رضوان زريعة - أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان (تقريرا موضوعيا) حول (وضعية المساواة وحقوق الإنسان بالمغرب : صون وإعمال غايات وأهداف الدستور) وخص توصيته (رقم:18) للمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، وانعقاد الزواج وفسخه، وتقديم النفقة للأطفال خارج إطار مؤسسة الزواج . وتأتي هذه التوصية من المجلس السالف ذكره، بعدما باءت كل محاولات الجمعيات الحقوقية وبعض الفاعلين في الحقل السياسي بالفشل، حيث كانوا ولا زالوا يعملون على السعي للنيل من الهوية الإسلامية والزحف على النصوص الشرعية و بعض المكتسبات التي أتى بها دستور المملكة المغربية، من بينها تلك التي تنص على أن النظام الدستوري للمملكة يستمد بعض تشريعاته من الدين الإسلامي السمح . إنه وبمجرد تمعننا في فحوى التوصية (18) التي تضمنها التقرير المثير للجدل، ومحاولة وضعها في إطارها القانوني، نجد بها تناقضات كثيرة، حيث إن أعضاء المجلس المذكور ركزوا في طرح توصيتهم على الاستدلال ببعض فصول الدستور المغربي وبعض مواد اتفاقية »سيداو الأمريكية« التي صادق عليها المغرب في وقت سابق، لكن بالرغم من محاولتهم إعطاء التوصية صبغة قانونية انتقائية وبث مغالطات للرأي العام، إلا أننا يمكننا الطعن فيها انطلاقا من الفصل الذي ركز عليه محرروها، وانتهاءًا بالفصول الأخرى من دستور2011. فبغض النظر عن أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان تطفل على وظيفة مجلس آخر وهو المجلس العلمي الأعلى الذي يُخول له البث في هذه النوازل، نجد أن الفصل (19) تم الاستدلال به بطريقة انتقائية حيث ركز أصحاب التوصية بشق منه وأهملوا الشق الأخر، لأنه بالرجوع للفصل المذكور، سنجد المُشرع المغربي عمل على تقييده ولم يتركه شاملا، حيث جاء كالتالي :» يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الواردة في هذا الباب وفي مقتضيات الدستور، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق الدستور وثوابت المملكة وقوانينها« مما يعني قانونيا أن المواد التي أتت بها اتفاقية (سيداو) الدولية والتي استدل بها أصحاب التوصية يجب تنفيذها وفقا لما ينص عليه الدستور ولما عليه ثوابت المملكة؛ ولا يجب تنفيذ أي مادة من مواد الاتفاقيات الدولية غير المتوافقة مع فصول دستور وقوانين البلاد . إضافة للفصل المذكور، سنجد كذلك في الباب الأول من الدستور المتضمن لأحكام عامة، أن الفصل (1) منه يتعارض مع ما جاء به مجلس اليازمي الذي أصدر التوصية، لكون أن هذا الفصل نص على أن الأمة تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، وكذلك الشأن بالنسبة للفصل (175) الذي جاء صريحا في شأن الأحكام الربانية، حيث إننا نجده ينص على أنه لا يمكن للأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، وبالنظام الملكي للدولة أن تتناول للمراجعة . أما بإلقاء نظرة على مصادر التشريع في المغرب الذي يُعتبر مصدرا أصلياً للقانون الجاري به العمل في التراب الوطني المغربي، سنجد أنه يعتمد على أربعة مصادر وهي : الدستور ودين الإسلام (مصادر أصلية) والعرف ومبادئ القانون الطبيعي (مصادر احتياطية) . كل هذا وبالإضافة إلى التمعن في الاستفتاءات المغربية التي أجرتها مُختلف المنابر الإعلامية والتي خرجت بغالبية الأصوات الساحقة ضد التصريحات الداعية ل "تساوي الذكر والأنثى في الإرث" أو غيرها من الإطلالات الإعلامية التي يطعن أصحابها في النصوص الشرعية الواضحة وضوح الشمس، وجب على كل من ينادي بهذا ويُفكر في طرح أفكار رامية لتعطيل أحكام الدين الإسلامي تدريجيا، أن يلج جحره ويخرس؛ لأن غالبية الأمة المغربية تستمد قيمها من الدين الإسلامي السمح والتقاليد الاجتماعية والأسرية، ثم إن هكذا توصيات وإطلالات إعلامية فاشلة تُعد بمثابة "نسف لإمارة المؤمنين ولشرعية الدولة ومؤسساتها ". أما من كان اختصاصه الحقوق ويتغنى ليل نهار بالشعارات الرنانة، بُغية تحقيق العدالة والكرامة للمواطن باسم الحقوق، فعليه أن يخجل من نفسه؛ لأنه لو تأمل جيدًا، سيجد نفسه أول مُعتد على الحقوق، فالتشريع الرباني والقانون المغربي يتوفر على العديد من النصوص التي تضمن حق الميراث وغيرها- فقط يلزمها التطبيق- . وفوق ذلك فهذه التوصية بالأساس ومثيلاتها لا تهدف لضمان حق الميراث، بل تسعى لفتح الطريق أمام الطعن في نصوص شرعية أخرى وتعديلها حسب أهواء من أصدروها، كما تُشكل اعتداءًا واضحًا على مؤسسات الدولة، وتسعى لزعزعة ثوابت المملكة المغربية، وتضرب دستور وهوية البلاد عرض الحائط، إضافة لسعيها وراء تحقيق مصالح غربية بعيدة تماماً عن المجتمع المغربي؛ هذا المجتمع الذي يستند في حياته العامة وفي جُل قوانينه على الإسلام، الذي أعطى حقوقا شرعية كثيرة للمرأة، أهمها تلك التي تتمثل في العدل بين الناس، والذي يُعتبر أكبر من المساواة التي اخترعها الغرب الساعي لنشر ثقافة التوحيد بين الجنسين، والإقرار بالزواج المثلي وغيره، بعدما كان في أواخر القرن الماضي يمنع المرأة من أبسط حقوقها . إن هؤلاء ومثلهم يسعون لتمييع ثقافة وقيم الشعب المغربي من خلال تطبيق المشروع الغربي، ويُركزون على ربط أمور وقضايا لا علاقة لها بموضوع المساواة أو بما كفله الإسلام من حقوق للمرأة، للقضاء على الدين الإسلامي، فلو كان حقا هدفهم الرئيسي الدفاع عن المرأة وصون كرامتها والحرص على ضمان حقوقها -كما يدعون- لدافعوا عن تلك المرأة التي تتعرض للظلم في قسمة الإرث طبقا لما نص عليه التشريع الرباني و القانون المغربي، وتلك التي تعاني في البوادي من حرمانها في حقها في الصحة والتعليم، وتلك التي تتعرض للضرب والعنف من زوجها، والأخرى التي يتم استغلالها كخادمة في منازل -الطبقات الراقية المثقفة- وغيرها من الأمور التي لا تُعد ولا تُحصى ... أخيرا وليس تحقيراً، فما يجب أن يعلم به هؤلاء الذين يختزلون حُقوق المرأة في حقها في ''المساواة''، أن ديننا الإسلامي ركز على تكريم المرأة أحسن تكريم ففي الإسلام (النساء شقائق الرجال) ... إضافة لذلك حث على قيام العدل بين الناس والذي يُعتبر أكبر من ''المساواة''. لهذا كله كان على هؤلاء أن يتحدثوا عن تطبيق العدل، وعن الحديث عن مستوى وعي المرأة بدورها في المجتمع وفعاليتها، لا أن يحاولوا الانتصار لمرجعية معينة وإقصاء المرجعيات الأخرى، أو الركوب على هذه القضايا واستغلالها لتنفيذ مشاريع هادفة بالأساس لتفكيك بنية المُجتمع والزحف على قيمه وثوابته وتهديد استقراره . وبما أن البعض من المدافعين عن التوصية، أصبح يُخول لنفسه المقارنة بين كبار أصحاب الرسول (ص)، وبين الداعين لتعديل النص الشرعي، فنقول لهم شتان ما بين الاثنين، فالأول اجتهد في تنزيل حكمين جعلهما مشروطين بظرفية معينة، أما الثاني فيطعن في نصوص القرآن، ورحم الله ابن الخطاب وغفر له فإنه لم يكن يدري بأن التعليق الظرفي لحكم شرعي سيأتي زمان ويستغله دعاة المساواة كمبرر لتعديل حكم شرعي واضح، ولا يتطلب أي اجتهاد فقهي .