بات وصف المغرب ببلد الاستثناء منتشرا بين المغاربة، ليس لأنه خرج سالما مما سمي بثورات الربيع العربي، وينعم بالاستقرار في محيط إقليمي مضطرب، وإنما لأنه يتميز بأشياء ذات طابع مغربي صرف. ففيه وحده يمكن إقامة الدنيا دون إقعادها عن مجرد عمل بسيط كصرف أجور الموظفين والمتقاعدين قبل أوانها، بدعوى تيسير مأموريتهم مثلا في اقتناء خرفان عيد الأضحى، بينما يتم التكتم عما يستفيد منه الوزراء وأمناء الأحزاب… من امتيازات وأكباش ببلاش. فلم يعد سرا أن تشغل الحكومات المتعاقبة الناس عن مشاكلهم الحقيقية، بلجوئها إلى الحلول السهلة، كتقديم الرواتب عن موعدها، لأنها تعلم جيدا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية، التي يرزح تحت وطأتها هؤلاء المأجورون والمتقاعدون، الذين لا تجد غالبيتهم ضالتها في مواجهة مصاريف العطلة السنوية وعيد الأضحى والدخول المدرسي، سوى مقصلة القروض، بعد أن أنهكت الزيادات المتوالية في أسعار المواد الأساسية قدرتهم الشرائية. فاستثنائية المغرب تكمن أحيانا في تناقضاته، إذ في الوقت الذي يوجد ثلث سكانه تحت عتبة الفقر، ويعاني آلاف الشباب خريجي الجامعات والمعاهد ومراكز التكوين من آفة البطالة اللعينة، هناك حوالي نصف مليون من كبار الأثرياء، تتصدر أسماء بعضهم قوائم مليونيرات إفريقيا، من الذين صنعوا ثرواتهم على حساب أبناء الشعب، وصاروا من النخبة الحاكمة التي تساهم في صنع القرار، بعد أن تم الزج بهم قسرا في حظيرة السياسة، إلى جانب التكنوقراط الذين تتم صباغتهم أحيانا بألوان سياسية. ناهيكم عن المحظوظين الذين يستفيدون من الإعفاءات الضريبية، الفيلات الفخمة، الأراضي الخصبة، البقع الشاسعة ورخص: الاستيراد والتصدير، النقل الطرقي، مقالع الرمال والصيد في أعالي البحار… ثم عن أي استثناء يتحدثون في ظل وجود برلمان بغرفتين، يزدرد أموالا هائلة من ميزانية الدولة عبر الامتيازات والتعويضات، دون أن يكون له أي أثر إيجابي على حياة المواطنين، من حيث اقتراح مشاريع القوانين أو مراقبة العمل الحكومي؟ فالغرفة الأولى/مجلس النواب تتكون من 295 عضوا، والغرفة الثانية/مجلس المستشارين من 120 عضوا. وهو ما يؤدي إلى استمتاع كل واحد من ال"515″ برلمانيا، بمعاش قدره 5000 درهم عند نهاية ولايته التشريعية، حتى وإن كان عمره لا يتجاوز 21 سنة. وقد يبلغ حد 15 ألف درهم إن تعددت ولاياته التشريعية. وبالإضافة إلى التعويضات السمينة، يستفيد الوزراء كذلك بما يعتبر تكملة معاش في حدود 39 ألف درهم، وليس "جوج فرنك" كما صرحت بذلك وزيرة شيو إسلامية في برنامج تلفزيوني أمام الملايين، علما أن الظهير المتعلق بمعاشات الوزراء الصادر عام 1975، غير منشور بالجريدة الرسمية. مما يفقده قانونيته، ويؤكد على أن معاشات البرلمانيين الذين انتدبهم الشعب لخدمة الصالح العام خلال فترة زمنية محدودة، ليست سوى ريعا سياسيا، يستوجب قرارا سياسيا جريئا لإلغائه، لاسيما أن من شأن مثل هذه "المعاشات" خلق آلاف مناصب شغل لفائدة المعطلين حملة الشهادات العليا. نعم يحق لمن شاء التغني بمغرب الاستثناء، فعلى مستوى التراجع الفظيع لتعليمنا وتدني مستوى تلاميذنا، خصصت الدولة ميزانيات ضخمة من أجل عمليات الإصلاح المتواترة بلا جدوى. وتكفي الإشارة إلى أن المخطط الاستعجالي (2009/2012)، الذي جاء لإسعاف منظومتنا التعليمية، استنزف وحده حوالي 33 مليار درهم دون بلوغ الأهداف المرجوة، لما رافقه من اختلالات مالية كبيرة في غياب الحكامة الجيدة والمراقبة الصارمة وربط المسؤولية بالمحاسبة، ولنا في قضية "العتاد الديداكتيكي" التي هزت الرأي العام الوطني، خير مثال على حجم التسيب والتلاعب بالصفقات العمومية… وبخصوص ما يعرفه قطاع الصحة من مشاكل عويصة، فإن الوزير الحسين الوردي الذي لم يفتأ يوزع الوعود يمينا وشمالا بعزمه الأكيد على النهوض بالقطاع، أقر قبيل نهاية ولايته الأولى بفشل نظام المساعدة الطبية "راميد"، مبررا ذلك بوجود عدة إكراهات أوجزها في ضعف التمويل والبنيات التحتية وقلة الأطر الطبية والتقنية وغياب الحكامة… ويبدو أن من بين أشكال الاستثناء في هذا المجال، أنه في الوقت الذي يشكو آلاف الفقراء من عدم قدرتهم على شراء الدواء، نجد مندوبيات جهوية للصحة تتلف الأطنان من مخزونات الأدوية منتهية الصلاحية، التي كانت الوزارة اقتنتها قبل سنوات بملايين الدراهم. أهو استثناء أم استغباء اعتبار الاحتجاج ضد تدهور الأوضاع فتنة واتهام نشطاء الريف بالعمالة، وقضاء رئيس حكومة ولايته في المشاحنات والمناكفات السياسية والقرارات اللاشعبية، الذي رغم صلاحياته الدستورية الواسعة، ما انفك يبرر إخفاقاته بوجود كائنات هلامية تعيق مساره "الإصلاحي"، أو كونه مجرد عون للملك. فضلا عن تصريحه الشهير بأن الاقتطاع من أجور المضربين مذكور في القرآن الكريم "الشمس رفعها ووضع الميزان". وزعمه وجود دولتين بالمغرب: "واحدة يحكمها الملك، وأخرى تضع القرارات والتعيينات لا يعلم من يحكمها"، ثم يأتي خلفه من ذات الحزب الإسلامي ليقول: بأن قلبه ينفطر كلما رأى شابا يبحث عن عمل دون أن يجده، وكأنه غير معني بإيجاد حلول لمعضلة البطالة؟ ثم هل هدر ما يزيد عن نصف سنة من الزمن السياسي، في تشكيل حكومة من ائتلاف ستة أحزاب لا يجمع بينها سوى حب المناصب والمكاسب، يشكل هو الآخر استثناء مغربيا؟ إننا نصر على ضرورة احترام ذكاء المغاربة، ونريد فعلا أن يشكل المغرب استثناء حقيقيا وإيجابيا، عبر إحداث نهضة اقتصادية واجتماعية تنموية شاملة، وأن يسهر المسؤولون على التوزيع العادل للثروة الوطنية بين أبناء الشعب… اسماعيل الحلوتي