لا تزال قضية انتحار التلميذ « مصطفى أسكور » أمام نيابة التعليم بمدينة سطات، تثير الكثير من ردود الفعل، بسبب الهزة العنيفة التي أحدثها حادث الإنتحار على الصعيد الوطني وليس فقط المحلي. ذلك أن الجميع، هنا أمام واقعة غير مسبوقة، حملت شابا مغربيا يافعا على أن يقرر وضع حد لحياته ( بكل العنف الإحتجاجي الجارح المتضمن في هذا الفعل )، لأنه وجد الباب مسدودا أمامه لاستكمال حقه الدستوري والقانوني في التعليم بالباكالوريا. ولعل قوة الحدث آتية، من أنه يضع مشكلة « الهدر المدرسي » في إقليمسطات في الواجهة، فهذا تلميذ مغربي قاوم من أجل استكمال تعليمه، عكس الكثيرين الذين « يفرحون » بمغادرة كراسي الدراسة، لم يجد أمامه غير الباب المسدود الذي قاده إلى يأس الإنتحار. ولن يُقنع الرأي العام أحد، بأن الفتى مصطفى اختار الموت أمام نيابة التعليم ترفا، بل إن السبب كامن في أن هناك تراكما إداريا حمله على ذلك. فالموت ليس لعبة، والحياة ليست لعبة.. ولعل المثير، في الموضوع، الذي كانت جريدتنا سباقة لنشره، أن نيابة التعليم بإقليمسطات قد سارعت إلى بعث بيان حقيقة، توضح فيه وجهة نظرها، مما يسجل عليه بداية أن ليس في لغته أي تضامن مع حادث انتحار تلميذ (!!). بل إنه بيان توضيحي اجتهد في أن يدفع عنه « تهمة » عدم الإنصات لطلبات الراحل، بأن أكد أن الوفاة تمت خارج النيابة بالمستشفى، وأن محضر الشرطة يشير إلى أن الهالك حمل من أمام المركب الإجتماعي لوزارة العدل. ومن يقرأ مثل هذا الكلام، سوف يعتقد أن العملية تمت في مكان آخر من المدينة، والحال أن مقر المركب مقابل تماما لمقر النيابة وأن بينهما أقل من ثمانية أمتار، هي مسافة الشارع الفاصل بينهما (!!)، مما يعني أن المنتحر خرج من مقر النيابة وسقط أمام مقر المركب الإجتماعي. مثلما أن نفي استقباله من قبل المدير في ذات اليوم، لا يسنده أي دليل، خاصة وأن سوابق عدة تدبيريا وتربويا سجلت بذات الإدارة. إننا أمام جثة تلميذ منتحر، وهو فعل صادم يحاسبنا ويسائلنا جميعا، ومؤسف أن ننسى هذا الأمر، ونحاول أن نتهم المنتحر ضمنيا، بأنه هو المخطئ (!!). والحال أن موته المأساوي، فعل احتجاج مؤلم وصادم لا بد أن يفتح حوله تحقيق صارم حتى لا تتكرر المأساة. فالحادث ليس عرضيا، بل إنه يدعونا لمساءلة بعض من أساليبنا التربوية في حسن الإنصات للتلاميذ، خاصة وأنهم في سن مثل سنهم، يتمثلون العالم من خلال رؤية فيها العاطفة أقوى، وردود الفعل العنيفة أوضح.