في نزاع مع الشركة، التي يروج أن الضيعة أصبحت لصالحها". توقفت السعدية عن الكلام، لتفيد ابنتها حفيظة أن "هناك أربع أسر تقيم في هذه الضيعة، أسرة ياكيني عمر وياكيني حداوي وياكيني الجيلالي وياكيني مصطفى، جميعهم لا يملكون مكانا آخر يلجأون إليه إذا ما طردوا، خاصة أنهم ترعرعوا وعاشوا في هذه الضيعة، معتقدين أن سماح المعمر لوالدهم بالبقاء لصيانة الضيعة، كاف للاستقرار"، مضيفة بلهجة جادة أن "الموت أهون على هذه الأسر، على أن يلقى بها في الشارع، بدعوى أن شركة اشترت هذه الضيعة، وتتوخى إنجاز مشاريعها". طائلة التهديد حسب الوثائق التي أدلت بها أسرة ياكيني، فإن "الشركة اقتنت عقارا من الأملاك المخزنية، من أجل إنجاز قاعتين للسينما ومسرح، ومقر الإدارة ومطعم، في أجل لا يتعدى ستة أشهر"، كما أوردت الوثائق أنه "ليس تمت أي مالك للعقار سوى الأملاك المخزنية، التي فوتته إلى الشركة"، في إشارة وفقا لما في الوثائق إلى أن "وجود عمر ياكيني بالعقار كلف الشركة خسائر بعدما تعذر عليها إنجاز المشروع، لاحتلاله للعقار بدون سند"، وطالبت الشركة "بطرد عمر ياكيني، الكائن بالملك المسمى فرم جوليت ذي الرسم العقاري عدد 46610/س، هو ومن يقوم مقامه وكل أمتعته تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 500 درهم عن كل يوم تأخير عن تنفيذ الأمر". من جهته، أكد عمر ياكيني ل"المغربية" "أن استقراره بالضيعة المذكورة، يعود إلى سنة 1967 بطلب من المعمر الفرنسي، الذي كان يشغله عنده كحارس لها، مع اشتغاله أيضا في الأنشطة الفلاحية التي كان ينجزها المعمر آنذاك"، مضيفا أن "أسرته اليوم لا تستفيد من الأنشطة الفلاحية إلا في ما تدره من أعشاب ونباتات تقتات عليها الأغنام والبهائم، ما يعني أنه اليوم يحرس الضيعة دون تعويض، ماعدا استقراره في بيته إلى جانب أفراد أسرته". كما أوضح أن "المعمر لازال على قيد الحياة، غير أن وضعه الصحي الحرج لا يسمح له بالرجوع إلى المغرب، فأوكل أحد أقربائه للنظر في موضوع هذه الشركة، التي صرحت أنها صاحبة الحق في الأرض". ودعا أفراد أسرة ياكيني الجهات المسؤولة إلى "ضرورة النظر في مشكلتهم بما يضمن لهم حقهم في السكن، دون أي إقصاء أو تهميش، مؤكدين أنهم لم "يتلقوا أي اقتراحات بالتعويض عن ترحيلهم، لهذا يتشبثون بحق السكن والاستقرار في حالة إخراجهم من بيتهم"، ما عبر عنه عمر ياكيني بالقول "حنا ما بغيناش شي حاجة ما شي ديالنا، حنا بغينا غير نستقرو ونعيشو، إلى بغاو يخليونا مزيان، وإلى رحلونا يعوضونا"