أكد بحث سيكولوجي (نفساني) نشر حديثاً أجراه عالم النفس الإسرائيلي الدكتور يسرائيل اورون، المختص في حوادث الانتحار، ، وأشارت إليه "هآرتس" (22/4/2003م) أنه باستثناء النتيجة النهائية للموت الذي يتسبب به الإنسان لنفسه، لا يوجد أي وجه شبه بين الانتحار وبين ما جرت العادة على وصفه ب "العمليات الاستشهادية". ويعتقد اورون أن الفرضية السائدة بأن الشاب "الانتحاري"، الذي ينطلق لتنفيذ عملية تفجيرية، مصمم على الموت، هي فرضية خاطئة ومغلوطة، ويقول: "لا اعرف إذا كان بالإمكان ترجمة أو وصف ذلك بأنه عملية عسكرية أو من نوع أخر، لكنني متأكد من أن المخربين الذين يخرجون لتنفيذ اعتداء لا ينشدون الموت، بل ينشدون الحياة". الفلسطينيونواليابانيون وفي سياق بحثه النفسي حول هذا الموضوع بحث د . اورون عن نموذج للمقارنة واختار ظاهرة أخرى تتعلق ب "حرب الانتحاريين" التي مارسها الطيارون اليابانيون (الكاميكازا) في مواجهة الجيش الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية، فاكتشف أنه لم يُنشر أي بحث نفسي في هذا الخصوص، فبادر إلى إعداد بحث تمهيدي حول الدوافع النفسية لدى طياري الكاميكازا. وقد تم البحث بطريقة تحليل نصوص ورسائل تركها إنتحاريو الكاميكازا والانتحاريون الفلسطينيون، إضافة إلى أقوال أدلى بها من تبقى من هؤلاء على قيد الحياة لأسباب مختلفة. وقارن اورون بين النصوص التي تركها طيارو الكاميكازا والنصوص التي تركها الاستشهاديون الفلسطينيون، كما قارن هذه النصوص مع رسائل تركها أشخاص عاديون اقدموا على الانتحار، لكن الاستنتاج القاطع الذي توصل إليه يقضي بأن "المخربين" الفلسطينيين، كحال طياري الكاميكازا، مدفوعون بدافع إرادة الحياة وليست رغبة الموت ما يحرك المنتحرين من الناس العاديين. دوافع مختلفة جوهريًا ويقول الباحث أن التعريف السيكولوجي للانتحار لا يكتفي بحقيقة أن الإنسان المنتحر تسبب بالموت لنفسه عمدًا أو نتيجة لإهمال. فالعمل أو الفعل، يعرف بأنه انتحار فقط إذا انطوى على ثلاثة عناصر: رغبة بالموت، ونية الموت، واستعداد الشخص لقتل نفسه. ويقول اورون أن الفرضية الأساس لبحثه كان يجب أن تفضي إلى أن منفذي العمليات الانتحارية هم منتحرون بالفعل، غير انه تبين عملياً، ومن خلال تحليل الدوافع النفسية، أن طياري الكاميكازا ومنفذي الهجمات الانتحارية عملوا بدوافع تختلف اختلافاً جوهرياً عن دوافع المنتحرين "العاديين". وطبقا للبحث الذي قال إنه أولي فالمسبب الرئيسي للانتحار هو ألم نفسي لا يستطيع الإنسان تحمله. والإنسان الذي يقرر الانتحار يضيق علية عالمه لينحصر في هدف واحد ووحيد وضع حد لحياته. فهو غير قادر على الشعور بالأمل أو رؤية مستقبل آخر، ولذلك تجده يتصرف مدفوعًا بدوافع أنانية محضة. وقال الباحث أنه "فيما يحرص المنتحرون في رسائلهم الأخيرة على وصف عالمهم الداخلي الصعب في محاولة لشرح وتسويغ اختيارهم لطريق الانتحار، نجد أن طياري الكاميكازا اليابانيين يؤكدون في رسائلهم الأخيرة على وصف عملية "قبول الحكم" أو "إطاعة الأمر"، التي تخلو بصورة شبه تامة من عنصر الاختيار.. الانقضاض الانتحاري للطيارين اليابانيين بطائراتهم على السفن وحاملات الطائرات الحربية الأميركية كان وسيلة عسكرية تهدف ضمان إصابة الهدف. وأضاف: غير أن العامل النفسي كان شديد القوة والأثر ومجديًا اكثر بكثير من الجدوى العسكرية، حيث وجد الأميركيون أنفسهم في مواجهة عدوٍّ عجزوا عن فهم سلوكه. وعلى الرغم من أن مهمة طياري الكاميكازا وصفت بأنها تطوعية، إلا انه كان واضحاً أن هذا التطوع بمثابة أمر لا يمكن رفضه أو التردد في تنفيذه. ليس اختيارا ذاتيا وقال الباحث: يتضح من رسائل كتبها طيارو كاميكازا لعائلاتهم خلال الأسابيع السابقة لانطلاقهم لمهمتهم أن الدافع الذي وجههم لم يكن اختيارًا شخصيًا، بخلاف الانتحار العادي الذي يتم باختيار ذاتي، وان إرادتهم ورغبتهم في الحياة ربما تعرضت للقمع لكنها لم تقتل في نفوسهم. ويقول د. أورون إن الشخص الذي ينوي الانتحار، ينظر للحياة التي عاشها ولا يتطلع للمستقبل، وهو بالقطع لا يفكر بتكوين أسرة، التي هي رمز لاستمرارية الحياة. واستنادا لتحليل مقابلات تلفزيونية أو تسجيلية (مكتوبة) أجريت مع منفذي عمليات ظلوا على قيد الحياة، يستنتج اورون بأن غالبية هؤلاء لم يرغبوا بالموت. وسرد للتدليل على ذلك أقوال منها: "اخترت لأكون شهيدًا"و "أردت فقط المشاركة في كفاح شعبي من اجل التحرر الوطني" و "هذا ليس انتحارًا، بل عملية استشهادية" واختار الباحث مصطلحا آخر بدل "انتحار" وهو"عمليات تفجير ذاتي". اختلاف الدوافع وفي معرض إجابته على سؤال: ما الذي يدفع، مع كل ذلك، شخصًا يافعًا ومعافى إلى قتل نفسه؟ ويجيب: في حالة طياري الكاميكازا كان ذلك هو اليقين بأنه ما من خيار آخر، وانهم الدرع الأخير والأمل الأخير لليابان، وأنه إذا ما رفضوا التطوع للمهمة فان النتيجة ستكون هزيمة اليابان وموتهم. أما حافز منفذي الهجمات ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية فهو مشابه لحافز طياري الكاميكازا، إذ أن الشعور العام لدى الذين تطوعوا لمهمة (القنابل البشرية)، كما يقول، هو أن الفرصة الوحيدة لتغيير وضع أبناء شعبهم تأتي من خلال عملياتهم التفجيرية، وإذا ما تخلوا عن هذه الفرصة فإنهم سيعيشون حتمًا حياةَ ذُلٍّ وخطر دائم، لا تستحق وصفها بالحياة. ويقول الباحث إن القادة الذين جندوا طياري الكاميكازا في اليابان ورجال المنظمات الذين يجندون "الانتحاريين" لتنفيذ العمليات، اعتمدوا على نصوص مستمدة من التقاليد والدين. وينقل الباحث عن سجناء فلسطينيين متهمون بمحاولة تنفيذ عمليات استشهادية قولهم إن اعتمدوا على الفريضة الدينية –الاستشهاد– باعتبارها الدافع الأبرز والاهم، ومن ثم واجب مقاومة الاحتلال والشعور بعدم قيمة الحياة وفقدان الأمل، كما يقول. ويضيف اورون: إن حديث المعتقلين يدل على أن نية الموت لم تكن الدافع المحرك لديهم، وعلى سبيل المثال يقول المعتقل "م": "كان جوابي بأنه إذا أتيحت لي إمكانية القيام بعملية، فلا مانع لدي.."، لكن من يريد وضع حد لحياته يبذل كل جهد من اجل تنفيذ خطته، ولا ينتظر من أحد أن يقوم بتخطيط عملية الانتحار لحسابه. كما أنه هو الذي يختار وسيلة التنفيذ". وتابع: كذلك فان حديث "ا"، الذي يقول انه لو أقيمت دولة فلسطينية لما كان ثمة حاجة لتنفيذ عمليات، ولكن "طالما بقي الاحتلال، سيبقى الاستعداد للمقاومة، وبالتالي الاستعداد لاختيار الشهادة"، هذا الحديث يدل على أن هدف هذا الشخص ليس قتل نفسه. فلسطين-عوض الرجوب