فعلا، إنها ظاهرة! ولعلها الأولى في تاريخ المنتخبات الوطنية المغربية!! ظاهرة يمكن أن تلبس كل أشكال الاختلال أخلاقيا وإنسانياً ورياضياً وفكرياً وأيضاً ثقافيا، باعتبار الرياضة تجميعاً لكل هذه المسميات الآدمية، والتي أخذت من أفكار كرادلة المجمع المسكوني الكروي الدولي »الأنترناشيونال بورد« وعباقرة المسار الأولمبي الدولي منذ أن سن قوانين ميلاده الأب الرائد دوكوبرتان مروراً بمؤسسة اليونسكو إلخ... هي الغابة المحروقة، والتي تم تخريب كل بنياتها الطبيعية، فلا داعي إذن إلى تجريم الأغصان المترامية والمتفحمة، وتحميلها مسؤولية تخريب المشهد العام، لأنها مجرد أغصان من تلك الأشجار الباسقة المحروقة جذوراً وجذوعاً وشمارخ. وكأية غابة لا تخلو من كواسر مفترسة، فإن لغابتنا نحن كذلك كواسرها التي لا تفكر إن فكرت إلا بمنطقها هي، منطق النهب والمنفعة الذاتية ومنطق... »بعدي الطوفان!!«. شاهدنا سلوكات لاعبي المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، وقرأنا وسمعنا عنها الكثير في هذه السنة سنة التأهيلات للكأسين القارية والدولية لكرة القدم، ورأينا رأي العين وعلى البساط الأخضر، ذلك التناقض في الخطاب وتلك البشاعة في الأداء وتلك الفوضى في ترتيب الدار والبيت والمقعد بصفة عامة، ذلك المشهد المختل، مشهد النخبة الوطنية الذي كان المفروض فيه ومنه أن ينضح بالجلال والنبل والسخاء، لأنه مشهد مركب من قدسيات وطن كبير اسمه المملكة المغربية. هل تَأَتَّى الوقت الكافي لقراءة ما جرى قراءة موضوعية تستبطن الأسباب الجوهرية للعل وليس لظواهرها؟ لا أظن ذلك، لأن الأجندات متزاحمة وتخضع لأولويات ظرفية مازالت تكرس الجزء الكبير منها لمعرفة ما جرى قبل الانهيار ولا إخالها بالغة مقاصدها في ظل الغوغا؟ء المحدقة بها اليوم. وللذين يرومون معرفة الحقائق أن يبتعدوا عن الصور الماثلة أمامهم وأن يلتفتوا إلى ما وراء الصورة، وذلك عن طريق التساؤلات الواضحة، تساؤلات الاستكشاف النزيه حول العديد من المحطات التدبيرية للسنوات العشرين الماضية كأقصر مسافة زمنية لمعرفة المناهج الرياضية والتربوية والسلوكية التي كانت تسيج تواجد عناصر المنتخبات الوطنية في تجمعاتهم عبر مختلف الأعمار وعبر مسار المحطات التأهيلية للمنافسات القارية والدولية والعربية، وأيضاً لكشف الغطاء عن أساليب الاستقطاب الخاصة بالمحترفين وتصاعد الطلب المنصب عليهم مقابل عدم الاهتمام بالعناصر المتطاحنة في البطولات الوطنية. وفي غمرة الاستفراد ب »المحترفين« كدعامة وأداة »وازنة« للتنافس الأعلى، طرأ عنصران أساسيان مسؤولان عن إحراق الغابة، أولهما وتيرة السمسرة المعلنة في استقطاب العضلات المهاجرة، والتي ظهر جليا أنها لا تملك القدرة على الولاء الكامل لمتطلبات القميص الوطني، حفاظاً على قدراتها وسلامتها تحسباً وانصياعاً للأيادي الخفية الاحترافية التي تحركها من وراء الحدود... وثانيهما ذلك التغاضي الصارخ عن تباعد وتناقض الثقافات المتولدة عن الهجرة المبكرة والاندماج الاجتماعي والمعيشي في سلوكات مغايرة جملة وتفصيلا لحقيقة الوطن. ومن ثم، فإن بناء نخبة وطنية على هذه الخلفية الممزقة كل ممزق، لا يمكنه أن يكون سليماً البتة. وإذا ما توفرت هذه القراءة وحصلت القناعة بوجاهتها، إذ ذاك نطرح السؤال الكبير: كيف نرى المنتخبات الوطنية المنافسة والمنافحة والمقاتلة باسم الوطن؟ لا يتعلق الأمر ها هنا بتربية مجموعات كاميكاز انتحارية، ولكن ببناء تجمعات أخوية في حب الوطن وفي الوعي بقيمه التاريخية والحاضرة وآماله المستقبلية، آمال شعبه ونموه وازدهاره وروحانيته. هذا المسلك هو الذي غاب طيلة العقدين الماضيين، حيث انعدمت الأجهزة المخولة والواعية بهذه المأموريات وفي طليعتها التربية الأولمبية، والدور الوظيفي للشبيبة والرياضة والمجهود التربوي الوازن لقطاع التربية الوطنية، وأخيراً الادارة التقنية الوطنية التي لا يمكنها أن تشتغل في غياب التنسيق بين هذه القطاعات جميعها ذات الوظائف المتكاملة والمشتركة. وعلينا أن ندرك أن العنصر التقني المتوفر لدى اللاعب المدعو للمنتخب الوطني لا يشكل إلا بعضاً من كل في تركيبته الذهنية والسلوكية التي تعكس مدى تدرجه في تلك المراحل التنسيقية المذكورة. الآن والغابة محروقة لا يُسمح لنا بالتباكي والنحيب، بل يتوجب النظر في النهج السليم لبناء منتخبات وطنية حقيقية... وهو ما لا يتأتى إلا بتوفير المكونين والمربين والمؤنسين الذين يتكلمون لغة واحدة قوامها الأخلاق والروح الوطنية في أداء مهامهم التاريخية على طول الهرم العمري أي من القاعدة إلى القمة، في إطار منظومة رياضية تربوية هادفة وليست مستهدفة من طرف الغرابيب التي لا تعيش إلا في الغابات المحروقة، وعندما تتوفر هذه المواد العقلانية، نبحث لتفعيلها، عن المال والتجهيزات، وعلينا، والحالة هذه، أن نعرف ما نريد وأن نحدد النهج السليم للوصول إليه.