إلى أين يسير العرب كمعنى حضاري، فكري وثقافي ؟!.. سؤال هائل لا نطرحه هنا بغاية ممارسة ترف فكري عابر.. ذلك، أن واقع الحال في بلداننا العربية، يستنهض الكثير من أسئلة الإستفسار التي كثيرا ما تطرح بصيغة استنكارية. أي أنها تطرح بصيغة السؤال الذي يكون في الآن ذاته جوابا. ولعل ما يجب الإنتباه إليه اليوم، هو التساؤل بجد: هل العرب جسد واحد؟.. أم هل العرب، قوميات تحكمها مصالح، وقد كيفتها مناهج تربية وسلوك على مدى الخمسين سنة الماضية، مما يجعل الحديث عن شعار «بلاد العرب أوطاني» مجرد شعار للذكرى. أي أن السياسات المحلية لكل نظام سياسي، قد نحتت «هوية خاصة» على المقاس. إن ما يثير، في عالمنا العربي اليوم، هو مدى الأثر السالب الذي يخلفه غياب مشروع فكري وثقافي وحضاري، يؤطر الأجيال الجديدة، ويمنحها فرصة التماهي مع حلم يهب معنى للوجود. وهو الغياب الذي يضاعف من أسباب الإلتباس والضبابية فيه، عند هذه الأجيال، كون إنتاج المعرفة قد أصبح اليوم على المستوى الكوني، تؤثر فيه القوى المالكة لأسباب الإنتاج التكنولوجي للثقافة والفكر، والمحددة لأشكال السلوك وللقيم. وعربيا، تمة عطب هائل في تعريب الزمن التكنلوجي لإنتاج المعارف، مما يجعل بوصلة التوجيه عندنا قديمة، معطوبة ومتهالكة. لقد عاشت الأجيال العربية، منذ ما يوصف ب «عصر النهضة»، ثلاث لحظات مشاريع فكرية كبرى، أطرت الناس ووجهتهم وحملتهم على تمثلها والدفاع عنها، ومحاولة صنع غد آخر إيمانا بما تقدمه من وعد وحلم. كانت البداية، بمشروع النهضة الذي تمثل الفكر الأروبي في عناصر حداثته. ثم تلاها مشروع جيل حركات التحرير من الإستعمار، الذي تأسس على مناهضة الإستغلال للأرض وللإنسان العربي، الذي أفضى إلى ميلاد الفكر القومي بأقطابه الكبار. ثم جاء المشروع الثالث لجيل الستينات والسبعينات، الذي تبنى حلم دولة المؤسسات والديمقراطية والعدالة الإجتماعية، والتوزيع العادل للثروات. اليوم، تمة بياض هائل، سببه غياب مشروع فكري وحضاري ينتج معرفة جديدة بالواقع، ويحمل الناس على تلمس الطريق الجماعية للتقدم، وخلق معنى للوجود. أي أن السؤال اليوم عربيا، كامن في حسن إدراك الخصوصيات المحلية، لبلورة مشروع التعايش والتكامل بما يخدم مصلحة الفرد العربي. يكفي حسن قراءة ما يحدث بالمجتمعات الخليجية، وما يمور بضفاف وادي النيل، ثم واقع بلاد الرافدين، ومسعى التحديث السياسي في بلاد الشام، وتفاعلات بلدان المغرب العربي، كي نخلص إلى أن ملامح القادم هي ضبابية، بسبب تراجع المثقف عن الإنخراط في مسارب إنتاج المعارف.. بل لعل الأخطر اليوم أن تلك المعارف اليوم تنتج خارج المدرسة والجامعة، وأنها تصنع عبر الأنترنيت والفضائيات والشارع.