في خرجة إعلامية، أرجّح أنها محسوبة، عرج الوزير نبيل بن عبد الله، ضمن حوار أجرته معه أسبوعية الأيام، على ذكر حزب "البام" واصفا مؤسسه فؤاد عالي الهمة بالمتحكم في المشهد السياسي من خلال خلق هذا الحزب الأخير! فكان تصريحا مدويا عمّ صداه حتى غير المهتمين بعالم السياسة فاستثار إعجابهم، وجعل المتحزبين يتبارون في إضفاء صفات وألقاب البطولة على "الرفيق بنعبد الله" الذي لم يخض يوما معركة إلا بين كؤوس الراح ! ... ودبّ في الشارع نشاط طارئ وحركة غير عادية جعلت الكل متحفزا لخوض معركة مع "التحكم" من خلال "صناديق الاقتراع"، وهي النتيجة التي تتطلع إليها حكومة الظل من وراء إبداع هذا السيناريو!! وحتى تكتمل الفرجة، ويحقق الحوار مبتغاه من تلميع صورة "الرفيق بنعبد الله" والارتقاء به إلى مستوى "البطل السياسي"! ، صدر بيان عن الديوان الملكي بلغة صارمة تحمل معنى: كون بنعبد الله فاعل سياسي وقائد حزبي حقيقي، ويمثل إرادة شعبية أوصلته إلى موقعه الحالي الذي يخول له أن يتحدث بتلك اللهجة التنديدية !! سنصرف النظر عن الأسباب التي جعلت "الرفيق" نبيل بن عبد الله يخرج بذلك التصريح الناري، والذي لا يمكن أن يكون، حتما، عنوانا على جرأة سياسية طبيعية مستمدة من موقعه الحالي كأمين عام لحزب التقدم والاشتراكية، فالقصر لديه أساليبه الخاصة في التعامل مع الخارجين "على السياق"! والذين قد يتوهمون في لحظة ما أنهم اكتسبوا مناعة و حصانة تخول لهم التحدث في موضوع "المدينة المحرمة/la cité interdite " !!، وهذا أمر لن يغيب أبدا عن ذهن "الزعيم التقدمي"! فنبيل بن عبد الله لم يكن يوما صاحب كاريزما سياسية، ولم يُسجّل في صحفيته أنه وقف موقفا مصادما للاختيارات "المخزنية" بل كان، ومنذ انطلاق مشواره السياسي، متماهيا معها إلى حد الذوبان، ولعل هذا ما جعله يحظى بالاستوزار لثلات مراث، فصلت بينها بضعة أشهر كسفير للملكة المغربية بإيطاليا ! إذن لا نجد في ماضي الرجل وحاضره ما يمنعنا من التشكيك في تلك الجرأة "الدونكيشوتية" وهو ما يدفع بنا إلى القول بأن هنالك مسرحية رديئة الإخراج أريد لها أن تكون أداة لتنشيط الساحة السياسية التي يبعث هدوءها على الملل، وأسند فيها دور البطولة إلى واحد من خدام "المخزن" ليكون بمثابة الخروف حامل الجرس الذي يقود القطيع إلى الحظيرة... "حظيرة الاقتراع العام"، والذي، أيضا، لن يستثمر هذه البطولة المجانية في خلق مفاجآت غير محسوبة "لأرباب نعمته"! فكيف دخل حزب العدالة والتنمية على الخط وقرر، بدوره، أن يرفع "الرفيق نبيل بن عبد الله" إلى مقام "شهيد الكلمة"، موعزا إلى جيشه الإليكتروني وقواعده بعدم ادخار أي وصف يضفي هالة من البطولة على "الرفيق بنعبد الله"؟ وكيف قرر أن يخوض هذه المعركة متمترسا خلف "الرفيق بنعبد الله" وهو يعلم أنها مواجهة سافرة مع "البلاط"؟ وكيف تحول فجأة "الرفيق بنعبد الله" من عدو "إيديولوجي" إلى "رفيق" و "حبيب" و"قدوة" بين "شيوخ ومريدي" حزب العدالة والتنمية؟ هل من تفسير منطقي ومعقول لما صدر ويصدر عن حزب العدالة والتنمية من سلوكيات تتناقض مع أدبياته و "دفتر تحملاته" الأخلاقي ؟ بالأمس ثار بن كيران صحبة قادة وزعماء حزب العدالة والتنمية تحت قبة البرلمان بسبب لباس يكشف عن كتفي مصورة قناة، ليستقبلوا بعدها "مؤخرات" شاكيرا وجنيفر لوبيز ... دون أن يرفّ لهم جفن ! وبالأمس دعا بن كيران وهو خارج الحكومة، وبحضور ثلة من قادة حزبه، في برنامج على القناة الثانية إلى ضرورة القطع مع طقوس البيعة معتبرا إياها مهينة، ليردد، بعد أن أصبح رئيسا للحكومة، أن هذه الطقوس لا محيد عنها وتعتبر مظهرا من مظاهر البيعة التي يجب التشبث بها وتكريسها. وبالأمس شدد بن كيران، وهو على أعتاب الحكومة، على محاربة الرشوة واقتصاد الريع، وبعد توليه لمقاليد السلطة شاهدنا جميعا كيف تراجع الخط الدلالي للرشوة ليسجل صفرا على اليمين وليس على اليسار !!! وأضحى اقتصاد الريع يتمتع بالحماية، وصار شعار المرحلة "عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه" و "لا جدوى من ملاحقة الساحرات"! بالأمس كان بن كيران، وهو على سُدّة الاحتياط، يهاجم فؤاد عالي و الماجيدي و العماري و ... غيرهم ممن هم من قطع الشطرنج القوية! فلما صار إلى كرسي الوزارة شرع يوصي بعدم الخوض في الجزئيات أو البحث في التفاصيل، وأن على من يدعي فساد فلان أو علان أن يأتي بالدليل !! بالأمس ثار بنكيران وجماعته على "مزوار" بعد تورطه في فساد إداري ومالي، ولم يوفروا أي وصف رديء في حقه، جازمين بعدم حدوث أي تحالف سياسي مع حزبه مهما كانت الظروف، فلما وجدوا أنفسهم محشورين في عنق زجاجة التشكيلة الحكومية المعدلة، أعادوا الاعتبار إلى "مزوار" وأضحى لهم حليفا استراتيجيا، وعفا بنكيران وجماعته عما سلف! فإذا ما نحّينا جانبا افتراض كون موقف بن كيران وجماعته المناصر ل"للرفيق بن عبد الله" صادر عن جرأة سياسية والتزام أخلاقي اتجاه الشعب، يتبقى لنا افتراضين: ü إما أن بن كيران وعصابته هم شخوص في ذات المسرحية التي يؤدي فيها "الرفيق بن عبد الله" دور البطولة لتنشيط الساحة الانتخابية وإعطاء صورة ديمقراطية عن المغرب مفادها أن "الفاعل السياسي" له القدرة والجرأة والصلاحية في ممارسة حق النقد والتعبير عن رأيه حتى لو تعلق الأمر بالنيل من شخصيات وازنة ضمن محيط الملك، بل وفي غرة هذا المحيط ! ü أو أن هنالك إشارات أعطيت لبن كيران للمشاركة في عملية الردح ورفع "الرفيق نبيل بن عبد الله" على "العمارية" للوصول به إلى هدف ستتضح طبيعته عقب الاستحقاقات التشريعية المرتقب إجراؤها في السابع من أكتوبر المقبل ! فهل بقي لحزب بن كيران ما يميزه اليوم عن بقية الدكاكين السياسية الأخرى التي باتت تقتات على الريع السياسي وتلتزم "الديماغوجية" كوسيلة للوصول إلى الحكم "الصوري" والاحتفاظ به؟ وهل كانت تصريحات بن كيران السابقة التي صدرت عنه في حوارات تلفزية موثقة من مثل: - نحن الآن في مرحلة الدفاع عن الحصون المتبقية من الإسلام ! - حزبنا ينتسب إليه أو يتعاطف معه ويشعر بأنه يمثله، كل من استوعب الإسلام بشكل سليم وفهمه بشكل سليم ! فهل هذه التصريحات هي فقط نوع من التدليس على المغاربة (بوصفهم مسلمين في عمومهم) لاكتساب تعاطفهم، والبرهنة للمخزن أنه بات مؤهلا لتولي مسئولية الشأن العام لملء الفراغ السياسي الذي بدأ يتعاظم بعد أن تهاوى حزب الاتحاد الاشتراكي واستحال دكانا سياسيا بئيسا؟ !! فما يحدث اليوم لا يخرج عن كونه مسرحية تم تأليفها في مطبخ "المخزن" لتنشيط الساحة السياسية للدفع بالمواطنين إلى صناديق الاقتراع خوفا من المقاطعة التي تحرجه أمام الماسكين بخيوط السياسة الدولية. وهدف الرفع من نسبة المشاركة في الاقتراع العام في نظر "المخزن" تهون أمامه كل السيناريوهات وكل المحظورات! وغدا سيفطن المغاربة إلى أنهم كانوا ضحية أكبر عملية احتيال سياسي باسم الإسلام !؟؟