العارفون بتاريخ منطقة سيدي مومن واثقون بأنها منطقة فلاحية في الأصل تحولت الى سكن للعمال رويداً رويداً .... مع تطور المنطقة الصناعية بعين السبع، والتي كانت تشكل نقطة فخر في الكتب المدرسية أيام إقرأ وقبلها التلاوة... مساكن العمال البسيطة والمؤقتة والمحاطة بفضاء مفتوح يمثل عمقاً فلاحياً للدار البيضاء ظل محافظا على بساطة العيش عشرات السنين. لم يكن عدد الساكنة كبيراً جداً. بضع عشرات الأسر ودواوير قليلة كانت تقاوم لتحقيق الحد الأدنى للحياة والانفتاح على العالم الخارجي والمقصود به مركز المدينة. فجأة ومع بداية الثمانينات، عرفت المنطقة زحفاً كبيراً للقصدير وانطلق زمن البراريك، العارفون دائماً يؤكدون أنه بقرار لم يعرف من يقف وراءه تحولت سيدي مومن الى مزبلة سكنية ، إذ عمدت السلطات إلى عمليات توطين كبرى لآلاف الأسر التي تم ترحيلها من العمق الحضري أنفا سيدي بليوط الصخور السوداء وغيرها. تم رمي آلاف الأسر لتصبح سيدي مومن تجمعاً صفيحياً حطم كل الأرقام الوطنية فهي الأولى من حيث السكن غير الصالح بما يفوق 20% والأولى جهويا بنسبة تفوق 40% فكيف ومن حول المنطقة التي اشتهرت بتواجد إحدى المزابل وهنا مفارقة غريبة، فالذين حولوا سيدي مومن مطرح زبالة لنفايات البيضاء هم أنفسهم من عمل على توطين غير المرغوب فيهم بذات المنطقة ذات وقت! وهي ذات المنطقة التي ظل الحفر بها حيث كادت تفقد توازنها الجيولوجي حين أضحت تحمل اسم الحفرة. إنه نفس المكان ونفس المحيط الذي أمر الراحل الملك الحسن الثاني بإيلائه الأهمية، بل وتبرع بقطعة أرضية كبيرة لإعادة خلق مناخ صالح للحياة. امتدت اليادي الآثمة الى الهبة الملكية وحاولت تحويلها عن مسارها الذي كان هو خلق فضاء اخضر كبير يعيد الاعتبار لسيدي مومن جغرافية وانسان،وهي الرسالة التي لم يفهمها مدبرو الشأن المحلي في حينها ، وظلت سيدي مومن تئن في صمت وبلا حراك، ومن طوما الى السكويلة تجثم ذكريات مرة على المنطقة، منذ غادرها المعمرون.من هنا ذات يوم، فطوما ليست سوى ضيعة فلاحية كبيرة غادرها أصحابها يوما حيث اعلان استقلال... انتفخت طوما والسكويلة وعشرات الدواوير تحت ضغط عمراني محيط من كل الجهات. لقد حاصر الاسمنت الساكنة من كل الجهات دون ان يتوفر للناس اي شيء خارج ماكان من الفقر والحرمان. فلا ضير ان تواجدت المدرسة بجانب المزبلة بلا وحتى وسطها فقط بسيدي مومن. مع ذلك، دخلت سيدي مومن في صمت مريب، كان هم اصحابها الحلم ب«نمرة» وهي رقم واعتراف من الدولة بأن بشرا عانى في القساوة سنين طويلة واليوم يمكن ان يبعث من جديد. لم يكن سيدي مومن مجهولة وطنيا، فجميع مناطق المغرب ممثلة وكل الشرائح و الفئات في كاريانات سيدي مومن يتجاور المعطل والتاجر والفلاح والشرطي ورجل التعليم ... كلهم هناك في المعاناة سواء. ذات يوم، طلعت علينا نكتة بغيضة للرئيس غير المأسوف على رحيله بوش، يطالب قيادة الجيش بقصف المنطقة لأن بها صواريخ ومنصات بعدما اطلع على صور« تظهر كراريس العربات مقلوبة وعدد كبير من الهوائيات المنصوبة فوق البراريك لالتقاط قنوات فضائية قادمة من كل الدنيا». ولأن المناسبة شرط، فإن بوش اهتم بسيدي مومن بعدما عمل الاعلام الموبوء على تحويل سيدي مومن الى منطقة صانعة لحدث الارهاب وحاضنة له بينما سيدي مومن براء من كل ذلك. فهي فقط حاضنة للفقر والبؤس والحاجة وقلة ذات اليد... انتقلت قنوات العالم وصحافيون الى سيدي مومن لمحاولة فهم تفجيرات 16 ماي التي أعلنت مغربيا ان بيننا في هذا البلد من حولته أيديولوجية الحقد والكراهية الى الكفر بالوطن، بالتاريخ المشترك الجميل بالتعايش والتسامح.. وحتى ذاكرة النضال الوطني أريد الغاؤها .لاأحد يقبل ان يطغى الفقر والجوع بل المغاربة واجهوا بكل السبل الاستعمار الفرنسي ومن بعده اعوجاج دولة الاستقلال، ولكنهم لم ينفجروا أويفجروا انفسهم في أي زمن، بل لم نكن نحتاج الى مرجعية خارج الوطن الجميل وان كان حزينا احيانا. لا من تورابورا ولا من قم ولا من غيرها. في المغرب متسع للجميع ومرجع للجميع. لزم الامر حراكا كبيرا وألما أكبر، كي يتناسى سكان سيدي مومن إحساسا بالحقد حاول نسجها عنهم آخر بآنهم ارهابيون. وتعود سيدي مومن الى وعيها بذاتها. ليس هنا ارهاب..ليس هناك حقد على الوطن. تعلق عليه شماعة ما سيدي مومن نموذج للمغرب الكبير يوجد الفقر، يوجد الجوع يوجد خصاص يتجاوز حدود المعقول. ان تتعافى سيدي مومن من كل جراحها، ففي ذلك ميدان التباري لكل مغربي صادق والنموذج يعمم مغربيا.