مناسبة الحديث هذا يأتي في سياق تقييم حصيلة العشر سنوات الأولى من العهد الجديد التي توجت بالاستحقاقات التسعة، شكلت فيها انتخابات 12 يونيو 2009 محطة مركزية وتمهيدية لما يسمى بالفساد الانتخابي، كون نتائجها كانت محسومة قبل انطلاق المعركة الانتخابية وكذا الشأن بالنسبة لما تبعها من العمليات المرتبطة بها والخاصة بتشكيل المجالس، تعلق الأمر بالجماعات المحلية أو الأقاليم والعمالات والجهات بدليل العدد الهائل من القضايا الانتخابية المعروضة أمام محاكم المملكة، والتي صدرت في شأن بعضها أحكام تلغي نتائج بعضها، في حين تظل أغلبها في الرفوف لتعرف الانتخابات المؤدية إلى الغرفة الثانية التي يلعب فيها الناخبون الكبار لعبهم المعتاد داخل بورصات لا يمكن التنبؤ بطبيعة ولا نوع معاملاتهم داخلها، لأنها السبيل الذي يضمن الحصانة لمن يسعى إلى حماية مصالحه. لقد ارتفعت أصوات عدة قبل وأثناء وبعد العملية الانتخابية، تندد وتحذر بمغبة ما يمارس من سلوكات تتنافى ومضمون شعارات المرحلة، برهنت وأكدت نتائجها على أن مال الديمقراطية المحلية بات في خبر كان، لتفوت مرة أخرى الفرصة على المغرب في ربح رهان الديمقراطية بعد طي صفحة الماضي المظلم، الذي لا زال يحن إليه العديد من رجالات الداخلية (التضييق على الحريات). لقد أصبح الوضع السياسي المغربي خلال هده السنوات يعيش لبسا حقيقيا ينكشف أكثر وأكثر كلما حلت محطة انتخابية حيث يقتحم هذا المجال عناصر بسلوكات غريبة، بعيدة كل البعد عن السياسة والسياسيين فرضت نفسها في القاموس السياسي المغربي. إنه السلوك الذي يترجم الفعل السلبي المتطور في هذا المشهد المتميز بالتعددية والمفروض فيه أن يقوم على مبادئ المواطنة الخلاقة والاختلاف حول الاختيارات السياسية والفكرية والإيديولوجية، لكن الواقع أثبت العكس حيث لم يكن لا الخطاب ولا البرامج يعكسان هذه التعددية التي لا تتجاوز في الدول العريقة في الديمقراطية ثنائية متباينة وأحيانا وسط معتدل أو راديكالي. إن كابوس ما جرى يوم 12 يونيو وكل ما تلاها من عمليات الإفساد لم يبرح بال أي وطني غيور ظل ينتظر الأمل المفقود في ترسيخ الديمقراطية المحلية، إذ شكلت هذه المحطة قمة الاستهتار بأمور وانتظارات المواطنين وشؤونهم جسدته بالملموس طبيعة التحالفات والتقاطبات التي ينتفي فيها مفهوما والأغلبية والمعارضة، لأنها تجمع بين أشخاص لهم نفس الطموحات لتزداد الهوة اتساعا بينهم وبين المواطن الناخب الذي سيظل غير مهتم بهذه العمليات كلها ما دام المنتفعون لا تشغلهم همومه. إن اللافت للانتباه في هذا السياق المطبوع بالضبابية والالتباس الذي يلف بالممارسة السياسية والسلوك الديمقراطي، ليفسر عمق الأزمة القادمة التي تُلبسها الحكومة لباس الطمأنينة وعدم القلق، وسيكشف القادم من الأيام ذلك المجهول...! وإذا كان العهد الجديد قد راكم العديد من المكتسبات بفضل الدينامية التي انطلقت مع حكومة التناوب شملت مجالات حيوية أساسية اجتماعية واقتصادية، فإنه لم يواكبها الحقل السياسي بنفس الوثيرة، ويجدر القول إن هذا المجال الجوهري والمركزي دخل أزمة حقيقية أبانت فصولها عن اختلالات خطيرة في التعامل مع التشريع المغربي: قانون الأحزاب، الميثاق الجماعي، مدونة الانتخابات... تعلق الأمر باستمرار مسلسل تفريخ الأحزاب أو باستمرار ظاهرة الترحال (الحزب الأغلبي والعودة إلى مركزة القرار والاستفراد بالحكم)، وهو ما زاد من تعقد هذا المشهد الذي جعل المواطن يفقد كل أمل في ترسيخ ديمقرطية مغربية. كما تميز العهد الجديد بدينامية حقيقية أثبتها الفعل الميداني لملك البلاد، ترجمت القناعة الراسخة بالمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي والذي تأسس على مفاهيم وتوجيهات قلما لم يتم التشديد والتأكيد على تفعيل مضمونها في كل مناسبة باعتبارها توجه واختيار لا محيد عنه، فالمفهوم الجديد للسلطة، الملكية المواطنة، المبادرة الوطنية للتنمي، توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، خلاصات التقرير الخمسيني، الحكامة الجيدة، الجهوية الموسعة والمتقدمة، كلها مبادرات تعد بمثابة خارطة طريق تساءل الوزير الأول حول كيفية التنفيذ والنتائج المحققة، خاصة وأنه اعتبر دائما أن برنامجه هو توجيهات صاحب الجلالة، في غياب برنامجه الانتخابي وبرنامج حكومته في الأغلبية، فمن المسؤول عن بطء سير الإصلاحات وتعثر أوراشها؟ لقد راكمت هذه الحكومة أزمات تلو الأخرى رغم كل ما يقال عن التنمية البشرية، حتى اختلط على المواطن التمييز بين عمليات توزيع الأدوار بين المؤسسات و حدود صلاحيات كل منها، فأصبح من الصعوبة بمكان ربح رهان الديمقراطية الذي يعد مؤشرا حقيقيا لسيادة سلطة الشعب وإرساء دعائم دولة القانون. ومن هذا المنطلق نعيد طرح سؤال المفهوم الجديد للسلطة خلال هذا العقد والذي لم يترجم إلى واقع يومي في علاقة الحاكم بالمحكوم في دواليب الإدارة الترابية، من أجل ترسيخ دولة القانون وتجاوز سلطة المخزن، لأن قوة الدولة تكمن في قوة نظام جهوي ديمقراطي مبني على النزاهة والشفافية والحكامة الجيدة بقيادة أحزاب وطنية حقيقية قوية متحررة ومستقلة عن سلطة الوصاية المهووسة بالهاجس الأمني والتي سعت عبر التاريخ إلى التحكم المسبق في عمليات تشكيل المؤسسات المنتخبة لتظل مدننا و قرانا على ما هي عليه... يتبع...