ليس سرا من الأسرار أن من كانوا يسمون بالمجاهدين في أفغانستان، خلال ثمانينيات القرن الماضي، كانوا يعتمدون، إلى جانب دعم عدد من الدول الإسلامية النفطية، وعدد من الدول الغربية، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة الأميركية،على تهريب مخدر الهيروين في تمويل حربهم ضد القوات السوفياتية، وضد خصومهم المحليين. وليس سرا من الأسرار، كذلك، أن العديد من حركات التمرد لا تتردد في استخدام السطو والابتزاز، وتهريب المعادن النفيسة والمخدرات.. من أجل تمويل أنشطتها، مستندة في ذلك إلى ما تعتبرها غايات تبرر الوسائل المستعملة في سبيلها، كيفما كانت درجة قذارة تلك الوسائل. وإذا كان البعض يلهث في السباقات السياسية الحامية من أجل مضاعفة الثروات وتحضينها، فإن اقتحام تلك السباقات يشترط إنفاق أموال طائلة، من غير المتصور أن تكون ثمرة الكسب الحلال، ونتيجة عرق الجبين. عشنا ورأينا كيف تسقط، في بعض الأحيان النادرة، أوراق التوت عن أجساد برلمانيين، وقادة سياسيين متورطين حتى الآذان في نهب المال العمومي، وتهريب المخدرات. ومن غير المستبعد أن يكون العديد من الوطنيين المغاربة شفوا غليلهم، وهم يتابعون ما آل إليه نجل الرئيس الموريتاني الأسبق، العقيد ولد هيداله، الذي كان أطلق العنان، في بداية ثمانينيات القرن الماضي، لجبهة البوليساريو، من أجل تنفيذ اعتداءاتها ضد بلادنا، انطلاقا من التراب الموريتاني. ويوجد نجل الرئيس الأسبق المذكور بين ظهرانينا، ضيفا على سجن أكادير، منذ النصف الثاني من سنة 2007، حيث يقضي عقوبة سجنية من ثماني سنوات، بعد إدانته في تهريب مخدر الكوكايين. عندما يتأمل المرء في هذه المعطيات، والكثير مما يماثلها، لا تثيره الجلبة، التي شهدها مجلس الأمن الدولي، أخيرا، حول مخاطر التحالف، الذي أخذت معالمه تظهر بين المخدرات والإرهاب في منطقة الساحل، وإفريقيا الغربية، وأخذت تهديداته تتسع، لتصل إلى المغرب. وأكد مدير مكتب الأممالمتحدة للمخدرات والجريمة أمام مجلس الأمن الدولي، في 8 دجنبر الماضي، وجود أدلة على أن نوعين من المخدرات، الهيروين في الشرق والكوكايين في الغرب، يجري تصديرهما من الصحراء، عبر طرق جديدة، عبر تشاد والنيجر ومالي"، وأن "المغرب والدول المجاورة لا بد أن تعاني مضاعفات هذا الأمر". ولم يقف المسؤول الأممي عند هذا الحد، بل حذر من الاستعمال المتزايد لعائدات تهريب المخدرات من قبل الإرهابيين، والقوات المناهضة للحكومات". وإذا كان الارتباط بين تهريب المخدرات وحركات التمرد والإرهاب أمرا يتعين استحضاره، فإن من المثير حقا أن يعترف المسؤول الأممي بأن الارتباط المذكور جرى كشفه بالصدفة، حين عثر على حطام طائرة البوينغ، التي أنزلت حمولة ضخمة من الكوكايين، نقلتها من فينزويلا إلى منطقة غاو، في مالي، في الثاني من نونبر الماضي، وهي منطقة يسيطر عليها المتمردون والإرهابيون. ويبدو أن تواتر عمليات احتجاز الرهائن الغربيين من قبل المتمردين والإرهابيين في منطقة الساحل والصحراء، وتعاظم أنشطة تهريب المخدرات القوية في تلك المنطقة، وتنامي الاستقطاب السلفي الجهادي في مخيمات تندوف... يضع المنطقة المذكورة، وجوارها المغاربي برمته، في كف عفريت.