تم الاحتفال بتنصيب الرئيس أوباما، الرابع والأربعون، للولايات المتحدةالأمريكية، لفترة رئاسية ثانية، وأخيرة. ومن أبرز ماميّز مراسيم التنصيب: أولا: المرأة القاضية من أصول أمريكا اللاتينية، ونائب الرئيس من أصول أوربية غربية، وأوباما الرئيس من أوصول إفريقية. فكان هذا التنوع، هو رمز القوة والمنعة، فقد التقى الثلاثة في أعلى الهرم، ولم تمنعهم أصولهم من الوصول، لأن أعمالهم سبقت نسبهم وأصولهم استمع الكل للقاضية، وهي تلقن نائب الرئيس القََسََم، وهو يردّد وراءها مالقنته إياه من كلمات، طائعا وكله فرح وسرور، ليتجه إليها في الأخير بالتحية، ويقوم الرئيس أوباما، ليبادرها بالتحية والشكر، ولم يقل أحد، لعن الله قوما، وَلَّوا شؤون التنصيب امرأة. ثانيا: في اللحظة التي تمّ فيها، تنصيب الرئيس الملون، تمّ فيها تنصيب نائب الرئيس الأبيض، فالألوان في الدول العظمى، يخلف بعضها بعضا، ويعضد بعضها بعضا. خلال هذا الأسبوع، حدّثني أحد الأئمة من الجزائر العاصمة، أن بعض الأئمة في بعض المناطق "الشريفة"، مازالوا لحد الساعة، يرفضون الصلاة وراء إمام أسود اللون، ويفضلون الصلاة فُرادى على الصلاة الجماعية، وراء إمام أسود. ثالثا: حينما يتابع المرء، مراسيم التنصيب، يدرك جيدا، أسباب تفوّق الغرب في الحساب والرياضيات، لأن الطفل يُلقّنُ منذ الصغر، أن الأول له أخير، وأن الأولى لها ثانية، وقد تكون الأولى هي الأخيرة، فالعهدة الرئاسية محدّدة سلفا، بالأولى أو الثانية أو الأخيرة. وبما أن الطفل، في الدول العظمى، يعرف رقم رئيسه الحالي، وهو 44 الذي يحمله أوباما مثلا، لامحالة سيعرف رقم رئيسه القادم على امتدا 100 قرن، لأنه سيقوم بتقسيم السنوات على مدة الحكم المعروفة المحدّدة، وسيصل بدقة متناهية إلى رقم الرئيس، ونائبه في تلك القرون. بينما الطفل، الذي ينمو في المجتمعات المتخلفة، لن يتلعم دقّة الحساب، لأنه لقّن رقما واحدا، هو الأول والآخر، والأول عنده لاثاني له، ويبقى إلى الأبد، لايعرف معنى الأخير. رابعا: تم تنصيب نائب الرئيس وأداء القسم، قبل الرئيس، وفي حضور الرؤساء السابقين للولايات المتحدةالأمريكية. فالنيابة في المجتمعات العظمى، يُحتفل بها، وتُقدّمُ على غيرها. فالأصل في الإنسان، أنه خليفة في الأرض، والاحتفال يكون بالأصل أولا، والنيابة المعلومة المدّة، المحدّدة العهدة، هي الأصل الذي يجب أن يُتّبع، ويُحتفل به. خامسا: بينما مراسيم تنصيب النائب والرئيس، تتم بسلاسة وروعة، وفي جو كله حضارة وتقدم، إذ بشريط الأخبار، ينقل جديد العالم الآخر: "مقتل 29 مسلحا في الجزائر"، "انتحاريين يفجران أنفسهما في أفغانستان"، "غارات جوية على الأحياء السورية"، تفجير في العراق، وقتل في مصر سادسا: أدى أوباما القَسَم على نفس الإنجيل الذي كان يحمله، مارتن لوثر. وفعلا قرن القول بالفعل، حينما قال في كلمته البليغة المرتجلة.. جيلنا مطالب، أن يواصل مابدأه الرواد السابقون. فالصعود للأغصان، ونيل الثمار، والاستقرار في القمة، يكون دوما بالامتداد نحو الجذور، ومن كان له ماضي يعود إليه، سعى إليه الحاضر، وأتاه المستقبل حَبْوَا. منذ 10 أيام، حدّثني أحد الأئمة من الشلف، أن إبن الجار، الذي كان يحفظ القرآن، طُرد من المسجد، ومُنع من حفظ القرآن، لأنه كان يحمل معه، جزء عمّ، برواية سيدنا ورش. سابعا: لايمكن ختام هذه الورقة، دون الوقوف على ماجاء في خطبة البلاغة المرتجلة، التي ألقاها أوباما، في تنصيبه الأخير: كل الناس سواسية، لهم نفس الحقوق من الخالق. الحرية هبة من الخالق، والشعب هو الذي يكرّسها. نحن جميعا خلقنا سواسية. لا أحد بمفرده يستطيع ضمان المستقبل. الطفل حر في نظر الله، ونكون أقوياء، حينما يكون حر في نظر المجتمع. لايمكن أن نسمي السبّ نقاش. القَسَم الذي أديتهُ، هو قََسَم دولة، وليس قَسَم حزب. السلام الدائم لايحتاج للحرب الدائمة. نحن أقوياء، لأننا نملك الشباب، والحماس، والتنوّع. ليبارك الله فيكم.