تململ عبد الكبير حقاوي قليلا وعدل من جلسته قبل أن يمرر يده على شعره الأبيض وهو يتحدث عن تجربته في العمل الانساني و التنموي الذي بدأه من فرنسا، حتى إنه أضحى من الوجوه الجمعوية المشهورة بعاصمة الأنوار، خاصة وأنه حمل على عاتقه هموم ومشاكل المهاجرين الأفارقة نحو «الجنة» الأوربية هربا من «جحيم» بلدانهم التي تعاني الفقر والتهميش، ليقول:« لقد أسسنا سنة 1984 جمعية «تضامن الأفارقة بفرنسا» من أجل مساعدة المهاجرين الذين يجدون صعوبات ومشاكل ببلاد المهجر، فكنا ندافع عنهم ونحاول إيجاد حلول لمشاكلهم المتعلقة بهذا المجال». لم يمض على اشتغال عبد الكبير حقاوي في هذا الحقل سوى سنتين لتتبلور الفكرة «الحلم»، حيث تم إنشاء «إيد فيديراسيون» التي أخذت على عاتقها الاهتمام بقضايا التنمية بإفريقيا ودول الجنوب سنة 1986. لكن اجتهاد الرجل المغربي الأصل وإيمانه بفكرته النبيلة التي تقتضي التعامل مع الإنسان كإنسان بغض النظر عن لونه أو جنسه أو ماهيته، ساهم بشكل كبير في نجاح المشروع نسبيا، حيث تفرعت عن المنظمة غير الحكومية التي يرأسها 16 فرعا عبر دول العالم وهو أمر ليس بالسهل نظرا للإكراهات الاجتماعية التي واجهت المنظمة. بدا حقاوي ذلك الرجل الطويل القامة والنحيف نسبيا متأثرا لسوء أحوال بعض الدول الإفريقية التي قدموا لها مساعدات تنموية وحاولوا الرفع من مستوى الاجتماعي والتعليمي، وهو يتحدث عن الدور الكبير الذي قامت به 165 جمعية للتنمية عبر العالم تتمتع بصفة العضوية بفيدرالية الوكالات الدولية من أجل التنمية حيث قال :«ركزنا في عملنا على واجهتين أولاهما همت محاربة العنصرية والتهميش الاجتماعي الذي يتعرض له المهاجرون، والثانية حاولنا من خلالها المساهمة في تنمية البلدان الأصلية للمهاجرين من خلال تمويل مشاريع تنموية مختلفة، وذلك لتوفير الظروف الملائمة للحياة الكريمة، الشيء الذي سينعكس إيجابا على سكان هاته الدول ويجعلهم يفضلون الاستقرار ببلدانهم الأصلية بدل ركوب المخاطر والبحث عن «الجنة الأوربية» التي لا توجد إلا في أحلامهم..» إتقانه لعدة لغات كالعربية والفرنسية والإنجليزية مكنه من قيادة فدرالية الوكالات الدولية من أجل التنمية «إيد فيدراسيون»، بحكم نضاله السياسي والحقوقي، واهتمامه بقضايا الناس على أرض الواقع، كما أن دراسته بكاليفورنيا التي تمحورت حول العلاقات الدولية والسياسية، كان لها بالغ الأثر في الاهتمام بهذا المجال بعد عودته إلى فرنسا. لمعت عيناه من تحت نظاراته الطبية الأنيقة، وبدا على حركاته نشاط غريب وهو يشرح أهداف «إيد فيدراسيون» ورسالتها إلى شعوب العالم :«لدينا أهداف ثمانية مبنية على المشاكل الرئيسة التي تعرقل إقلاع هذه البلدان، والمتمثلة أساسا في الفقر والهشاشة والاقصاء الاجتماعي والتعليم والصحة والبيئة والفروقات الناجمة عن الجنس والشراكة الدولية، وهو تأكيد على أهمية التنمية المستدامة التي تظل من أولويات البلدان النامية، ولذلك فإنه يتعين إعادة النظر والتفكير في العلاقات ما بين البلدان المتقدمة وتلك السائرة في طريق النمو...» ارتفعت درجة حماسته ووضع يديه على صدره بعفوية وهو يتحدث عن مشروع الفيدرالية بالمغرب بعد أن سبق لها التوقيع مع المغرب على اتفاقية بروتوكول سنة 1998 بهدف التعاون سويا، لكن بعض العراقيل الخارجة عن إرادة الفريقين أخرت ذلك إلى حدود صيف 2009، حيث استهلت «إيد فيدراسيون» مشروعها قال :«عملنا على الاشتغال بالمغرب بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، رغم أن المشروع عرف بعض التأخير. لكن تعاون بعض العمالات معنا وكذا المجالس البلدية يوحي بتقدم كبير ونجاح هذا المخطط الذي ابتدأناه بمدينة المحمدية بالتكفل بحوالي 2000 طفل، كانت أول المبادرات تمكينهم من المخيمات الصيفية للإستئناس بمؤطرينا في انتظار بداية الموسم الدراسي، حيث ستكون متابعة دقيقة ومراقبة شاملة سيتحدد على إثر نتائجها مصير هذه الشراكة التي كان لعامل عمالة المحمدية عبد العزيز دادس دور مهم في تثبيت أسسها. نشتغل مع منظمات دولية مختلفة الإختصاصات لنتمكن من تغطية ومعالجة جل المشاكل التي تعرقل تنمية المنطقة، نفس الشيء بالنسبة لمدينة سلا التي تم التوقيع على مشروعها مع عامل عمالتها علمي....، ومستقبلا نتوقع أن تنظم كل من الرباط وأبي الجعد...» تتغير ملامح عبد الكبير حقاوي، وتظهر على وجهه علامات الإرتياح حين يتم ذكر المغرب، لم يتمالك نفسه وهو يتحدث باعتزاز:«المغرب بلد عظيم، يتوفر على طاقات بشرية وفكرية هائلة، فقط يجب توجيهها وإزالة بعض العراقيل التي تعترضها، وأعتقد أن عمل «إيد فيدراسيون» سيرتكز على هذا الأساس، أتوقع أن تظهر نتائج سارة قريبا...».