خلال هذا العقد شهدت دول أمريكا اللاتينية تغييرات سياسية، أوصلت شخصيات إلى مركز القرار تحمل توجهات سياسية معارضة ومعادية لتوجهات وسياسة الإدارة الأمريكية ، دول كالبرازيل، فنزويلا، بوليفيا، الأكوادور، تشيلي، وتدهورت علاقات العديد من هذه الدول كفنزويلا وبوليفيا مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد أن شهدت اضطرابات داخلية، وكانت أصابع الاتهام تشير إلى دور أمريكي، حيث اتهمت حكومة بوليفيا السفير الأمريكي بضلوعه المباشر وتحريضه على إسقاط حكومة ايفو موراليس بعد اجتماعه مع المعارضة أثناء اضطرابات العام الماضي، وفنزويلا وجهت اتهامات مباشرة إلى الإدارة الأمريكية بالتدخل بالشؤون الداخلية بفنزويلا، كما قامت حكومة الاكوادور بإغلاق القاعدة العسكرية الأمريكية الوحيدة بالبلد. فنزويلا، بوليفيا، الأكوادور، والبرازيل، كولومبيا والبيرو تتقاسم الأمازون، وتشرف البرازيل على ثلثي هذه المنطقة الغنية بالخيرات والثروات، ومنها المياه الجوفية، حيث حرب المياه ستكون سببا لحروب في المستقبل. في إحدى محاضراته بمدينة ساوباولو عام 2003 يقول مسؤول العلاقات الدولية بالحزب الشيوعي في البرازيل «على البرازيل أن تستعد للحروب القادمة بعد عشرين عاما، والاستعداد يجب أن يبدأ من اليوم، حيث تحتوي البرازيل على خزانين من المياه الجوفية العذبة، احدهما يقع جنوب البرازيل والآخر شمالها (ويعني الأمازون) حيث ستكون المياه سببا للحروب في المستقبل». بعد الاكتشافات الأخيرة بالمياه الإقليمية البرازيلية، تنضم البرازيل إلى الدول ذات الاحتياط النفطي الكبير، حيث تم اكتشاف مساحة تفوق 149 ألف كلم مربع من النفط بالمياه الإقليمية البرازيلية، يقول الرئيس البرازيلي لويس اناسيو لولا دي سيلفا في مؤتمر صحفي جمعه مع الرئيس الفرنسي بتاريخ 07/09/2009، «إن البترول كان سببا لنزاعات وحروب، ونحن لن نريد نزاعات ولا حروبا» تبريرا لعقد صفقة شراء أسلحة من فرنسا تزيد عن 12 مليار دولار، وتشمل الصفقة غواصات وطائرات هيلوكبتر، وبنفس المؤتمر الصحفي تم الإعلان عن مفاوضات لشراء طائرات حربية أيضا. الرئيس هوغو شافيز رئيس فنزويلا يعلن عن شراء صواريخ روسية يصل مداها إلى 300 كم، ويقول « صواريخ لا تخطيء أهدافها ستصل قريبا إلى فنزويلا» ويضيف «لن نهاجم أحدا وإنما أسلحة دفاعية، وإننا سندافع عن وطننا من أي خطر يهدده» كذلك طالب الرئيس الفنزويلي من إيران بناء مفاعل نووي للأغراض السلمية بفنزويلا، أثناء زيارته الأخيرة لإيران. يأتي هذا كله بعد قرار كولومبيا بالسماح للإدارة الأمريكية بناء المزيد من القواعد العسكرية على أراضيها، حيث هذا القرار شكل أزمة دبلوماسية بالقارة، ورأت العديد من دول القارة تهديدا لاستقلالها واستقرارها، وأخرى أبدت تخوفها كالبرازيل. بعض الدول بأمريكا اللاتينية الجنوبية، تعلن عن تخوفاتها من أن تتحول كولومبيا إلى قاعدة عدوان على العديد من دول القارة، وتعتبر بعض الدول وعلى رأسها البرازيل تواجد هذه القواعد يشكل تهديدا مباشرا لها، باعتبار الأمازون بخيراتها والمخزون المائي الذي تحتويه يزيد من أطماع الدول الاستعمارية، يقول بعض المحللين البرازيليين تعقيبا على صفقة الأسلحة التي عقدتها البرازيل مع فرنسا قبل أسبوع، بأن الخمسين طائرة هيلوكبتر قادرة على نقل فرقة كاملة إلى الأمازون في حالة أي تهديد تواجهه المنطقة. التصريحات التي صدرت عن الإدارة الأمريكية والتي تبرر بناء المزيد من القواعد بالقارة، بأنها قواعد لمحاربة عصابات المافيا، فكان رد الرئيس البرازيلي على هذه التصريحات بقوله « خلال ستين عاما لم يتمكن الجيش الكولومبي والقوات الأمريكية من خلال القاعدتين، من إعادة الاستقرار إلى كولومبيا، فهل الحل العسكري يبقى حلا معقولا ومقبولا، أم هناك أهداف أخرى؟» ولهذا السبب يرى الرئيس البرازيلي أهمية دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى لقاء مع زعماء القارة ليعطي الأخير ضمانات أن إقامة المزيد من القواعد العسكرية لن تكون إطلاقا قاعدة انطلاق لعدوان على دول القارة، ولن تمس سيادة واستقرار الدول. الذي يزيد من قلق رؤساء وقادة دول أمريكا اللاتينية، هو الموقف الأمريكي من الحركة الانقلابية بهندوراس، حيث كل المؤشرات تؤكد أن الحكومة الأمريكية تدعم الحركة الانقلابية، وموقفها ليس باتجاه إعادة الحياة الطبيعية إلى وضعها قبل الانقلاب، وهذا يزيد من المخاوف بالقارة ويهددها بمزيد من المشاكل والتدخل بالشؤون الداخلية للعديد من دولها. لقد كان نجاح قوى اليسار بالعديد من دول أمريكا اللاتينية منذ بداية العقد الحالي، عاملاَ مقلقاً للإدارة الأمريكية السابقة والحالية، والاكتشافات الكبيرة للبترول بالبرازيل، وعمليات التأميم للعديد من الشركات الأجنبية والبترولية بفنزويلا وبوليفيا وقطع العلاقات الدبلوماسية وطرد سفراء الكيان الصهيوني والولاياتالمتحدة بفنزويلا وبوليفيا، وإغلاق القاعدة العسكرية الأمريكية بالاكوادور، عوامل مبررة لرفع التواجد العسكري الأمريكي بالقارة، والتدخل بشؤونها الداخلية، ولخلق حالة عدم استقرار للعديد من الدول، بما يسمح بهيمنة أمريكية مستمرة على الموارد الأساسية للاقتصاد والتكنولوجيا الأمريكية، ويسمح لها باستمرار تفوقها الدولي. رغم التفاوت في مواقف العديد من حكومات دول أمريكا الجنوبية، بكيفية التعاطي مع إقامة المزيد من القواعد الأمريكية بكولومبيا، إلا أنها تجمع على خطورة هذا التواجد، والجو السائد بالقارة أن خلال العقدين القادمين ستشهد القارة حروبا إقليمية ومواجهات عسكرية، وستكون القوات الأمريكية جزءا من هذه القلاقل والحروب. فهل هذا هو المصير الذي تنتظره قارة أمريكا اللاتينية؟ هذا ما ستجيب عنه السنوات المقبلة.