ببنية نحيفة وملامح مرهقة تمرر مليكة بناني يديها على وجهها، محاولة تجفيف دموعها التي انهمرت رغما عنها من فرط ما تقاسيه، زوج طريح الفراش، وحكم إفراغ يهدد أسرتها المعوزة..وبنات تجاوزن الأربعين سنة في وضع صحي ونفسي حرج، وابن في الخمسينات من عمره دون عمل أو زواج، جملة من المشاكل تتخبط فيها مليكة السبعينية وحدها، بعدما أيقنت أنها مجبرة على ذلك في غياب المعيل، ولو كانت بناتها متزوجات ومستقلات ماديا لرحلت بعيدا دون رجعة، لكن لا تملك بدا غير الصبر والجلد، تقول مليكة بنبرة حزينة. تقلب لمياء مراد ابنة مليكة، كيسا مملوءا بأنواع مختلفة من الأدوية، قالت إن من دونها لا تستطيع صرف الوقت على نحو عاد، فوضعها الصحي المتدهور يدعوها إلى تناولها بانتظام، مقابل التردد على مستشفى 20 غشت بين الفينة والأخرى، قصد متابعة تطور مرضها بالأنيميا والوهن، الذي تشعر به في كثير من الأحيان. بزنقة سقراط بحي المعاريف، قرب المركب الرياضي محمد الخامس في الدارالبيضاء، حيث العمارتان (ب ود) اللتان يقطنانها رجال الأمن المتقاعدون، تقيم أسرة مراد مصطفى (74 سنة)، رجل أمن متقاعد وزوج مليكة بناني التي ما فتئت تؤكد أن صحة مصطفى تبعث بالرثاء، لينضاف إليه مشكل حكم إفراغ عمق مأساته. وسط بيت متواضع، بحاجيات منزلية بسيطة، تجلس أسرة مصطفى (الأم رفقة ابن وثلاث بنات)، في ارتياب وحيرة، جراء حكم إفراغ يهدد وجودها بالبيت، وخشية إلقاء أغراضها خارجا بالقوة، ارتأت مليكة وبناتها جمع أغراضها في أكياس وعلب كرطونية، تحسبا لأي مباغثة من السلطات تقودها إلى المكوث في الشارع.