* أن يكون هناك وضع شاذ يحتاج إلى إصلاح من قبيل غياب العدالة أو الحرية أو انتشار الفقر والهشاشة والفساد،... * أن يكون التغيير نحو الأفضل في أفق تحقيق دولة الحق والقانون. * أن يكون للتغيير صفة الاستمرارية مع ضمان تراكم المكتسبات وانعدام بوادر التراجع عنها. فتحول نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي هش مهدد بالتراجع لا يعتبر إصلاحا. 2. دوافع عملية الإصلاح وشروط نجاحه إن حدوث عملية الإصلاح مرتبط بتوافر مجموعة من الشروط الموضوعية وعلى رأسها ضرورة تجاوز حالة التردي والاحتقان السياسي وآثاره السلبية. وهنا لا بد من الوقوف على ثلاث حقائق في عملية الإصلاح: * الدعوة إلى الإصلاح كانت دائما مرتبطة بظهور ظروف الأزمة والاحتقان السياسي (نقطة الانطلاق) وما لها من مخاطر على النظام القائم. ويستدعي الأمر اتخاذ قرارات حاسمة ومستعجلة للحد من تفاقم تردي الأوضاع ومخاطر زعزعة الاستقرار السياسي وإضعاف الشرعية السياسية لنظام الحكم. * ضرورة اعتماد دعاة الإصلاح على عقيدة فكرية أو إيديولوجية تساعدهم على تبرير أفكارهم الإصلاحية والدفاع عنها من أجل إقناع الجماهير بضرورتها. * الإصلاح الذي يأتي من القائد ونخبه الحاكمة يحتاج إلى المساندة من خلال توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وخلق جبهة عريضة للإصلاح لضمان نجاح العملية الإصلاحية واستمرارها. وبخلاف ذلك تبقى الإصلاحات جزئية وغير مؤثرة يسهل التراجع عنها، وذلك لغياب الجماهير التي يمكن أن تدافع عن هذه الإصلاحات وتتمسك بها. 3. طبيعة الإصلاح المطلوب على عكس النماذج التاريخية للإصلاح التي اعتمدت على الثورات العنيفة لجعل حد للأنظمة الثيولوجية وللديكتاتوريات المتسلطة والأنظمة الشمولية (الثورة الفرنسية 1789، الثورة الأمريكية سنة 1776، الثورة الروسية سنة 1917، الثورة التركية سنة 1922، الثورة الصينية سنة 1949، الثورة المصرية سنة 1952، الثورة العراقية سنة 1958، الثورة الكورية سنة 1959،...)، أصبح الإصلاح زمن القطب الواحد مرتبط بالديمقراطية وكل ما يتعلق بها من بحوث، وكل ما ينبثق عنها من نماذج أنظمة سياسية. القاسم المشترك الذي يميز اليوم كل النماذج الديمقراطية يتجلى في فتح المجال للإيديولوجية والمشاركة الشعبية للتغلب على ظروف الأزمات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والطبيعية (الكوارث). فبمقابل استحضار التجارب التاريخية التي جعلت من الثورة أعلى درجات الإصلاح وأكبرها وأعمقها أثرا لما تحدثه من تحول كامل في التفكير وأنماط السلوك والقيم والرموز والمؤسسات السياسية وغيرها، فإن تجارب عديدة أخرى أكدت أنه ليس بالضرورة أن تؤدي الثورة إلى واقع أفضل. لقد تأكد أن التغييرات السريعة والمفاجئة غالبا ما يترتب عنها نتائج سلبية مثل الحرب الأهلية، والتسلط، وزعزعة الاستقرار السياسي، أو تردي الأوضاع الاقتصادية (السودان بعد ثورة الإنقاذ سنة 1989، إيران بعد ثورة 1979 ...). فبعد الحرب العالمية الثانية، أصبح النضال من أجل الديمقراطية الانشغال الأساسي لمختلف التيارات السياسية في العالمين الغربي والثالث. إن هذا التوجه، الذي تعولم بعد إعلان النظام العالمي الجديد، جعل من الديمقراطية الآلية الوحيدة المتوافق عليها في الممارسة السياسية. إنه إيمان بكون الإصلاح الذي يحرق المراحل لا يكتب له النجاح وأن التشديد على الإصلاح بالتغيير بأي ثمن قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي. فبعد أن عمر استعمال هذا المفهوم أكثر من قرن في أثينا اليونانية ]القرن الخامس قبل الميلاد)، انبعث بعد اثنين وعشرين قرنا مع الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية. إنها أحداث مرموقة في تاريخ الإنسانية لكونها شكلت عودة إلى احترام الكينونة البشرية من خلال محاربة استغلال الدين لشرعنة الحكم السلطوي والرجوع إلى المصدر الوحيد للحكم وهو الشعب. وبذلك أصبحت الديمقراطية مرادفا ل»حكم الشعب» والديكتاتورية مرادفا ل»موت الشعب». فبعد الديمقراطية المباشرة كآلية لإشراك الشعب بأكمله في عمليات اتخاذ القرار، اخترعت الديمقراطية التمثيلية جراء الارتفاع السريع لعدد السكان. وبذلك تحولت قوة الشعب كأساس للديمقراطية من وضع الفعل المباشر إلى مانحة للشرعية يتم اللجوء إليها وتحريكها كقوة ضاغطة لمواجهة التجاوزات والخروج عن المنهجية الديمقراطية، وفي أسوأ حالات التوتر يتدخل الشعب لإحلال شرعية جديدة بنشوب حالة ثورية. ومن أجل العودة إلى العقل لتثبيت الموضوعية في العمل السياسي تم ربط الديمقراطية بالمدرسة ومن تم ضرورة فرض مجانية التعليم. فروح المواطنة لا تتقوى إلا بالعلم والثقافة والقدرة على النقد والتنوير وضمان التلاحم المستمر لآلية الديمقراطية بالثقافة الديمقراطية (الوعي الديمقراطي هو في جوهره وعي نقدي). وتطورت الديمقراطية في العقود الأخيرة لتتجاوز مبدأ التمثيل بتبني مبدأ الإشراك والاستشارة المتواصلة (الديمقراطية التشاركية). واعتبارا لما سبق، نعود إلى الوضع السياسي ببلادنا لنطرح إشكالية الانفصام السياسي المفترضة والسيناريوهات الممكنة لتطور عملية الإصلاح. من المعلوم أن المغرب خطى خطوات جريئة في مجالات حقوق الإنسان وتوسيع هامش الحريات وإصلاح القوانين والاستثمار في الأوراش الكبرى،... إضافة إلى كونه أنتج نموذجا للتوافق كآلية لتطوير الانفتاح السياسي في العالم العربي، لكنه بالموازاة يعاني من تراجع سياسي واضع المعالم يكاد يرقى إلى أزمة سياسية. وبما أن هذا التراجع يأتي في وقت استنفد فيه الخطاب الرسمي للدولة كل المفاهيم المرتبطة بالإصلاح وبإعلانه عن الإرادة السياسية لدعم الانتقال الديمقراطي والإصلاحات المرتبطة به، يبقى مشروعا طرح السؤال التالي: من يقف وراء عرقلة الإصلاح السياسي بالمغرب وتحويله إلى مطلب وحاجة جماهيرية؟