إن الوضع الذي يحكم الاتحاد اليوم يجعل مصير الحزب محط مساءلة، كل التمظهرات التي تتربص واقعنا المعيش تبرهن على خطورة الأمر وتجعل من التشاؤم السمة الوحيدة للمستقبل، لن يكون مستقبل الحزب مستقلا عن واقع السياسة في المغرب، بل سيظل مرتبطا بالتحولات السياسية وسيتأثر سلبيا إن لم يتم التفكير منذ الآن في كل التصورات القابلة للحدوث، لن تكون هذه التصورات يقينا بطبيعة الحال، إلا أن وجود بعض المؤشرات قد يدلنا شيئا ما إلى استخلاص بعض السيناريوهات المحتملة. من خلال الظواهر الاجتماعية والسياسية التي تعم الحياة بشكل عام، من عزوف سياسي واستفحال للأزمة والفقر و تفشي الفساد وظهور بعض الحركات الاحتجاجية الجديدة والمنددة إلى الولادة القيصرية لأحزاب العهد الجديد وتأخر ديمقراطي وتعدد الانكسارات في شتى الميادين، قد نجد تصورين لمغرب الغد وسيناريوهين لحزب الاتحاد إن ركد في وضعه الحالي واستمر على نهجه الغريب، وهذان السيناريوهان هما: السيناريو الأول: لقد أصبحت الانتخابات في المغرب تطبعها نزعة الذاتية والمصالح والخدمات المباشرة، في ظل هذا الواقع أصبحت الأحزاب تبحث بكل الأشكال عن ربح المقاعد الإضافية التي ستكلل لها النجاح والفوز بالمراتب الأولى مقارنة مع منافسيها، من خلال هذا الوضع سيتم البحث عن المرشح الأكثر حظوة في الفوز والنجاح بالمقعد، من هنا ستفتح الأبواب أمام أصحاب الجاه والنفوذ القبلي المادي أو المخزني وستلعب الأحزاب دور دكاكين سياسية لمنح التزكيات، ولكم في ذلك خير دليل على ظاهرة الترحال السياسي الذي عجز المشرع على إيقافها، هكذا سيصبح للأعيان والبارونات دور في جلب الأصوات وستفتخر الأحزاب بقوتها المزعومة الوهمية مع العلم أن هؤلاء الأعيان لا تربطهم لا ثقافة و لا أيديولوجية سياسية بتلك الأحزاب، هدفهم الوحيد هو ولوج السلطة السياسية من أجل حماية أغراضهم ومشاريعهم الخاصة. الدولة ستشجع هذا الاستقطاب الفلكلوري لأنها ستتمكن من مراقبة هؤلاء البارونات عن قرب وسيجعلها أكثر سيطرة على مواقف الأحزاب، هكذا سيتم التحكم في الأحزاب من خلال الأعيان، لأنها صنعت بديلا سياسيا لها من خلال الوافد الجديد، وفي حالة عدم انضباط هذه الأحزاب لتوجهاتها ستمتص أعيانها بجرة قلم مما سيضعفها ويجعلها تظهر على مظهرها الحقيقي أمام الملأ، هذا السيناريو سيجعل جميع الأحزاب متشابهة ولا فرق بينها إلا الإسم والرمز الانتخابي، هذا الوضع سيجعل الاتحاد في وضع شائك لا يحسد عليه حيث أن المناصب أصبحت مهمة بشكل كبير وسيفقده ميزته وخصوصيته، في هذا الوضع الكل سيصبح متشابها اليمين يسار واليسار يمين، لا تفرقة بين ذلك وهذا، ستنزع القدسية الثقافية والمرجعية بسلاسة والدليل على هذا هو بداية الحرب غير المعلنة على رموز وشهداء الحركة الاتحادية، مما سيجعل الحزب مثل باقي الأحزاب الأخرى لا وجود لحزب كبير كل الأحزاب صغيرة باستثناء حزب المخزن الذي سيصنع اللعبة السياسية في الخفاء وسيقرر من داخل الأحزاب نفسها، إنها مسرحية الكراكيز، سيضيء قوس قزح الحياة السياسية، وسيعيش المغاربة والمغرب عصر اللوبيات ومافيات الإقطاع السياسي، الكل متواطئ وصامت إنها السياسة على الشاكلة الكولمبية. السيناريو الثاني: لا جدال في أن غالبية المغاربة لا يصوتون ولا يهتمون بالسياسة، البعض عن وعي والبعض الآخر بدون وعي، هذه الغالبية الصامتة تعيش معنا تعاني من التناقضات المجتمعية والثقافية الموجودة في واقعنا، لا تثق بالساسة والسياسة هذا لا يعني أن مطالبها هامشية وفارغة إلا أنها لا تسعى إلى الذوبان داخل الدولبة السياسية لأنها لا تعتبرها ولا تمثلها بجميع أطيافها دولة وأحزابا، هذه الغالبية الصامتة لن تستمر في صمتها، بل سوف تبحث عن التعبير على مطالبها بشكل آخر خارج التمثيلات السياسية وخارج نطاق القانون المشرع من طرف الأقلية، هذه الفئة ستجد طرقا أخرى للتعبير والصراع وستلجأ للتطرف بشكليه الظلامي أو الإباحي باحثة عن الوضوح المطلق في زمن الضبابية، الدليل على ذلك هو هذا الظهور المباغت لمجموعة من الحركات الجديدة من خلايا إرهابية وحركات احتجاجية منددة بالغلاء المعيشي (صفرو، سيدي إفني)، مرورا بحركات الشواذ (كيف كيف) إلى المدافعين عن الحريات الفردية (مالي) إلخ... إذا المجتمع سوف يصنع لنفسه طرقا أخرى للمجاهرة بمطالبه وانتظاراته بعيدا عن التمثيلات السياسية الراهنة صانعا لنفسه بديلا آخر في أشكال التمثيل السياسي والاجتماعي، هذا ما سيثير المواجهة بين الأقلية الحاكمة والغالبية الصامتة مما سيؤدي إلى الاصطدام وسيؤجج الفتنة بين مكونات المجتمع، في هذا السياق سيصبح الاتحاد على هامش التاريخ لأنه لن يمثل إلا أقلية الأقلية مما سيضعه خارج المعادلة السياسية. إن هذه الأغلبية الصامتة لن تبحث عن من يؤطرها لأن الفئة التي تقاطع عن وعي ستؤطر الفئة الأخرى التي هي بدون وعي. الاتحاد سيصنف مع الأوليغارشية الحاكمة وسيكون مصيره التهميش في الحركة التاريخية الجديدة. على ضوء ما سبق، يبقى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قاب قوسين أو أدنى بعيدا عن الحراك السياسي الذي يعرفه المجتمع، تقديرنا السياسي هذا يلزمنا بمواجهة هذه الأزمة السياسية وذلك بطرح السؤال التالي: ما العمل؟