خضعت إفريقيا لاستعمار دول متعددة من المعسكر الغربي، وبعد ظهور الحركات التحررية استقلت الدول الإفريقية لتجد نفسها بين مطرقة الدول الليبرالية وسندان الدول الشيوعية، وفي مقدمتها الاتحاد السوفياتي. وبعد سقوط المعسكر الشرقي اشتد التنافس بين الدول الغنية لبسط النفوذ على هذه القارة الخام، الغنية بمواردها الطبيعية والمعدنية، ومواقعها الاستراتيجية المهمة.وعلى رأس قائمة الدول المتصارعة، تأتي أمريكا وفرنسا خاصة بعد الاستماتة التي تبديها الولاياتالمتحدةالأمريكية في بناء دعائم نظامها العالمي الجديد ورسمها لخريطة جديدة تستجيب لتطلعاتها التوسعية مقصية بذلك أي دولة منافسة. فرنسا وإفريقيا: تاريخ مشترك ومستقبل مجهول: رغم التفاهم الظاهر بين كل من الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا حول السياسة الخارجية لكل منهما تجاه القارة الإفريقية، فإن كلاهما يضع استراتيجية خاصة تركز على محاصرة كل نشاط اقتصادي منافس، واحتكار المزيد من الأسواق لصالحه، والحصول على رخص جديدة للتنقيب عن الثروات خاصة البترول. 1 تتميز علاقة فرنسا بإفريقيا بكثير من الخصوصيات التي تجمعها خاصة بالدول الناطقة بالفرنسية وتصر فرنسا على الظهور دائما بمظهر "الصديقة" الملتحمة بمشاكل القارة وهمومها لإخفاء رغبتها في الهيمنة والحفاظ على نفوذها، ويمكن رصد خصائص علاقة فرنسا بإفريقيا من خلال الواجهات التالية: الواجهة السياسية: حرصت فرنسا على دعم النخب السياسية الحاكمة واستمالتها كما فتحت أبواب معاهدها وأكاديمياتها في وجه نخب جديدة لتكوينها وتأطيرها وضمان وصولها إلى مراكز القرار في بلدانها مقابل دعاية وحماية المصالح الفرنسية الداخلية منها والخارجية. الواجهة العسكرية: ترمي فرنسا من خلالها إلى تقليص دور المؤسسات العسكرية وخلق جيوب تابعة تضمن وتحافظ على ولاء أنظمتها السياسية لفرنسا من جهة، ومن جهة أخرى إعادة تنظيم الانتشار العسكري في إفريقيا عن طريق تفعيل دور القواعد العسكرية الفرنسية بتقليص عدد الجنود وتعويضهم بمزيد من الخبراء والمستشارين الأمنيين من أجهزة أمن الدولة والمخابرات الفرنسية. الواجهة الاقتصادية: تسعى من خلالها فرنسا إلى تقوية العلاقات الرسمية الاقتصادية عن طريق الرفع من حجم الصادرات التي بلغت 13، 15 مليار دولار سنة 2000، إذ تعتبر فرنسا أكبر مانح للمعونات الاقتصادية لدول إفريقيا، كما تمتلك بها أكبر استثمارات أجنبية. وعلى صعيد آخر، تدعم فرنسا برامج التنمية الاقتصادية الموجهة نحو إفريقيا "كالبرنامج الأممي لمحاربة الفقر" عن طريق توجيه مساعداتها التنموية عبر المنظمات غير الحكومية الفرنسية العاملة في إفريقيا والتي تعمل بدورها على مستويين: ü دعم برامج التنمية المستدامة لشعوب القارة. ü توطيد الصلات بمنظمات غير حكومية محلية واستغلال نفوذها المتصاعد كقوة ضاغطة تقوم بدور الأحزاب السياسية في بعض البلدان. الواجهة الثقافية: وتعود بدايتها إلى المرحلة الاستعمارية حيث كان الاستعمار الفرنسي يعتمد على سياسة الاحتواء الثقافي وتبني خطابات (كالثقافة المشتركة والتاريخ المشترك واللغة المشتركة) ومنذ العهد "الديغولي" حرصت فرنسا على خطاب رسمي شعاره "الصداقة والمساندة للقضايا الإفريقية"، كما أنها تجنبت كثيرا مواقف العداء والمقاطعة التي تتخذها أمريكا عادة في حق الدول التي لا تساند خطها مثل ليبيا والسودان والزيمبابوي... وتجدر الإشارة إلى أن الموقف الفرنسي من النفوذ الأمريكي المتزايد في إفريقيا يتسم ببعض التناقض. فهي ترحب تارة ببعض المبادرات الأمريكية لدعم الاستقرار في القارة، وتقف حذرة أو معارضة تارة أخرى خشية سحب البساط من تحت أقدامها لصالح أمريكا. أهمية إفريقيا في الاستراتيجية الأمريكية: تمثل إفريقيا عنصرا مهما في الاستراتيجية الأمريكية، فهي واحدة من المناطق الأربع التي تدخل في نطاق اهتمام القيادة المركزية الأمريكية حاليا وتضم المناطق المتبقية كلا من: 1 شبه الجزيرة العربية والعراق 2 منطقة شمال البحر الأحمر تشمل مصر والأردن 3 منطقة جنوب ووسط آسيا وتضم أفغانستانإيران وباكستان وجمهورية آسيا الوسطى الإسلامية (كزاخستان وقرغيزيا وطاجيكيستان وأوزباكستان وتركمانستان). 4 إفريقيا: خاصة خليج غينيا والقرن الإفريقي. وتقوم استراتيجية القيادة المركزية الأمريكية على ثلاث عناصر أساسية هي: التوسع لدعم الجهود البيئية والإنسانية التدخل لتطوير شبكة التحالفات القائمة وتوسيع شبكة المعلومات، خاصة في مجال الاستخبارات لمقاومة مخاطر أسلحة "الدمار الشامل" "والإرهاب" حسب المنطق الأمريكي مع الاحتفاظ بعلاقات ودية مع القادة السياسيين والعسكريين. التلويح باستخدام القوة لحماية مصالح واشنطن في المنطقة المعنية لاحتواء أي "استعمال غير منضبط" لمصادر الطاقة وعائداتها وفي مقدمتها النفط. ونسجل هنا أن الاهتمام الأمريكي بالمنطقة ليس وليد اللحظة وإنما هو بند أساسي في الاستراتيجية العسكرية لواشنطن التي أخذت تستغل تردي الأوضاع في كثير من دول القارة، وانتشار الصراعات الداخلية والبينية، مع تنامي الإحساس بانعدام الثقة بين الشعوب الإفريقية ومستعمريها القدامى (فرنسا وبريطانيا وبلجيكا...). وتوجد بإفريقيا قواعد أمريكية في أكثر من دولة وتركز على الدول ذات الموقع الاستراتيجي أو التي تتمتع بثروات طبيعية للوقوف في وجه تشكيل دولة إسلامية قوية عسكريا قد تهدد مصالحها الاستراتيجية في الاستيلاء على نفط القارة والهيمنة عليها وتهدد مصالح "إسرائيل" وأمنها. الاستقرار في إفريقيا تأمين للهيمنة على النفط: أبرز عناصر الرؤية الجديدة للإدارة الأمريكية تجاه القارة، هو التدخل المباشر من أجل حل النزاعات الإفريقية في مناطق إنتاج الثروة خاصة النفط والمعادن. ويعزى سبب اهتمام أمريكا بالنفط الإفريقي إلى رخص ثمنه، وقلة تكلفة استخراجه مقارنة بأماكن أخرى في العالم رغم أنه حسب آخر تقديرات التنقيب لا يتجاوز 6% من الاحتياطات العالمية. ومن أهم الدول المنتجة للنفط في إفريقيا: تأتي نيجيريا وأنغولا والكاميرون والكانغو والغابون وتشاد والسودان بالإضافة إلى دول شمال إفريقيا كالجزائر وليبيا. وتشير بعض الدراسات إلى أن خليج غينيا يزخر باحتياطات نفطية هائلة بحجم احتياطات الخليج العربي. وتستورد الولاياتالمتحدةالأمريكية من مجمل القارة الإفريقية نحو 15% من استهلاكها النفطي، وأغلبه من نيجيريا، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة في المستقبل لتصل ما بين 20 و30% خلال سنة 2020. ومن أبرز مظاهر النفوذ الأمريكي في مجال النفط في إفريقيا، حصول الشركات الأمريكية على مجموعة من امتيازات التنقيب في مجموعة من الدول على حساب مصالح دول أوروبية أخرى كفرنسا التي بدأت تفقد نفوذها شيئا فشيئا في القارة لحساب أمريكا. وتفسر هذه المعطيات، التوجه الأمريكي الذي عبرت عنه تصريحات قادته العسكريين مؤخرا حول اعتبار إفريقيا المحطة التالية التي ستركز عليها الاستراتيجية العسكرية الأمريكية بعد اطمئنانها على مستقبلها في العراق، لإتمام إحكام سيطرتها على النفط العالمي. أميمة أزواد