هذه أولى مقالتين حول عمل مؤسسة تحدي الألفية الأميركية لتنمية قطاع صيد الأسماك في المغرب. واشنطن - بات مشروع مؤسسة تحدي الألفية الأميركية لقطاع صيد الأسماك على نطاق محدود يُحدث تحولاً في قطاع صيد الأسماك في المغرب. تهدف مؤسسة تحدي الألفية، من خلال عملها على امتداد سواحل المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، إلى تحسين حياة صيادي الأسماك الذين يشكلون عادة بعضًا من أكثر سكان البلاد فقرًا. وكجزء من اتفاق مدته خمس سنوات وقيمته 698 مليون دولار، وقّعته مؤسسة تحدي الألفية مع المغرب، سوف يساهم مشروع مساعدة صغار صيادي الأسماك في إحداث تحوّل في قطاع صيد الأسماك على نطاق محدود من خلال تحديث وسائل الصيد وطرق تخزين وتسويق الأسماك، وبالتالي تحسين نوعية الصيد، والمحافظة على سلسلة قيمته وزيادة الفرص المتاحة أمام الصيادين للتمكن من الوصول إلى الأسواق المحلية وأسواق التصدير. وقد أفادت مؤسسة تحدي الالفية مؤخرًا بأن المشروع سيساهم في إنشاء مواقع جديدة لرسو قوارب الصيد، وبناء مرافق لصيد الأسماك وتعزيز مستواها، وتحسين إمكانية وصول الصيادين إلى الأسواق، وتوفير التدريب التقني، والمساعدة في تمويل وسائل نقل الأسماك الطازجة إلى باعة الأسماك المتجولين في المناطق الساحلية من المغرب. وتتوقع مؤسسة تحدي الألفية أن يستفيد من المشروع أكثر من 125 ألف إنسان، كما من المتوقع أن يرتفع دخل الأسر إلى أكثر من 273 مليون دولار على مدى 20 عامًا. كان صيّاد الأسماك المغربي عبد الهادي زهراوي، البالغ من العمر 31 سنة، قد شاهد مؤخرًا العمل الجاري في قاعة المزاد العلني على الموقع الجديد لرسو قوارب الصيد في تفنيت، في نهاية يوم عمل شاق. كان يتكئ على سور معدني، ويراقب البائع بالمزاد وهو يعرض الأسماك المصطادة على الحشد المتجمهر- وكانت الأسماك تشمل أحيانًا سرطانات بحجم طبق الطعام، وأحيانًا أخرى نوعًا غريبًا آخر بحجم يكفي لإطعام أسرة صغيرة. كان المشترون يبدأون بالمزايدة، وتتعقب شاشات الكمبيوتر القريبة ارتفاع السعر - الذي وصل إلى مستوى أعلى بكثير من أي سعر استطاع هو وفريقه الحصول عليه سابقًا. ابتسم زهراوي وهو يشاهد كل ذلك. فقبل أشهر فقط، كانت تساوره نفس المخاوف التي يواجهها العديد من صيادي الأسماك المغاربة: وجود عدد قليل من المشترين الذين يعرضون أسعارًا منخفضة، وسحب معدات صيدهم إلى البحر والرجوع قبل الفجر والارتفاع الحاد في درجة الحرارة الذي يتلف صيد اليوم من الأسماك. قال زهراوي إنه "من خلال هذا المشروع، توفرت لدينا الآن الوسائل لجعل حياتنا أفضل. وبالنسبة لي، فقد أصبحت حياتي بالتأكيد أفضل الآن." قبل افتتاح رصيف الإنزال في تفنيت، كان صيادو الأسماك يستيقظون عادةً باكرًا قبل شروق الشمس ويسحبون معداتهم إلى البحر. وكانوا يصطادون ما في وسعهم - وأحيانًا يبقون في البحر لعدة أيام - ومن ثم يبيعون ما اصطادوه إلى أي بائع يصدف وجوده قريبًا منهم في ذلك الوقت. وقد يختار البعض انتظار قدوم عدد أكبر من الباعة، ولكنهم غالبًا ما كانوا يحتاجون إلى الثلج، أو يدفعون ثمنًا عاليًا للحصول عليه، مما يؤدي إلى تلف الأسماك. وكان العديد من مشتري الأسماك في أحيان كثيرة هم أيضًا الوسطاء الذين يقرضون المال لشراء شباك الصيد والوقود للصيادين مقابل اتفاق على شراء الكمية المصطادة من الأسماك بسعر أقل من أسعار السوق. أما الآن، فقد بدأت مواقع رسو القوارب المحسّنة والمموّلة من مؤسسة تحدي الألفية، كالموقع الموجود في تفنيت، تغيّر أساليب عمل الصيادين، وذلك بدءًا من طرح شباكهم ووصولاً إلى كيفية بيع وتخزين الأسماك لدى عودتهم. وباتت الخزانات الخاصة تتيح للصيادين الاحتفاظ بمعداتهم بأمان في الجوار والتقليل من مخاطر تعرضها للسرقة. كما تتوفر مرافق تخزين منفصلة للوقود. وتتيح الآلات الجديدة لصنع الثلج المحافظة على الأسماك المصطادة لتظل طازجة قدر الإمكان، وبالتالي يتمكن الصيادون من الحصول على أسعار أعلى، فيما يتجمع في قاعة المزاد العديد من المشترين للمزايدة على شراء الأسماك. ومن ناحية أخرى، تساعد الكافيتيريا الجديدة في توليد إيرادات لتعاونيات الصيادين، وقد تأسست أيضًا بفضل المشروع. وبعد انتهاء سريان الاتفاق مع مؤسسة تحدي الألفية في أيلول/سبتمبر 2013، سوف يواصل المكتب الوطني لصيد الأسماك التابع للحكومة المغربية بإدارة قاعة المزاد، في حين تستمر تعاونيات صيادي الأسماك بتشغيل وصيانة بقية المواقع. يشكل موقع رسو قوارب الصيد في تفنيت واحدًا من أصل 11 موقعًا أنشئ بفضل الاتفاق الممول من مؤسسة تحدي الألفية في المغرب. كما يستفيد أيضًا صغار صيادي الأسماك من جهود المشروع في إعادة تأهيل وتطوير المرافق في 10 موانئ أخرى توجد فيها قاعات للمزاد العلني، وفي معظم الحالات، تتضمن معدات لصنع الثلج. كما أن المشروع في صدد إنشاء خمس أسواق لبيع الأسماك بالجملة لربط تجار الجملة وموزعي الأسماك التي يصطادها صغار الصيادين. وقد باتت هذه المواقع تحدث فرقًا كبيرًا في المجتمعات الأهلية مثل تفنيت. قال العربي حويلات، الذي يصطاد في مياه المحيط الأطلسي قبالة سواحل تفنيت منذ 25 سنة، إنه لم يتوفر له في غالب الأحيان سوى خيار بيع صيده إلى الوسطاء الذين يبيعونه في نهاية المطاف بأسعار أعلى بكثير في أغادير، التي تبعد حوالى 45 كيلومترًا عن تفنيت. وأضاف: "لم تتسن لي أي فرصة للمساومة على الأسعار. لا شيء من ذلك الإطلاق." وحتى مع الارتفاع الأخير في أسعار الشباك، لا يزال حويلات يحمل إلى عائلته 6 دولارات إضافية في كل يوم. وشدد صياد الأسماك المغربي على أن "هذا أفضل بكثير مما سبق." أما دخل محمد الصغير، فقد ارتفع بدوره بنسبة 25 بالمئة تقريبًا منذ انضمامه إلى تعاونية صيادي الأسماك عقب افتتاح موقع رسو قوارب الصيد في تفنيت. والأمر المهم بنفس القدر بالنسبة لمحمد الصغير، البالغ من العمر 41 سنة، هو التمكن من تغطية تأمينه الصحي الآن بفضل التعاونية. وشرح ذلك قائلاً: "إننا نبيع بصورة قانونية، ونسدد ضرائبنا، ولدينا تأمين صحي، وهذا أمر مهم، لأن كل واحد منا قد أصيب مرة على الأقل بالمرض خلال حياته وتوقف عن العمل من دون أن يُدفع له أي شيء." ويرى صياد زميل لزهراوي أيضًا إمكانات العمل مع التعاونية. فمن خلال التخطيط، والتشغيل، والبيع المشترك مع الصيادين الآخرين - إلى جانب بيع أسماكه في المزاد العلني - كسب ما يكفي من المال الإضافي لشراء منزل لزوجته وابنه البالغ من العمر 3 سنوات. ولم يكن ليتمكن من جمع المال الكافي لولا أن انضمامه إلى التعاونية أتاح له الوصول إلى التمويل التجاري للمرة الأولى. وقال: "إن هذا الموقع قد بدّل حياة جميع الصيادين في المنطقة. وسوف يساعد في تحسين جميع طرق حياتنا. وما هذا سوى مجرد البداية.