استغرقت رحلة نشر النسخة العربية من رائعة الروائي الإيراني صادق هدايت «البومة العمياء» نحو 42 عاما لتجد طريقها إلى المكتبات أخيرا بعدما ترجمها الأديب الراحل سليم الصويص في عام 1967. وعمل الراحل الصويص على ترجمة النسختين الإنجليزية والفرنسية من الرواية، يقول الصويص الذي رحل قبل سبع سنوات في مقدمة ترجمته التي صدرت عن دار ورد للنشر والتوزيع وبدعم من وزارة الثقافة أنه بعث بهذه الترجمة إلى الأديب يوسف الخال صاحب مجلة "شعر" والذي أعجب بالترجمة ونشر القسم الأول منها في العدد 44 من المجلة عام 1970. وتمثل رواية البومة العمياء في سياقها الجدلي الإنسان المقهور أو "المتشائم" معبرة في بعض الأحايين عن انطوائية الروائي هدايت الذي تأثر بالأدب العالمي لا سيما إدجار آلن بو وفرانز كافكا رغم انتمائه للأوساط الارستقراطية في إيران الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي واختتم حياته منتحرا في فندق فرنسي ربيع عام 1951 بعد حياة لم تخل من الكآبة. وتعتبر رواية «البومة العمياء» أول رواية فارسية فنية بالمعايير المعاصرة ويرى فيها عديد من النقاد حدثا أدبيا مهما في تاريخ الأدب الإيراني المعاصر. بطل الرواية رجل يرسم على حافظات الأقلام بأسى، مكتئب ووحيد، يحب ويفكر بالقتل، ويقول بطل الرواية ملخصا حالته التي يعيشها «آذنت الشمس للمغيب ومن مكان ما جاء صوت بومة حزين كان نغما ضعيفا وشاكيا فأثار في كل خرافات السلف الموروثة كما أثار في كياني الخوف من العتمة..». ويقول أيضا: «الحياة في سيرها تكشف ببرودة وبدون شفقة ما هو خلف القناع الذي يلبسه كل إنسان ، يبدو أن كل إنسان يملك أكثر من قناع، بعضهم يستعمل كل الأقنعة على الدوام فلا يلبث هذا القناع أن يتلوث ويتجعد، حينئذ فقط يظهر الوجه الحقيقي». تعكس الرواية دهشة الحياة وتناقضاتها، كما تعكس علاقة الفرد مع نفسه ومع الآخر الذي كانت المرأة المحور الرئيس فيه وفي الرواية ذاتها: «لقد رأيت على وجه زوجتي طابع السنين القذرين الصدئين وكانت هي الزوجة التي منعتني من الاقتراب منها، التي تحتقرني والتي أحبها رغم كل شيء..». ويحضر الموت بقوة في رواية البومة العمياء حيث يقول بطل الرواية «حضور الموت يلغي كل الخرافات، نحن أطفال الموت، الموت هو وحده الذي ينقذنا من خداع الوجود».