عندما نتكلم في المغرب الرسمي وغير الرسمي عن الحاجة إلى التقدم والاستمرار في الإصلاحات السياسية، فهذا يعني سعي الدولة بإدارتها والمجتمع بمنظماته إلى تحقيق أفضل حالة من الاستقرار السياسي وسيادة القانون. كما أن إعلان هذه الإرادة لمرات عديدة لا يمكن أن يجسد إلا استعداد الدولة لاستثمار المزيد من المجهودات للدفع بعجلة الإصلاح إلى الأمام، وعزمها لتهيئ مجال رحب يمكن من تقوية قدرة المؤسسات على الفعل العمومي الجاد، وعلى المتابعة والاستمرارية وفق إطار قانوني مناسب يحظى بالرضا داخليا وخارجيا. وأعتقد أن من ضمن المحددات الثابتة لهذه الإرادة تحقيق مفهوم الحكم الراشد أو الحكم الصالح (Good Governance) الذي يمس عمل السلطة السياسية في إدارتها لشؤون البلاد على جميع المستويات لتحقيق مصلحة الجميع وفق القانون وعلى أساس سيادته فيها. ويقوم الحكم الصالح (مصطلح فرنسي الأصل ظهر في القرن الثالث عشر كمرادف لمصطلح «الحكومة») على أساس المشاركة الفاعلة لجميع الهياكل الرسمية وغير الرسمية في الدولة الواحدة من أجل أن يخرج القرار بأكثر من صوت ويصب في خدمة هدف واحد هو المصلحة العامة وفق صيغ قانونية دستورية تنظم بوضوح علاقة السلطات فيما بينها وعلاقتها بالشعب (ضمان مشاركة أكبر للقوى الفاعلة). وبخصوص التعاريف الدولية الرسمية، فإذا كان كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، قد ربط مفهوم الحكم الصالح بالنتائجو حيث اعتبره العامل الأهم الذي يمكن من محاربة الفقر وتعزيز التنمية، فإن تقرير التنمية الإنسانية العربية ((2002 اعتبره نسق من المؤسسات المجتمعية، المعبرة عن الناس تعبيرا سليما، تربط بينها شبكة متينة من علاقات الضبط والمساءلة بواسطة مؤسسات ذات مصداقية، وفي النهاية بواسطة الناس بدون استبعاد أي عنصر من النشاط الإنساني في خدمة التنمية. وعليه، ففي زمن الانفتاح والمنافسة المشروعة، أصبح هذا المفهوم شديد التداول وطنيا ودوليا. فإضافة إلى اعتباره أسلوبا لصنع السياسة على أساس القواعد الأساسية المألوفة في الديمقراطيات الحديثة، مثل سيادة القانون، التعددية السياسية والاجتماعية، والتسامح، والتعبير الحر، وحريات وحقوق المواطنة،... فهو عنوان لمنظومة أساليب وخطوات الإصلاح السياسي والاجتماعي ككل، مثل اعتماد المحاسبة في مواجهة السلطات العامة، والمطالبة بتوفير مظاهر الشفافية في مؤسسات صنع القرار، وتقييم نوعية الحكم من زاوية الالتزام بالبرامج وسيادة القانون وقدرته على تعزيز فرص والميل إلى المشاركة، واحترام حقوق الإنسان، ومكافحة الفساد، وضمان المساواة في تكافؤ الفرص، .. واعتبارا لما سبق، فإن أهلية الحكم الصالح تبقى مرهونة بمدى توفر المحددات السالفة الذكر مجتمعة وبصورة عملية وليس كنصوص جامدة في صلب الدستور أو في القوانين الجاري بها العمل تنتظر التفعيل. المطلوب هو أن تكون هذه المحددات فاعلة في الواقعين القانوني والسياسي من خلال توضيح علاقة السلطة السياسية بالقانون، وضمان الفعالية القانونية للمؤسسات التشريعية، والتنفيذية، وتقوية النظام القضائي وتعزيز استقلاليته كسلطة دستورية، وتمكين الصحافة من لعب أدوارها كسلطة رابعة، لإنجاح عملية الإصلاح، يجب أن تستند علاقة السلطة بالقانون إلى مبدأ سيادة القانون القابل للتفعيل والتطبيق وليس سيادة السلطة على حساب القانون. ولن يتأتى هذا الشرط الضروري إلا في حالة توضيح العلاقة بين السلطات الثلاث المعروفة على أساس التعاون، ومبدأ الفصل بينها. فالسلطة الأولى في الدولة، وهي السلطة التشريعية، يجب أن تتمتع بدور فاعل وأساسي في عملية صنع القرار السياسي وعملية البناء القانوني للتشريع ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية وصولا إلى إجراءات المساءلة والاستجواب وحل الوزارة إن اقتضى الحال (إذا لزم الأمر ذلك). أما السلطة التنفيذية فهي سلطة تنفذ ما تشرعه الأولى وتعمل على تطبيق القانون من تلقاء نفسها وتخضع للمحاسبة والرقابة من طرف ممثلي الأمة أو مباشرة من طرف الناخبين من خلال آليات الانتخاب (الاستحقاقات). ويتضح إذن، أن العلاقة التي تربط السلطتين تجعل كل واحدة مكملة لعمل الأخرى في سبيل الوصول إلى غاية واحدة ألا وهي ترسيخ مقومات الحكم الراشد. أي أن بالحكم الراشد تنجح الإصلاحات السياسية، وبتحقيق الإصلاحات يرسخ الحكم الراشد.