يود جمال في كتابه «في ظل رشيدة»، الذي احتفت بصدوره المكتبات الفرنسية الاسبوع الماضي ، أن لا يضيف شيئا إلى الحقيقة أو الكذب.. فهذا الكتاب أنجزه ليحكي نظرتة عن الأسرة، عن وجوده، كتاب يتحدث عن حياته بشكل عام وأخته رشيدة،وزيرة العدل الفرنسية السابقة، تشكل جزءا منه. تحمل الصحافي كزافيي بينيروسو، نائب رئيس التحرير السابق لإذاعة «إر.تي. إل»، معد برنامج حول «العدالة مغامرة» إنجاز هذا الحوار المطول مع جمال، فكانت النتيجة هي كتاب حمل عنوان «في ظل رشيدة» صادر عن دار النشر كالمان ليفي، رصد فيه جمال فضاء للحي الذي عاش فيه ، حيث تحدث عن انتشار استهلاك المخدرات وترويجها ، ووضعية السجن والسجناء، إضافة إلى بورتريهات متقاطعة لآل داتي. والدتي تحمينا. ونحن كنا إخوة وأخوات نحمي والدتنا. لم يكن قط والدي فضا تجاهها بل كان دائم الصراخ في وجهها بدون سبب. كان رجلا سلطويا. لم يكن يعنفها بل كان كثير الصراخ. وعلى من العكس من هذا كان الوالد حين يريد أن يصلح مع اعوج من أمرنا، إناثا وذكورا، كان يوجه لنا سلسلة ضربات بحزام.. أنا أيضا. أنا، على الخصوص. كنت الطفل الأكثر شغبا من بين الذكور من إخوتي. في سن الخامسة عشرة من عمري كنت أتردد على الملاهي الليلية قبل أن يتردد عليها أخي الأكبر، الهواري. أما حماقاتي فقد انطلقت منذ سن مبكرة غير أن والدي قد شدد الخناق علي منذ صغري... كان يتوفر على عصا، أتذكرها الآن، مصنوعة من الجلد، الخشب والرصاص. عادة إذا ما عاد والدي من المصنع ونزع نظارته ووضعها على الطاولة، فهذا يعني إننا سنتلقى حصة من العقاب. وإذا ما لم ينزع نظارته فكانت حصة التوبيخ ما ينتظرنا منه. وعلى العموم، كان العقاب مبررا. أما أخي الهواري فلابد أنه مايزال يتذكر اليوم الذي قام فيه بسرقة عجلة دراجة نارية من حديقة الجيران. تقدم الجار بشكاية، فقدم الدركيون إلى البيت لاسترجاع العجلة. انقض الوالد على رقبة أخي، وشل حركته ما بين آلة الخياطة وستارة نافذة الصالون، وبدأ في ضربه. ومنذ هذا العقاب أصبح الهواري أكثر حذرا. ولا أتذكر إذا ما كان الوالد قد منحه حصة ثانية من العقاب. لكن حينها لم يسلم منه ودام العقاب حوالي عشرين دقيقة من الضربات المتواترة. فالهواري كان الإبن البكر، وكان من الضروري أن يشكل قدوة لنا. ذكرى أخرى تتعلق هذه المرة بأنثى.. أختي مليكة. كان سنها آنذاك لم يتجاوز بعد الثامنة عشرة سنة، أما أنا فثماني سنوات. عادت ذات منتصف نهار إلى البيت ورائحة السجارة تنبعث منها! الوالدة، كانت الأولى من اشتمت رائحة دخان السجائر في خصلات شعرابنتها مليكة، فوجهت لها سلسلة من الصفعات، أما والدي فعندما بلغ إلى علمه أمرها فقد كاد أن يقتلها. في الصيف الموالي، شهرين بعد ذلك، سافرنا إلى المغرب حيث تم عقد قرانها. لم تلمس مليكة السجارة قط غير أن خصلات شعرها كانت مشبعة برائحة سجائر أصدقائها. { لماذا كان والدك يشبعك ضربا؟ > في مرحلة ارتكابي «الحماقات»، كان والدي قد وضع شرطا كقاعدة. إذا ما أردنا المبيت في البيت لابد من أن نحضر إلى المنزل قبل الساعة الثامنة مساء وإلا يغلق الباب في وجهنا. والحقيقة أنه كان من الصعب العودة إلى البيت في مثل هذا التوقيت. فالسهر مع الاصدقاء، عادة ما ينطلق في الساعة الثامنة. هكذا كنت دائما أجازف بإمكانية النوم خارج البيت.. لقد قضيت ليال في العراء في أقل من 10 درجات تحت الثلج... ولكم أن تتخيلوا المنظر بعد العودة ليلا... { أنت اليوم أب هل تتفهمون الوالد؟ > نعم ولا. فأنا لا أستعمل «العصى» لأوجه ضربات إلى إبني وبناتي. فصغيري إذا ما، لا قدر الله، انزاح عن جادة صوابه بالفعل، لن يتلقى ربما مني، إلا ضربة واحدة. غير أنه يجب أخذ الحيطة والحذر، فضربة واحدة في غير محلها يمكن أن تؤدي إلى كارثة! أعتقد أن والدي لا يعرف حدوده. { هل أنت أب سلطوي في تعاملك مع أبنائك الثلاثة؟ > أحاول أن ألقنهم تربية حسنة حسب المستطاع. سلطوي؟ نعم، فإنني أشبه الوالد، غير أنني لطيف أيضا بشكل واضح. حنون. أتحدث إلى بناتي، وأضحك معهن. أبي لم يقم بمثل هذا أبدا. { هل نبذت والدك؟ > أنبذه، لا. أواخذه نعم. خاصة وأنه، في ما تلى من الأيام، وجدت ابنتاي صعوبة في تقبلهما داخل الأسرة. رفضته، خلال سن المراهقة.. غير أنه بدواخلي لم أكن أتمنى الأسوء للوالدين. أواخذه عليه دون أن أنبذه.. كنت مرفوضا. فعندما كان والدي يصادفني في الشارع كان لا يتحدث إلي«لا أعرفك..». فقط الأبناء العاقون من يمكنهم أن يتجرعوا مثل هذا. وأنا لم أكن إبنا عاقا. لم أرفع يدي قط على أبي لضربه. ارتكب حماقات، وهذا يضر بوالدي، شيء أكيد غير أن ذلك كان عفويا. خلال الصيف الأخير، ساعدت والدي على بناء منزل الأسرة بالمغرب. كنت أستيقظ منذ الساعة السابعة صباحا. عند منتصف النهار وبعد جهد عمل كان الجوع يتمكن مني بشكل كبير. ذات يوم هممت بالجلوس إلى جانبه لتناول وجبة الغداء، فأشار إلى أحد أصهاره يقاربني سنا، الذي لا يكن يقم بأي شئ طيلة منتصف اليوم «دعه يجلس إلى جانبي!». نهضت وصعدت إلى الطابق الثالث وعيناي مليئتان بالدمع. حاولت أخواتي أن يخففن عني «إنه لم يكن يعني هذا. لقد أسأت الفهم.». مازلت لم أحظ بالاعتبارالأبوي. بالمقابل، أنا رجل ولدي عمل وأنا «نظيف» (لا أتعاطى المخدرات). فأنا لا أقبل بهذه الإهانة..