نشرت الجريدة الأولى، خلال شهر رمضان الأخير، « خبرا «، بالصورة، يقول شوهد رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية يمارس رياضة الجري، بلباس رياضي في الشارع العمومي، قرب وزارة الشبيبة والرياضة بالرباط، عشرين دقيقة قبل آذان المغرب! وكان بعض الزملاء قد اتصلوا بي آنذاك مستغربين من أهمية نشر مثل هذه « الأخبار « والهدف منها. ومنهم من تساءل هل هناك نية في الإيحاء بشئ، عندما نشرت الجريدة أني كنت أمارس رياضة عشرين دقيقة قبل الآذان ! علما بأن الكثير من الناس يقومون بذلك. وهذا يعرفه من يقومون بممارسة الرياضة باستمرار، بينما يجهله من لا يمارسها أو من هو عاجز عن ممارستها. قد يتساءل القارئ لماذا أثير اليوم هذا الموضوع ؟ أثيره الآن لأناقش مسألة، ربما قد يطرحها كل مواطن، حول دور الصحافة ورسالتها، وعلاقتها بالحياة الخصوصية للناس. فهل يحق للصحافي أن يتحول إلى مخبر يتلصص وينشر الحياة الخاصة للناس، ويبحث في بيوتهم وأسرهم وصحتهم وعلاقاتهم الشخصية وأنشطتهم الحياتية اليومية، التي لا تهم الشأن العام ؟ لقد فتح هذا النقاش منذ سنوات طويلة في عالم الصحافة، وتناولت موضوعه مواثيق أخلاقيات المهنة. وعلى سبيل المثال يؤكد الاتحاد الوطني للصحافيين في بريطانيا، في ميثاقه الأخلاقي « لا يقوم الصحافي بالتطفل على الحياة الخاصة لأي شخص أو آلامه أو مآسيه، ما لم تبرر هذا التصرف اعتبارات المصلحة العامة». ولنا في بعض الأحكام الصادرة عن مجالس أخلاقيات الصحافة في البلدان الديمقراطية، أمثلة على مثل هذه القضايا. فقد رفع أحد آباء إحدى السيدات اللواتي كن ضحية التسونامي في أندونيسيا، شكاية إلى مجلس أخلاقيات الصحافة الألماني، محتجا على نشر اسمها وصورتها من طرف إحدى جرائد التابلويد، رغم أن الصورة كانت في الانترنيت. وقد أنصف المجلس أب هذه المرأة، مؤكدا أن أهمية نشر هذه المعلومات على العموم، ليست له الأولوية أمام حق الخصوصية بالنسبة للأسرة. كما أن نشر الاسم والصورة في الانترنيت لا يبرر نقلها في الجريدة. ولنا في أحكام مثل هذه المجالس عشرات الأمثلة على أولوية احترام خصوصيات الناس. بل إن هناك منظمة عالمية أصبحت متخصصة في هذا الموضوع ولها موقعها الالكتروني، الذي يدافع عن هذا المبدأ. ومما يؤكد أهمية هذه القضية في الظرف العالمي الراهن أن مشروع ميثاق الأخلاقيات الفرنسي، الذي يناقش حاليا، والذي تم تحضيره من طرف كبار الصحافيين الفرنسيين، يلح كثيرا على هذا المبدأ. ينص الفصلان 3 - 2 من هذا المشروع على: «على الصحافي أن يحترم الحياة الخاصة للأشخاص ولا ينشر في هذا المجال إلا الأخبار التي تساعد على فهم بعض الأحداث أو الحياة العامة ». أما ميثاق الهيأة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير، فيقول في البند السابع «يحترم الصحفي حق الإنسان في الكرامة والحياة الخاصة. ويتجنب البحث غير الضروري في الشؤون الخاصة للأشخاص. كما يجب تفادي القذف والتجريح أو استعمال ألفاظ، رسوم، كاريكاتور أوصفات تضر بالأشخاص معنويا أو ماديا. ولا يمكن تبرير نشر أخبار أو معلومات تمس الحياة الخاصة لشخص ما إلا إذا كانت ذات صلة بمصلحة عامة». ومن المعلوم أن هذه الهيأة تتشكل من النقابة الوطنية للصحافة المغربية وفيدرالية الناشرين ومنظمات حقوقية وثقافية. وخلاصة هذه الأمثلة هي أن كل مواثيق أخلاقيات المهنة تمنع الصحافي من أن يكون متطفلا أو متلصصا على الحياة الخاصة للناس، كيفما كان شأنهم. ولعل من أخطر الخصوصيات التي يعمل الناس على الاحتفاظ بأسرارها هي الملفات الطبية، بل إنه يمنع على الأطباء والصيادلة وأصحاب المختبرات والممرضين وكل العاملين في المجال الصحي، انتهاك حرمة هذه الملفات ! فما بالك إذا حاول الصحافي النبش فيها ونشرها على العموم ! وقد أثارت القضايا التي ارتبطت بما نشر حول صحة الملك في المغرب جدلا كبيرا، حول مدى شرعية انتهاك حرمة ملفه الطبي، ونشر أخبار قد تكون صحيحة أو كاذبة ! وحسب رأيي المتواضع في هذا الجدل، فإنه لا يمكن تبرير نشر معطيات حول هذا الملف، حتى ولو كانت صحيحة ومن مصادر موثوقة، لأن هذا يدخل في صميم خصوصية الإنسان ! هل لأنه شخصية عمومية، وهذا ما يبرر نشر هذه المعطيات ؟ حتى للشخصية العمومية الحق في الحميمية. وربما الحالة الوحيدة التي تبرر انتهاك حرمة الملف الطبي، هي عندما ينعكس المرض بوضوح على أداء الشخصية العمومية في المجالات العامة، كما حصل مثلا في حالة الرئيس التونسي السابق، الحبيب بورقيبة ! أما أن تمرض الشخصية العمومية، ككل الناس، وتعالج ككل الناس، وتمارس حياتها ككل الناس، فالتطفل على حياتها وخصوصياتها الصحية، لا مبرر له ويدخل في مجال الصحافة اللاأخلاقية !