لم يشعر لويس أيالا، الأمين العام للأممية الاشتراكية بأنه يخاطب جمهورا غريبا عن لغته الأم، الإسبانية. فهو يعرف أن أهالي تطوان، والشمال عموما، يفهمون لغة سيرفانتس بحكم الجغرافيا والتاريخ أيضا، ولذلك فقد كان مرتاحا وهو يلقي كلمة مرتجلة، لكنها مدققة، والمناسبة التكريم الذي خصصته جمعية «تيطاون أسمير» للأستاذ محمد اليازغي. أيالا، سليل اليسار الشيلي الذي ذاق المحن على عهد الدكتاتور بينوشي وخرج منتصرا مرفوع الرأس، يعرف جيدا القادة الاتحاديين: الفقيد عبد الرحيم بوعبيد الذي سمع به وهو طالب، والأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الذي كان من كبار المدافعين عن المعتقلين الشيليين والذي ستتاح له الفرصة، داخل أروقة الأممية الاشتراكية للتعرف عليه عن قرب، والاستاذ محمد اليازغي الذي حضر الى جانبه لقاءات عديدة دفاعا عن قضية جعلتها الأممية على رأس أولوياتها، ألا وهي التغيرات المناخية والمخاطر التي تشكلها على مستقبل البشرية. صباح أمس، وعندما التقيت «دون لويس» بفندق سوفتيل بالمضيق، لإجراء حوار ستنشره الجريدة لاحقا، كانت فرصة لاسترجاع بعض من هذه الذكريات، وفرصة أيضا ليؤكد مجددا أنه عن طريق قادة الاتحاد أصبحت الأممية الاشتراكية أكثر وعيا وإدراكا بقضايا المغرب وقضايا المنطقة، في بعدها المغاربي والمتوسطي، وأن هؤلاء استطاعوا أن يدمجوا بشكل خلاق بين ما هو محلي وطني وما هو كوني، لجعل المغرب حاضرا في صلب التحولات الاقليمية والدولية. وأمس كان أيضا فرصة للجمهور الذي حج الى دار الثقافة بتطوان لاستكمال آخر حلقات تكريم اليازغي، للاستماع الى صوت آخر من الشمال هذه المرة، لا يقل حرارة وعمقا عن المناضل الشيلي. إنه بيير جوكس، الذي كان عبر أوراق صغيرة تحمل رؤوس أقلام لأفكار كبيرة، يعيد تشكيل جزء من التاريخ المشترك في بعده التحرري، الديمقراطي والحداثي. كان جوكس، وزير داخلية فرانسوا ميتران، والعضو الحالي بالمجلس الدستوري الفرنسي، من الشباب الفرنسي المتحرر الذي رفض أن تكون فرنسا الأنوار قوة استعمارية. وقد مكنه لقاؤه باليازغي آنذاك وغيره من الطلبة المغاربة، من التعرف عن قرب على العمق التقدمي للزعامات الوطنية الشابة آنذاك، والذي أكدته من خلال مختلف النضالات التي خاضها حزب القوات الشعبية وكان ذلك اعترافا آخر، بصفحة من تاريخ المغرب صنعت حاضره ومهدت الطريق لصنع مستقبل أفضل.