أصدرت وزارة الصحة حتى الآن بلاغين يتيمين، حول الكيفية التي سيتم بها توزيع التلقيح الخاص بأنفلوانزا « أ. إتش. 1 إن. 1 »، دون تحديد تاريخ بداية ذلك، ولا مصادر استيراد اللقاح، ولا الكمية المقرر استيرادها، أو المراحل التي سيتم من خلالها ذلك الإستيراد. في البلاغين المذكورين، كان تمة حديث عن أن التلقيح سيشمل الطواقم الطبية أولا، ثم الحجاج، ثم السجناء، ثم بعض الحالات الخاصة ( الأطفال أقل من سنتين والمسنون أو المرضى ذوي الأمراض المزمنة ). لكن، المقلق هو هذا التسارع في تسجيل الإصابات مغربيا، الذي ينذر - لا قدر الله - بأننا على عتبة الوباء، لأن الخطر كل الخطر، في وصول الأثر إلى الأحياء الشعبية في كبريات المدن المغربية، حيث ظروف السكن مساعدة بقوة لإنتشار الوباء، ( الإكتظاظ في السكن - شكل البناء العشوائي - ضعف التغدية - شروط النظافة... إلخ ). كل الدول العربية، بدون استثناء، حتى الآن أعلنت رسميا خطتها لمواجهة الإنفلوانزا، سواء على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد، وكلها بلغة الأرقام. بينما نحن مغربيا، لاشئ واضح ومدقق. فلا أحد يعرف كم من لقاح سنستورد، وهل فعلا وصل اللقاح أم لا، ومن يشرف على توزيعه. لأن غياب هذه الشفافية في التواصل، هي التي تفتح الباب لشائعات تضاعف من ردود الفعل السلبية لدى الناس، مما يجعل المستشفيات، التي مفروض أنها فضاء للعلاج والتفرغ له، تتحول إلى مجال للمواجهة اللفظية والفوضى بشكل يكاد يكون يوميا، لأن الآباء قلقون ( وهذا من حقهم ) وليس أمامهم ملامح خطة للتطمين والإشراك الجماعي لمواجهة الداء. بل إن هناك أخبار تفيد أن اللقاح وصل إلى المغرب، وأنه لم يشرع بعد في توزيعه، والحال أن مسألة الوقت حاسمة في مواجهة الكارثة. مثلما أن مجال التعليم يعتبر أولوية في مجال التلقيح، لأن مجال الإصابات الواسع هو في القطاع التعليمي، بسبب كثافة الإحتكاك، وعدم وعي الأطفال بمخاطر العدوى وسبل انتقالها. بالتالي، من حق المغاربة أن يتم تنويرهم، وإشراكهم في السبل الجماعية للتجنيد لمواجهة الخطر. غياب الوضوح، يجد له أثرا واضحا في وسائل الإعلام العمومية ( التلفزة بالخصوص )، حيث لا برامج حوارية، ولا روبورتاجات توضيحية، ولا مادة خبرية تفصيلية تشرك المواطنين في بلورة أشكال المواجهة. بل هو الغياب المطلق، كما لو أن ما يقع في مدارس الدارالبيضاء وفاس والرباط وباقي المدن المغربية، يقع في دولة أخرى. وفي مكان ما فالزملاء في الإعلام العمومي، لا يتحملون وحدهم المسؤولية الكاملة في ذلك، بل إن السبب راجع إلى غياب موجه ناظم، متحكم في العملية كلها، وإلى تحديد مخاطب مؤهل لتنوير الصحفيين ومدهم بالمعلومات، إلى الحد الذي يجعل الواحد منا يتساءل بصدق: هل هناك خطة وطنية ملموسة لمواجهة الكارثة؟!.. ثم ما هي الأولوية في هذه المواجهة؟! هل الأمن الصحي العام، أم السلامة الخاصة لفئات مجتمعية دون أخرى؟!.. هل الأولوية هي توفير الكميات الوافرة من دواء « تامفللو » بمختلف درجاته، أم التسريع بتعميم اللقاح والسعي الحثيث لاستيراده من مصادر متعددة بالخارج لمقاومة الوباء من الأصل؟!.. ولو أخدنا فرنسا كمثال، فقد شرع منذ أسبوعين في تعميم اللقاح على كل ساكنة فرنسا بدون استثناء، وشرع في تنفيذ آلية تواصل محلية ووطنية لحمل الناس على التلقيح. نفس الأمر نجده في أمريكا وكندا، والصين، وكذا عدد من دول الخليج العربي، التي لها الإمكانيات المالية الكافية للحصول على اللقاح. ثم ما هي الميزانية المرصودة للحصول على اللقاح، وهل هي استثنائية أم أنها ميزانية عادية؟!.. المغاربة، ينتظرون من ينورهم في مواجهة الجائحة، والظاهر أن وزارة الصحة مركزيا، لا تدرك أهمية التواصل لإشراك الناس في سبل الحل. لأن دور الوزارة ليس هو إحصاء عدد الإصابات وتعميمها في جمل قصيرة على الصحافة، والتأشير على أن لا وفيات في المغرب ( مثل من ينتظر أن تحدث ليخبرنا بها، والحال أن المطلوب من المؤسسة الصحية الوطنية هو حماية الحياة وليس تعداد الحالات!! ). علما، أن التخوف دوليا الآن، هو في خطر إمكانية تحول الفيروس مع مطلع شهر نونبر القادم، حينها ليتولى الله عباده في بلادنا برحمته.