قال مركز كارنيغي للدراسات في تقرير نشره على موقعه الإلكتروني أن الفائز في الانتخابات الأمريكية جو بايدن ساكون له توجهات مغايرة لسلفة حيث أنه في غالب الظن ستتراجع أهمية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتحتل مرتبة "رابعة بعيدة" خلف كلٍّ من أوروبا، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأميركا اللاتينية، وفقاً لأحد المستشارين في الحملة. ولكن شمال أفريقيا، ولا سيما الجزء الغربي منه الذي يشمل المغرب والجزائروتونس، يؤكد التقرير ذاته، هو المكان الأمثل كي يفي بايدن بالتزامه تجديد الدعم الأمريكي للأنظمة الديمقراطية والانخراط في الدبلوماسية من الأسفل إلى الأعلى وكذلك من الأعلى إلى الأسفل. منطقة شمال إفريقيا ففي تلك المنطقة، يستطيع بايدن إعطاء الأولوية للعلاقات مع البلدان التي تتشارك القيم الأمريكية مقدِّماً إياها على الأنظمة الاستبدادية في العالم، ويمكنه أيضاً دعم المجموعات والأفراد الذين يعملون من أجل الإصلاح الديمقراطي في المغرب الذي يضم مجتمعاً أهلياً ناشطاً وتربطه صداقة راسخة بالولاياتالمتحدة، وكذلك في الجزائر التي تشهد إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة. من شأن كلٍّ من هذه الدول أن يمنح إدارة بايدن فرصة منخفضة التكلفة لإعادة توكيد القيادة الأمريكية، والتحوّل نحو سياسة خارجية أكثر استناداً إلى القيم، وتحقيق المصالح الاستراتيجية الأمريكية الأساسية، ومنها التصدّي لصعود خصوم مثل روسيا والصين. ووفق تقرير مركز كارنيغي للدراسات، فإن الرئيس ترامب قد تجاهل إلى حد كبير منطقة شمال أفريقيا، وهذا ما فعلته أيضاً حملة بايدن. ولكن بايدن نفسه لديه خبرة في شؤون المنطقة، إذ كان نائباً للرئيس الأمريكي إبّان اندلاع الربيع العربي في 2010-2011. وقد لمس عن كثب كيف أن الأحداث الداخلية في شمال أفريقيا يمكن أن تولّد تداعيات مترامية الأطراف تطال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأوسع وتصل أبعد منها، ولاسيما إلى حلفاء الولاياتالمتحدة في أوروبا. وفي حين أن بايدن كان آنذاك أكثر تشكيكاً من أوباما حيال قدرة بلاده على التأثير في مسار الأحداث على الأرض خلال الربيع العربي، فإن التزامه تعزيز الديمقراطية الأميركية والحد من صعود السلطوية في أنحاء العالم يجعله في موقع جيد للعمل مع الفاعلين في المجتمع الأهلي وداعمي الديمقراطية من أجل مساعدتهم على تحقيق أهدافهم. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال إعادة إرساء السلطة المعنوية الأميركية في الفضاء الديمقراطي، أو من خلال الحرص على أن يعطي التمويل الأميركي للمنطقة الأولوية للجهود الآيلة إلى تحسين حياة الأشخاص. وتابع التقرير ذاته بالقول: "المقاربة الأمريكية في التعاطي مع شمال أفريقيا متجذّرة في الأهمية الجيوستراتيجية للمنطقة التي ترتبط بالشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا. خلال الحرب الباردة، طبع الصراع الأمريكي الأوسع نطاقاً مع الاتحاد السوفياتي انخراط الولاياتالمتحدة مع شمال أفريقيا. وبعد هجمات 11 سبتمبر، انصب الاهتمام الأمريكي بصورة أساسية على الحرب العالمية على الإرهاب في الشرق الأوسط وخارجه. وبعد الربيع العربي، دُفِعت واشنطن نحو تقديم دعم أكبر للإصلاح الديمقراطي في المنطقة، علماً أن ذلك الدعم لم يُعمّر طويلاً، إلا في حالة تونس. واليوم، تركّز المصالح الأمريكية إلى حد كبير على حفظ الاستقرار من أجل كبح الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، والتصدي للمجموعات المتطرفة العنيفة مثل الدولة الإسلامية والقاعدة، والحد من التدخل الصيني والروسي في المنطقة بعد توسّعه خلال العام المنصرم". واستدرك التقرير، لكن الولاياتالمتحدة لا تنتهج استراتيجية واحدة في شمال أفريقيا. ففي الجزائر، الانخراط الأمريكي محدود جدّاً بسبب معارضة الحكومة الجزائرية للشراكة مع الغرب. وفي حين أن العلاقة التجارية بين البلدَين في ازدياد، ولا سيما في قطاع المواد الهيدروكربونية، التزمت الولاياتالمتحدة الصمت خلال احتجاجات الحراك. أما تونس فهي من الجهات الأكثر تلقّياً للمساعدات الاقتصادية والأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد حافظت الولاياتالمتحدة على دعم ثابت نسبياً للانتقال الديمقراطي في البلاد خلال العقد المنصرم. والمغرب، على غرار تونس، هو حليف أساسي للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتُركّز المساعدات الأمريكية للمملكة، في جزء كبير منها، على التنمية الاقتصادية، وخصوصاً من خلال الاتفاقَين الموقّعَين بين المغرب ومؤسسة تحدي الألفية بقيمة 750 مليون و450 مليون دولار على التوالي. فرصة جديدة لبايدن لدعم الحكومات والمجتمعات الأهلية في شمال أفريقيا وأكد التقرير ذاته على أنه بعد مرور نحو عقدٍ من الزمن على انتفاضات 2011، ينبغي على إدارة بايدن، في حال فوزه بالرئاسة، إعطاء الأولوية للديناميكيات الداخلية في شمال أفريقيا واتباع سياسة قائمة على مصالح الأفرقاء المحليين. فعلى الرغم من أن الولاياتالمتحدة فقدت سلطتها المعنوية على المثل العليا الديمقراطية في المنطقة بسبب اعتداءات إدارة ترامب على الديمقراطية في الداخل، ستكون الفرص متاحة أمام إدارة بايدن لدعم الحكومات والمجتمعات الأهلية في شمال أفريقيا، في خطوة تتناسب مع القيم والمثل العليا التي لطالما قامت عليها الولاياتالمتحدة، وتساهم في تحسين حياة المواطنين في شمال أفريقيا. وقال تقرير مركز كارنيغي للدراسات،إنه "نظراً إلى الوقائع الاقتصادية التي تفرضها جائحة كوفيد 19، ستركّز الإدارة الأمريكية العتيدة على الأرجح بصورة أكبر على الأولويات المحلية، وستتوافر لها أموال أقل لإنفاقها على المساعدات الخارجية. مع ذلك، سيكون بإمكان بايدن وفريقه تطبيق العديد من الإجراءات ذات الكلفة الضئيلة ولكنها تعود بفوائد محتملة كبيرة على مصالح بلدان شمال أفريقيا والولاياتالمتحدة". وتابع التقرير: "أولاً، يستطيع بايدن وفريقه زيادة التواصل الدبلوماسي مع شمال أفريقيا مقابل كلفة متدنّية أو حتى معدومة، وعلى وجه الخصوص، العمل على إحداث تحسّن كبير في طبيعة الانتقال الديمقراطي في تونس. وقد قطع بايدن وعداً بعقد قمة عالمية للديمقراطية خلال عامه الأول في الرئاسة. يمكن أن تُعقَد القمة في تونس التي تحتفل في العام 2021 بالذكرى العاشرة لثورتها الديمقراطية". دعم الاندماج والتعاون الإقليميَّين داخل منطقة شمال أفريقيا كما كشفت صاحبة التقرير سارة يركيس، أنه يمكن لإدارة بايدن أيضاً أن تدعم الاندماج والتعاون الإقليميَّين داخل منطقة شمال أفريقيا. لقد أورد صندوق النقد الدولي في العام 2019 أن حصّة التبادلات التجارية بين بلدان المنطقة هي أقل من خمسة في المئة من مجموع التبادلات التجارية لبلدان المغرب العربي، ولذلك يُشكّل هذا القطاع مصدراً للنمو لم تجرِ بعد الإفادة منه كما يجب. ويُعزى غياب التعاون بصورة أساسية إلى الخلاف الجزائري-المغربي على الصحراء الغربية. لكن ربما لا يزال ممكناً استكشاف مجالات لتعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي. وفي السياق ذاته أورد التقرير أن بايدن يستطيع أيضاً، في إطار التزامه تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في مختلف أنحاء العالم، أن يشترط، من أجل الانخراط الدبلوماسي وتقديم المساعدات الاقتصادية، تطبيق ممارسات ديمقراطية أكثر شفافية، وإدارة موارد الدولة على نحوٍ عادل ومنصف، والتخلص من حكم النخب الفاسدة. ومن خلال اتباع سياسة تقوم على زيادة المساعدات للبلدان التي تدعم الممارسات الديمقراطية تزامناً مع خفض المساعدات للبلدان التي لا تدعمها، سيسمح ذلك بتجنُّب حدوث زيادة صافية في الأموال التي تُنفَق على المساعدات الخارجية الأمريكية. وختم التقرير بدعوة إدارة بايدن للتحلّي بالتواضع والإصغاء، بدلاً من إملاء وصفات جاهزة عند التعامل مع المنطقة. لقد تجاهلت إدارة ترامب صوت الشعب على الأرض ولم توفّر الدعم المناسب للمنظمات المحلية والأفراد الذين يعملون من أجل إحداث تغيير إيجابي. بيد أن اتباع هذه المقاربة يؤدّي، في نهاية المطاف، إلى نتائج عكسية.