من منا يستطيع الإجابة عن سؤال : من أوصل بلدنا الأمين إلى ما هو عليه من تقلبات اجتماعية مزرية وأزمات خانقة: شباب يركب قوارب الموت أو«الماحيا» و«القرقوبي»؟ شوارع تموج بالمحتجين على غلاء المعيشة؟ معطلون يصيحون طلبا للشغل تحت هراوات أصحاب الحال؟ عمال ومياومون ينقبون تحت الشمس والأرض عن كسرة رغيف؟ ذوو الدخل المحدود يغرقون في مؤسسات القروض؟ وهنا وهناك زوايا مغطاة بأطفال الشوارع والمتاجرات في أجسادهن والخادمات المعذبات والقاصرات المغتصبات والمتسولين والمشردين؟ وسجون ملأى بالعاجزين عن التمسك بتعاليم الأخلاق والقدر؟.. إنهم ببساطة قسموا مغربنا إلى مغربين، نافع وغير نافع، حتى يسهل عليهم افتراس النافع ببرودة دم، أليس كذلك؟ أسئلة حارقة خرجت من صدور الكثيرين في انتظار من يقنعهم بأجوبة شافية. مقدمة ناصعة السواد أحد المعلقين استقبلنا يوما بسؤاله العميق: إلى متى ستتظاهرون ضد الفقر ولم تفكروا يوما في التظاهر ضد الغنى؟ استفهام يحمل أكثر من دلالة فعلا، ولِم لا وجميعنا نغفل بأن ثراء الكثيرين منا سببه النهب والبذخ والفساد المالي والتبذير وامتصاص خيرات أعالي البحر والبر، وسببه الرواتب المنفوخة والامتيازات العشوائية بالشكل الخيالي المعلوم، ومقابل ذلك يعيش الملايين منا تحت عتبة الفقر المدقع، وليس من المعقول أن يقوم أحد الفقهاء الظلاميين بتبرير الفقر ب «كثرة الذنوب والمعاصي وأنه من علامات قيام الساعة»، كما ليس من حق بعض أعالي قومنا أن يفسروا الآية الكريمة «وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ » وفق مبتغاهم وهواهم حتى يكونوا في مأمن من تقديم الحساب أمام مواطني الدرجة الثانية، سيما في عز تعمق الفوارق الطبقية وصعوبة الأحوال المعيشية وغياب العدالة الاجتماعية المنشودة، وبالمقابل ليس من السهل مناقشة فقرائنا في هذه الأمور طالما أن الفقر في إيمانهم القوي هو قضاء وقدر من الله تعالى، حتى ولو ماتوا جوعا وعانوا الويلات، تقليدا لما تربوا عليه من نصائح تحثهم على القناعة والرضا بالقليل والكفاف والعفاف! لا أحد استطاع الإجابة عن سؤال: هل الإنسان يأكل ليعيش أم يعيش ليأكل؟!، ويكفي الوقوف على الطوابير المصطفة أمام مواقع المساعدات التي تعطى في رمضان مثلا، أو في لحظات قيام هذه الجماعة المحلية أو تلك بتوزيع إعانات إنسانية، وعندما أعلن عن مشروع التبرع ب «مليون محفظة» على شرائح معينة من المجتمع، تعطلت الدراسة في العديد من المدارس بسبب انتظار الكثيرين لهذه «المحفظة» ، مما أجبر الجهات المسؤولة على احتواء المشكل بتوفير المحافظ، بينما لم يحدث أبدا أن وقفنا كما اليوم أمام أفراد من الشباب كتب عليهم القدر أن يكبروا في التيه وهم يعتبرون السجن أو العودة إليه بمثابة رحمة وامتياز، حيث الأكل والفراش والعلاج على حساب الدولة عوض البقاء بين الأزقة المختنقة بالعطالة وغلاء المعيشة، ومن هنا يمكن قياس انعكاسات ظروف العيش وكيف بات فيها قبول الصدقات والمساعدات والحرمان من الحرية يتم بشكل علني دونما أدنى حرج. بوابة ذات بوصلة معطلة في كل مرة يتجه أحدنا إلى أنفكو، إقليمخنيفرة، ويتوقف بتونفيت، يرى بأم عينيه حياة الفقر والعزلة التي يقرأ عنها في الكتب والصحف، حيث أطفال حفاة أو بأحذية رثة وعيون تتطلع لكل قادم من «العالم الآخر»، ونساء يتعجبن كلما حل غريب بمنطقتهن، والبداية من بوابة المنطقة تونفيت التي تستقبل المحققين في وضعيتها بالتحدث عن الحالة السيئة التي تشكو منها الطرق الرابطة بينها وبين بومية مثلا، وعن فقر الواقع الصحي من حيث لا يوجد غير طبيب واحد لما يناهز 20 ألف نسمة، ومنه إلى قطاع التعليم بالإشارة لوضعية مدرسة بآيت احساين وكيف أنها لا تتوفر إلا على معلم واحد لستة مستويات، أما بدواوير أغدو وآيت بوعربي فالجميع يشكو انعدام طريق تربطهم بالعالم الخارجي، وأمام بوادر زحف الثلوج ، يكبر التخوف من إبقاء الجهات المسؤولة على نفس الحصة الهزيلة من الشعير والحطب المدعم، ولم يفت الكثيرين التحدث بمرارة عن 27 أسرة تواجه التشريد والعراء إثر انهيار منازلها بفعل أمطار طوفانية ضربت المنطقة ولم يكلف أي أحد من المسؤولين نفسه عناء التفكير في شأنهم والتخفيف من معاناة المتضررين، وعلى تراب المنطقة، من تونفيت إلى أنفكو، ومن أغدو الى آيت بوعربي، عرفنا كيف يستطيع المرء مواجهة الجوع والضيق بالخبز والآتاي! «معذبون في الأرض» إذا كان الروائي الكبير عبد الرحمن منيف قد اختار لروايته اسم «عالم بلا خرائط» بهدف الإثارة، فالمؤكد أن الكثيرين اكتشفوا هذا العالم بضواحي تونفيت، بإقليمخنيفرة، وخصوصا منها مناطق مثل أنفكو التي لم يكن أي أحد يعرف موقعها، ولا حتى اسمها، إلى حين دلهم الموت عليها، ومن خلال المصيبة وقف الجميع على حجم معاناة هذا «العالم الرابع» مع الفقر والجوع والعزلة والمرض إلى غير ما كان الآهالي يعتقدون أنه ولى مع «عام البون» أو «عام بوهيوف»، كما كان يصفه مغاربة سنوات الأربعينيات، وأمام ارتفاع عدد القتلى هل نجحت السلطات في تدبير أزمات هذه المناطق وهي التي «أساءت» معاملتها بسياسة الإقصاء الاجتماعي واستخفت بحقوقها في الحياة والكرامة والعيش الكريم، والمؤسف أن يعود الفضل إلى دراما «الموت الجماعي» التي عرت سيمفونيات هذه السلطات حول التنمية والتضامن ومحاربة الفقر و دعم العالم القروي، ومن هنا يجدر السؤال كم مسؤولا يستحق المحاكمة جراء ما حدث ؟ وحتى بالرغم من تحول حالة المناطق المتضررة إلى مادة دسمة على صدر الصحف والفضائيات، ولو بوسائل وتعاليق لا يفهمها أهل أنفكو أو لا تصلهم أصلا، فإن لا مسؤول رفيع المستوى بادر وقتها إلى زيارة هذه المناطق في حينه وإعداد مخطط استعجالي لاحتواء الكارثة، أو على الأقل لاكتشاف مناطق منسية بأناسها وكهوفها مثل أية «طبعة منقحة» للعصر الحجري، والمعروف أنه طيلة ساعات السنة والأخبار الرسمية تنقل إلينا اهتمام مسؤولينا بمساعدة المهاجرين السريين الأفارقة، عكس ما تم التعامل به إزاء شبه «لاجئين في وطنهم» الذين قاوموا في سبيل استقلاله قبل أن يأتي مقص إدريس البصري ليعمل على «بلقنة» مناطقهم وفق مقاسات تقطيعاته الانتخابية لغاية التلاعب بخيراتها، ومن حق سكان هذه المناطق الاستنجاد بالملك الذي انتظروا زيارته ولم يتأخر، حيث حل بالمنطقة خلال ماي العام الماضي واطلع على عدة مشاريع تنموية أنجزت من طرف مؤسسة محمد الخامس للتضامن والمتعلقة بالدعم المدرسي والدعم الغذائي والمساعدة الطبية والتنمية المستدامة، وتميزت الزيارة الملكية بمبيت عاهل البلاد تلك في القرية المنكوبة للدلالة على مستوى رعايته. إن الكشف عن وفيات مأساة أنفكو، جعل وسائل الإعلام، المرئية منها والمكتوبة، والسلطات المحلية والإقليمية، تتقاطر على مناطق من «المغرب العميق» مثل تونفيت وأكديم وأنفكو وأنمزي وترجيس وتغدوين وأغدو وماسو وآيت بوعربي وإمتشيمن وماجاورها، هذه التي ظلت إلى وقت قريب شبه عوالم لم تصلها أقدام المكتشفين الجغرافيين بقدر ما تصلها ألوان المرشحين من حملة انتخابية إلى أخرى، رغم حجم معاناة القهر والعزلة والأمية والفقر والعطالة والظروف المعيشية الصعبة التي تتخبط فيها هذه المناطق حتى أنها انتفضت مرارا في اعتصامات ومسيرات احتجاجية، كان قد اختار منظمو بعضها التوجه بها نحو العاصمة الرباط فقوبلت إما بالوعود والتطمين أو بالقمع والهراوة. غنية تموت فقرا للمهتمين بالشأن العام المحلي الحق في المطالبة بمحاكمة عاجلة للمفسدين والمتورطين والمستهترين بالأرواح البريئة التي ذهبت سدى بسبب الفقر والبرد والجوع والمرض، من حيث لا يعقل أن يقع ما وقع في مغرب القرن الواحد والعشرين، وبأغنى جماعات البلاد على خلفية ثرواتها الغابوية التي لا تستفيد منها سوى حفنة من «خلايا النهب» و«مافيا الأرز»، ومعلوم أن المنطقة ظلت تطالب بفك العزلة عنها، وبفتح الطرق إليها، ومنها أساسا الطريق الرابطة ما بين تونفيت وإملشيل، ودعم السكان بالماء الشروب والكهرباء ومجاري الوادي الحار والبنية التحتية والمرافق الاجتماعية الضرورية، والرفع من المستوى المعيشي للأسر، إضافة إلى بناء مستشفى بتونفيت ومستوصفات بالدواوير المكتظة بالسكان، من حيث لا يمكن القبول بأن تظل مناطق نائية دون خدمات طبية واستشفائية، وسكانها إذا أصابهم مرض أو حالة مستعجلة يضطرون إلى استعمال وسائل علاجية تقليدية أو أعشاب أو الدعاء لله من أجل الشفاء، طالما أن التنقل نحو المستوصفات البعيدة يحتاج إلى إمكانيات مادية أو «خارطة طريق» من الصعب قطعها إلا باستعمال الدواب أو القبول بالاكتظاظ على متن الشاحنات بين الحياة والموت مثل الأغنام، وحتى من ينجح في الوصول إلى المستوصف يفشل في العثور على طبيب أو ممرض! وفي سياق آخر ، تأتي آفة الأمية لتشكل جزءا من عناوين المنطقة، ولا غرابة في وقوف الزائرين على حجرات فارغة من تلاميذها وأطرها التربوية بدعوى وعورة التضاريس وصعوبة التنقل، الأمر الذي لن يزيد إلا من توسع رقعة الآفة، علما بأن المنطقة بجميع جماعاتها القروية سجلت أعلى نسب الأمية على الصعيد الإقليمي، وربما الوطني، من حيث الأرقام المخيفة التي تشير إلى بلوغ هذه الآفة بأنمزي مثلا إلى نحو 92,6 بالمائة، تليها 85,4 بالمائةالمسجلة بسيدي يحيى وسعد ثم 83,2 بتيزي نغشو و 79,1 بأكديم، وهذا باعتراف رسمي في حضور كاتب الدولة المكلف بمحاربة الأمية وبالتربية غير النظامية أثناء زيارة له قام بها قبل سنوات قليلة لمدينة خنيفرة. حطب قليل وغابات للناهبين ما يجمع عليه المتتبعون هو التساؤل حول معنى وجود مواطنين فقراء لا يستفيدون من مناطقهم الثرية بمساحاتها وثرواتها الغابوية المدرة على الدولة والسلطات والجماعات ولوبيات «أعالي البر» مداخيل بالملايير، وما يؤكد ذلك هو أن أغلبية أسر المنطقة لا تستطيع توفير حتى حطب التدفئة أو حتى الإمكانيات لشرائه، وكثيرا ما تتم متابعة كل من يتم العثور بحوزته على قطع من الحطب اليابس، وتخييره ما بين أداء الغرامة أو الحبس بدعوى محاربة المخالفات الغابوية، في الوقت الذي لا يخفى فيه عن أي مراقب ما تقوم به المافيات التي تصول وتجول في الغابات، إضافة إلى المضاربين والسماسرة المتاجرين الذين يعيثون في أشجار الأرز دمارا وفسادا أو يستغلون حاجة البؤساء إلى الحطب فيعمدون إلى رفع سعره بشكل لا يستطيع أحد له سبيلا، لتبقى «شعارات» من قبيل «مشروع التنمية القروية التشاركي للأطلس المتوسط الأوسط» الذي يهدف في توجهاته إلى« تقليص الفوارق الجهوية وتحسين دخل الساكنة القروية المحيطة بالغابات، والأوضاع الاقتصادية للمرأة القروية، والبنيات التحتية والسوسيو اقتصادية»، بدون جدوى، خاصة وأن «كارثة أنفكو وأخواتها» فضحت «فراغ» هذه الخطابات! ومن جهة أخرى إذا كانت بعض الجهات تتحدث عما يسمى ب «الحطب الاقتصادي»، فإن هذا الأمر قد عاد بلا معنى وربما تأكد توقيف التعامل به من طرف مصالح المياه والغابات بدعوى «عدم قانونيته»، ومعلوم أن الغطاء الغابوي بإقليمخنيفرة يفرش حوالي 40 بالمائة من المساحة الإجمالية للإقليم، أي نحو 526 ألف هكتار، منها 65150 هكتارا من شجر الأرز وحده، ولابد من القول إذا كانت منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة تعتبر التصحر «مرض الأرض الأشد خطورة» فالمؤكد أنها ستصاب بفقدان التعليق على مناطق تعيش في حضن الاخضرار وتموت من الفقر والمرض، تماما مثل أطفالها الذين حصدهم الموت دفعة واحدة دون أن ينعموا بأجواء عيد الأضحى أو يعرفوا كائنا يسميه أقرانهم ب «بابا نويل»، ولعلهم لم يتأكدوا من وجود «بابا عيشور»، هؤلاء الأطفال، الذين هم إما غير ملقحين أو غير ممدرسين، لاتزال أمهاتهم يجهلن وسائل تنظيم النسل الذي يتزايد بوتيرة لافتة للإحصائيات. وارتباطا بالموضوع لم يفت رئيس جهة مكناس تافيلالت التصريح في وقت سابق لإحدى الأسبوعيات المغربية بأنه عندما «كان مسؤولا في المياه والغابات ردد مرارا أنه لا يمكن مطالبة السكان بالمحافظة على تراث وطني دون أن تمنحهم الدولة مقابلا ماليا يضمن كرامتهم، ويستطيعون بهذا المقابل تلبية بعض حاجياتهم، وعلى رأسها التدفئة، وقانون 1999 شاهد على هذا القول»، يضيف المسؤول الجهوي، و«هو ينص على أن الدولة تلتزم بمنح 250 درهما للهكتار لصالح القبيلة المجاورة للمنطقة التي ستجثتها الدولة أو عملت على تشجيرها، لأن الهدف من القانون، هو أن تعمل الدولة على مساعدة ساكنة هذه المناطق في أفق عشر سنوات بحوالي 100 مليار سنتيم». وانطلاقا من الإجراءات الزجرية التي تنهجها مصالح المياه والغابات فالمؤكد أن الجماعات القروية المعنية بالمناطق المتضررة قد وجدت نفسها أمام إحراج شديد يلزمها بالإجابة الضرورية عن مصير مواردها من الاستغلالات الغابوية، وإلى جانبها باقي الأطراف التي تستفيد، بشكل أو بآخر، من الملك الغابوي ولم تخجل من تفرجها على الفئات الشعبية التي تم حرمانها من حقها في الدفء طالما أن هذه الأطراف تنعم بدفء فيلاتها المكيفة وأغطيتها الناعمة. «حقيقة الوفيات » من الواضح أن الحصيلة الحقيقية للوفيات بأنفكو وأخواتها ظلت حبيسة الآراء والأرقام المتضاربة، كما أن مصالح الصحة لم تتخلص من منطق التعتيم في احتفاظها بتصريحات محمد بيد الله التي لم تنفك عن رواية العدد الذي لا يتجاوز الأحد عشر شخصا رغم ما حملته المقابر من شواهد، ومنذ انتشار خبر الكارثة وهذه المصالح ترجع أسباب الوفيات إلى البرد القارس، وكان بديهيا أن تعلق ذات المصالح تقصيرها في الإنقاذ على مشجب انعدام وسائل الاتصال ووعورة التضاريس وتساقطات الثلوج، وإلى حدود الآن لم تفتح أية جهة أي تحقيق في ملابسات الوفيات، انطلاقا من عدم التأكد مما إذا كانت أسباب الكارثة هي المناخ البارد فعلا، مقارنة مع أجواء المنطقة المعروفة أصلا بدرجاتها المثلجة ولم يسبق أن سجل بها مثل ما سجلته من وفيات في فترة وجيزة جدا، وهناك شبه إجماع بين المراقبين والمختصين على أن أسباب الوفيات تفوق بكثير رواية البرد القارس، ولم تستبعد مصادر متطابقة وجود وفيات أخرى لم يتم التصريح بها لكونها غير مسجلة بالحالة المدنية بسبب ما يعرف بالزواج العرفي السائد بالمنطقة، إضافة إلى حالات غيرها توجد في أوضاع صعبة بدواوير مختلفة يتعذر الوصول إليها مثل أغدو وتغدوين وترجيس. وبينما يجمع السكان على أن الأدوية الموزعة عليهم لم تسد حاجة الوضع الكارثي، أعرب عدد من الفاعلين المتتبعين عن قلقهم إزاء اقتصار الفحوصات على معاينة الحالات دون تشخيصها، إضافة إلى عدم قيام المصالح الطبية بتشريح الجثث من أجل معرفة أسباب الموت الجماعي. صيحات في الشوارع الخلفية الملاحظ أن اهتمام القوى الاجتماعية والحقوقية والسياسية بمناهضة الفقر وغلاء المعيشة بات يرتفع أكثر من أي وقت مضى، حيث أخذت شوارع بلادنا تعرف نزول الآلاف من المواطنين إما عفويا أو تلبية لدعوة إحدى الجمعيات أو التنسيقيات من أجل التعبير عن رفض السياسات الممنهجة والتوجهات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتج الفقر والتجويع والخضوع لإملاءات البنك العالمي والمؤسسات الدولية المالية المانحة، إذ بعد خوصصة معظم القطاعات الحيوية والأساسية ، كما هو معروف في بلادنا، لم يبق غير تضييق الخناق على القوت اليومي، ينضاف إلى ذلك غلاء فاتورات الكهرباء والماء والعلاج والضريبة، ولما ينزل الناس إلى الشارع للاحتجاج تتم مواجهتهم إما بالزرواطة أو بالتبريرات المهزوزة مع تحاشي الكلام طبعا حيال مستنزفي المال العام وأبطال الاغتناء اللامشروع والمتورطين في الفساد المالي وأصحاب الرواتب السمينة وغيرهم ممن أفرغوا «صندوق الأمة» وتركوا الفاتورة على ذمة هذه «الأمة»... فيا ترى كم من أنفكو بوطننا الحبيب؟.