خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    موتسيبي: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية        طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول التكوين المهني والتشغيل والعلاقات المهنية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية .. حوار شامل مع جمال اغماني وزير التشغيل و التكوين المهني

السيد الوزير، بداية هل يمكنكم أن تحددوا للقراء منطلقاتكم في تدبير قضايا قطاع تواجهه انتظارات كبيرة ؟
بفعل مجموعة من التحديات الآنية والمستقبلية في العديد من المجالات والملفات التي نتولى تدبيرها، وهي انتظارات حقيقية تواجهنا كما أشرتم، قمنا مباشرة بعد تحمل المسؤولية، بتشخيص دقيق لأوضاع القطاعات التي تشرف عليها هذه الوزارة في تفاعلها مع محيطها.
ففي مرحلة أولى، عمدنا للإنصات لمكونات القطاع، وإلى التقرب من تطلعات وانتظارات كل الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين من خلال عقد اجتماعات معهم، وفي مرحلة ثانية التوجه لبناء أسس استراتيجية العمل المستقبلية التي جعلناها تقوم على أسس حكامة تأخذ من الالتقائية وتكامل الأدوار بين مكونات القطاع قاعدة أساسية وموجهة، ثم انتقلنا إلى حصر الأولويات في مخطط عمل، بعد إنجاز بعض الدراسات التي كانت ضرورية.
هذه المقاربة، سمحت لنا بإطلاق مجموعة من الأوراش والبرامج تدريجيا، تصب في اتجاه التطلع للعب الأدوار المنوطة بالقطاع، خاصة تلك المتعلقة بتأهيل الموارد البشرية للاستجابة لحاجيات الدينامية الاقتصادية من خلال توجيه التكوين المهني نحو المهن الواعدة، ودعم أدوار الوساطة في مجال التشغيل والنهوض بالعلاقات المهنية بعالم الشغل، وتطوير شبكات الحماية الاجتماعية.
هذه كانت استراتيجيتكم، لكن أنتم اليوم وقد دخلت فترة تحملكم المسؤولية على رأس وزارة التشغيل و التكوين المهني نهاية سنتها الثانية، ما هي النتائج الملموسة المحققة التي يمكن اعتبارها أنها تستجيب للانتظارات المطروحة ؟
إذا نظرنا للحصيلة الأولية لمكونات القطاع، نجدها تعكس في جزء هام منها الرؤية التي وضعناه لتدبير قضايا القطاع، مع العلم أن سنة 2010، ستكون سنة جد حاسمة في اعتماد مجموعة من الإصلاحات التي اشتغلنا عليها خلال السنتين الماضيتين.
وكحصيلة أولية يمكن القول ، و بإيجاز، أننا عملنا على أن يسترجع قطاع التكوين المهني مكانته الأساسية إن لم أقل الإستراتيجية داخل أولويات إنجاز مخططات التنمية الاقتصادية، بالتطلع إلى تكوين ما يناهز 750.000 شاب وشابة في أفق سنة 2012، مع وضع رهان الرفع من جودة التكوين في مقدمة الاهتمامات.
في هذا الصدد ولمواكبة حاجيات الأوراش الاقتصادية الكبرى المفتوحة من الكفاءات التقنية وبالجودة المطلوبة، خاصة منها مكونات ميثاق التنمية الصناعية الذي التزمنا بأن نوفر له ما يناهز 220.000 من الكفاءات في أفق سنة 2015، والمخطط الأزرق في مجال السياحة، والمخطط الأخضر في مجال الفلاحة... تم وضع مخطط استعجالي مدقق بناء على نتائج 8 دراسات، ومن بين مكونات هذا المخطط إقرار توجه يقضي بتعزيز وإقامة شراكة قوية مع المهنيين في تدبير مجموعة من مؤسسات التكوين المتخصصة التي سترى النور نهاية سنة 2010 في قطاعات واعدة جديدة مثل السيارات وصناعة أجزاء الطائرات والألبسة في مجال الموضة والابتكار، إضافة إلى تعزيز شبكة مؤسسات التكوين في المجال الفندقي والسياحي والفلاحة و الصناعة التقليدية... ، مع مواكبة مناهج التكوين عن طريق إدماج المقاربة بالكفاءات.
وأعتبر هنا أن من أولى المكاسب التي تحققت للقطاع اليوم، هو التوفر على هذا المخطط المتكامل في مجال التكوين المهني نتقاسمه مع القطاعات الحكومية والمهنيين، وهو المخطط الذي شرع في تنفيذ مكوناته سنة 2009، بعد تعبئة الموارد المالية و التقنية الضرورية له ويمتد في جزء هام منه ما بين سنة 2008 وسنة 2012 .
من البرامج التي أعتقد أننا دشنا فيها كذلك تحولا تدريجيا، وسيكون له الأثر الإيجابي على آلية النهوض بالوساطة العمومية في سوق التشغيل، هو المتعلق ببرامج الوساطة في التشغيل من خلال التحسن المسجل في أداء كل من برامج تأهيل وإدماج. حيث تمكن برنامج «إدمـــاج» منذ انطلاقه من إنجــاز ما يفوق 170.000 إدماج، حيث سُجل ارتفاع في وتيرة إنجاز البرنامج بنسبة 10 % في السنتين الأخيرتين، مع العمل على تفعيل أحد أهم اختياراتنا الاستراتيجية في هذا الباب، والمتمثل في التقييم وتتبع مدى استفادة المدمجين من الضمان الاجتماعي. فنتائج الدراسة التي دعونا الوكالة للقيام بها مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أفضت إلى أن أكثر من 65 % من الذين استفادوا من البرنامج أصبحوا مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أي بصيغة أخرى استقروا في العمل.
وفي ما يتعلق بدعم خلق المقاولات من طرف الشباب، ولتجاوز الصعوبات التي كان يعرفها البرنامج، تم إعطاء انطلاقة جديدة لبرنامج «مقاولتي» في بداية سنة 2009 من خلال فتحه في وجه كل حملة المشاريع من الشباب، من دون شرط التوفر على شهادات، وتبسيط جملة من مساطره وتعزيز مختلف آليات المصاحبة.
وأود التركيز هنا على إطلاق برنامج جد مهم ومهيكل لحاجيات سوق الشغل، وهو إنجاز أولى الدراسات الإستشرافية الجهوية لتشخيص حاجيات سوق الشغل من طرف الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، والتي أنجز منها إلى الآن 6 دراسات، وهي الدراسات التي ستسمح باستباق الحاجيات ببعد جهوي في مجال الموارد البشرية وتوجيه عملية التكوين على مستوى كل جهة.
كل ذلك صاحبه مجهود لدعم هيكلة الوكالة لكي تصبح كخدمة عمومية أكثر قربا من انتظارات الفئات من الشباب التي تستهدفها وكذا المقاولات، من حيث مواردها البشرية وكذا توسيع شبكة وكالاتها، حيث مع نهاية هذه السنة سيبلغ عدد وكالاتها 74 وكالة.
ومن بين النتائج التي سجل فيها تقدم وتحظى بأهمية خاصة ، هو التحسن المسجل في أداء منظومة الحماية الاجتماعية، من قبيل الوصول بعدد المؤمنين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في نهاية سنة 2008 إلى أكثر من 2.004.000، بعد أن كان هذا العدد سنة 2007 في حدود 9 .1 مليون ، أكيد أنه رقم لا زال يسائلنا، ونتطلع هنا، وبفضل الجهود المبذولة من طرف إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لتحديث آليات العمل و التواصل و المراقبة، إلى جعل هذه المؤسسة تلعب دورها كاملا على أسس من الشفافية واحترام القانون، تعلق الأمر بالتصريح بالأجراء أو بالأجر الحقيقي أو بتحسين الخدمات المقدمة لهم، دون أن أنسى هنا ما أنجز من تقدم من طرف الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي في مجال تحسين مجمل خدماته التي تهم التغطية الصحية الإجبارية على المرض.
قراران آخران جد هامين تم اتخاذهما، ويدخلان في صميم التوجه نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق بين المواطنين، الأول يتعلق بمد التعويضات العائلية إلى أجراء القطاع الفلاحي والغابوي، والثاني يقضي بتوسيع سلة العلاجات التي يؤمنها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتشمل العلاجات المتنقلة والمنتظر أن يستفيد منه حوالي 3.500.000 أجير وأجيرة ومن ذوي الحقوق، إلي جانب التقدم لإخراج نظام مناسب للتغطية الصحية لفائدة الطلبة الذي أصبح جاهزا، ونأمل أن يشرع في أجرأة تدابيره هذه السنة أو بداية سنة 2010 . وفتح ملف التغطية الصحية والاجتماعية لفائدة مهنيي النقل وأصحاب المهن المستقلة.
وفي جانب النهوض بثقافة الحوار والمشاركة لتطوير العلاقات المهنية، فقد توفقنا إلى جانب شركائنا الاجتماعيين والاقتصاديين، في تنظيم أول انتخابات لمندوبي الأجراء وفق مقتضيات مدونة الشغل، حيث تمكنا بفضل مخطط العمل الذي تم وضعه لهذه الغاية، من تنظيم هذه الانتخابات في أكثر من 71 % من المقاولات، بعد أن كان هذا الرقم لا يتجاوز 45 % سنة 2003 .
ولتعزيز ما تحقق في برنامج الملاءمة الاجتماعية للمقاولات، تمكنا هذه السنة من إصدار قرار مشترك مع وزارة التجارة والصناعة يقضي بوضع «معيار وطني» يمنح للمقاولة التي تحترم التزاماتها الاجتماعية، والتقدم في إصلاح إدارة صناديق العمل، والتي يجب الإشارة هنا إلى أنها إدارة كانت موضوع العديد من التقارير والافتحاصات حول الاختلالات التي كانت تعاني منها، والتي تتولى تدبير الزيادة في الإيرادات الممنوحة لضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية، تؤكده النتائج المحققة، فمثلا سنة 2008، تمت معالجة 10.000 ملف جديد بزيادة 110 % عن سنة 2007، واليوم في منتصف هذه السنة، أي 2009، تمت تصفية كل ملفات الضحايا التي تديرها هذه المؤسسة والبالغ عددها أكثر من 56.000 ملف، وهذه السنة كذلك اتخـذنا قرارا يقضي بالزيـادة في إيرادات الضحايا أو ذويهم ب 20 %، إلى جانب، وهذا الأهم، التحول المسجل في علاقة هذه المؤسسة بالمرتفقين، حيث انمحت العديد من الممارسات التي كانت تسيء لسمعتها في الماضي.
وانطلاقا من رصد ما تبين من حاجة ماسة للتشريع في بعض المجالات، تم الإنكباب على إعداد ووضع مجموعة من مشاريع القوانين الجديدة التي تعد من بين انتظارات العديد من الفاعلين، وهي مشاريع مؤسسة تهم تقنين مجالات غاية في الأهمية كمجال تأسيس النقابات المهنية وممارسة الحق في الإضراب، ووضع قانون لخدم البيوت، وإطلاق ورش إصلاحات تشريعية تهم مراجعة قانون التعويض عن حوادث الشغل وقانون جمعيات التعاون المتبادل، ولتعزيز شبكات الحماية الاجتماعية بوضع مشروع جديد للتعويض عن فقدان الشغل، والشروع كذلك في تبني إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في برامج الوزارة وداخل مختلف مكوناتها، حيث سيتم إجراء أولى الإفتحاصات المبنية على النوع داخل الوزارة.
ما رأيكم في المواقف التي ترى أن حجم الخصاص كبير، وبالتالي تبقى هذه النتائج دون حجم انتظارات الفاعلين الاجتماعيين و كذا الاقتصاديين ؟
من المؤكد أن هناك خصاصا، ومفهوم الخصاص في مجال اجتماعي بامتياز سيظل دوما حاضرا، وهو إن شئت الذي كون جزءا هاما من القناعات الفكرية والسياسية التي ترعرعت عليها تجاه قضايا حيوية من قبيل ضرورة منح فرص التكوين الملائمة للشباب تمكنهم من الاندماج في الحياة العملية، مع مصاحبة ذلك بالاستفادة من الحق في التغطية الاجتماعية والصحية الضرورية، وكل الحقوق التي تحمي الأجير في عالم الشغل وتضمن له فرص الترقي والعيش الكريم.
هذه القناعات والتوجهات، تجد بصماتها حاضرة في الحصيلة الأولية التي استعرضت بإيجاز بعضا من ملامحها جوابا عن سؤالكم الأخير، واسمحوا لي أن أستعرض معك هنا أحد المداخل الأساسية التي عملنا عليها للتقدم في أجرأة تلك القناعات.
فإلى جانب التشاور والحوار مع مختلف الشركاء والمهتمين والهياكل الإدارية للوزارة والمؤسسات العمومية الأربع الخاضعة لوصايتها، كان مدخل الإستراتيجية المعتمدة هي إطلاق مسلسل الالتقائية، أولنقل العمل المشترك أو تعزيز التكامل في الأدوار بين مختلف مكونات الوزارة والمؤسسات العمومية الخاضعة لوصايتها، وكمثال على ذلك، التنسيق الذي يتطور اليوم بين جهاز المراقبة التابع للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وجهاز تفتيش الشغل في ما يخص تبادل المعلومات والبيانات من أجل ضمان احترام التصريح بالأجراء لدى الصندوق، وبين الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات ومكتب التكوين المهني في ما يخص برامج التكوين، وبين الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في مجال التغطية الصحية الإجبارية على المرض، وبين مختلف هذه المؤسسات في مجموعة من الملفات المشتركة كوضع مشروع التعويض عن فقدان الشغل مثلا.
ونظرا للدور الذي يتعين أن يلعبه جهاز تفتيش الشغل في مراقبة احترام تشريع الشغل، وضعنا خطة عمل نتوخى منها الرفع من أداء هذا الجهاز ولتحسين صورته وحضوره، تحقق منها لحد الآن ما يلي :
ـ تحسين الأوضاع المادية للمفتشين بالزيادة من قيمة التعويض عن الجولان وإقرار نظام أساسي جديد؛
ـ الشروع في دعم الموارد البشرية بـ 15 مفتش شغل جديد و 5 أطباء للشغل هذه السنة، و تكوين وتعيين 24 مهندسا مختصا في الصحة والسلامة المهنية؛
ـ دعم أدوار التنسيق مع جهاز التفتيش وجهاز المراقبة التابعة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛
ـ تحسين ظروف العمل بمجموعة من المندوبيات، من خلال إنجاز العديد من أشغال إعادة التهيئة والتجهيز، وربط كافة المندوبيات بشبكة الانترنيت ووضع رهن إشارتها مجموعة من قواعد المعطيات تسمح بالمعالجة المعلوماتية والتتبع من طرف الإدارة المركزية، والشروع في بناء مقر جديد للوزارة لتحسين ظروف عمل الموظفين بالمصالح المركزية، والموزعين حاليا بين 5 مقرات للعمل متباعدة عن بعضها، وفي ظروف غير ملائمة في بعض الأحيان؛
ـ وأخيرا اعتماد آلية التعاقد وفق مؤشرات قابلة لقياس المردودية وبالتالي المحاسبة، حيث انطلقت التجربة هذه السنة مع مندوبيات أكادير والبيضاء ومراكش، وستعمم السنة المقبلة على مندوبيات الرباط وطنجة...
بلا شك ، وبالرغم مما أشرت له، تبقى العديد من انتظارات الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين، والتي نتقاسم معهم جلها. وانطلاقا من المنهجية التي نؤمن بها والقائمة على تثمين مساهمتهم في بلورة الإصلاحات المقترحة المزمع إدخالها خاصة التشريعية منها أو الإجراءات التي تم إعمالها، يمكن القول وإن كانت هذه المنهجية تتطلب بذل في بعض الأحيان عدة جهود وأخذ الوقت للوصول إلى توافق في شأنها، رغم أن عامل الزمن اليوم أصبح لا يرحم، فإن العديد من الإصلاحات التي تم دخولها حيز التنفيذ اتخذت في آخر المطاف بالإجماع.
كيف تفسرون بعض المواقف التي تقول إن النقابات تخلت عن دورها وتراجعت، وترك العامل في مواجهة مباشرة مع مشغله من دون حماية ؟
أنا من المؤمنين بأهمية العمل النقابي نظرا للدور المنوط به دستوريا في التأطير، وكذلك كقوة اقتراحية، وهي بالتالي، أي النقابة، تعتبر شريكا أساسيا إن لم أقل استراتيجيا.
وأنا من المؤمنين كذلك، بضرورة تقديم كل أشكال الدعم للعمل النقابي من خلال دعم الأسس التنظيمية والقانونية المنظمة له، ومد النقابات بإمكانيات العمل، وهو ما سعينا له من خلال تنشيط مختلف آليات الحوار الاجتماعي الثلاثية التركيب التي تدخل في مجال اختصاصنا، وهو ما سمح بأجرأة العديد من الإصلاحات بمشاركة كل الفرقاء الاجتماعيين.
وفي هذا الاتجاه وإلى جانب الدعم الذي يقدمه الوزير الأول للمركزيات النقابية، تم الرفع من المبلغ الذي ترصده وزارة التشغيل سنويا لدعم النقابات في جانب التكوين إلى 2 مليون درهم سنويا ابتداء من سنة 2009، وإعداد مشروع قانون النقابات المهنية على غرار ما تم عمله من خلال إقرار قانون الأحزاب السياسية. ويجب التأكيد هنا أن النقابات كانت للمشغلين أو الأجراء تبقى أداة أساسية للتأطير ولتدبير ما ينتج من نزاعات جماعية للشغل، والتي تلعب فيها دورا أساسيا للوصول إلى حلول بشأنها.
وبالنسبة لمن يقول بأن العامل تم تركه في مواجهة مباشرة مع مشغله بدون حماية، أعتقد أولا أن هناك القانون الذي يجب السهر على تفعيله من جهة، ومن جهة أخرى لا يجب التعميم، فهناك مقاولات تحترم القانون وتعمل على الرقي بوضعية أجرائها، وهناك بطبيعة الحال من يريد الاحتيال على القانون، واليوم يتم التصدي لهذا النوع من المشغلين وفق القانون من خلال سعينا لتفعيل أدوار جهاز تفتيش الشغل للقيام بأدواره كاملة، وحملات التصدي لحالات الغش في التصريح بالأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مثلا حملة تم تنظيمها لجهاز المراقبة للصندوق سمحت بتصحيح وضعية 45.000 مؤمن سنة 2009، وهناك مقاولات تجتاز في بعض الأحيان ظروفا صعبة يتم التدخل المناسب لإيجاد الحلول الملائمة لها، لكن مع ذلك تبقى المشاكل التي يعرفها القطاع غير المهيكل، وكذلك القضايا المرتبطة بتطوير كل آليات الصحة والسلامة المهنية في مجال الشغل، ونذكر بالمناسبة أن هناك مخطط عمل أصبح جاهزا في المجال، وقد شرع في أجرأة بعض تدابيره.
بالمناسبة، أين وصل مشروع قانون النقابات، فمن خلال استقراء المواقف المعبر عنها، بعض النقابات رحبت به و أخرى متحفظة؟
من خلال الحوارات وردود الفعل المسجلة حول الأهداف المتوخاة من المشروع، بالرغم من أن الصيغة التي تداولتها بعض الصحف ليست هي الصيغة النهائية للمشروع، يمكن لي تسجيل رغبة النقابيات والنقابيين في مشاهدة بيئة اجتماعية ببلادنا تلعب فيها النقابات كامل أدوارها الدستورية، وتتقاسم فيها جميع الأطراف مسؤولية احترام القوانين الضابطة للعلاقات المهنية خدمة للاقتصاد والإنتاجية وللحفاظ على رصيد الشغل ولبناء علاقات مهنية سليمة.
فالمشروع هدفه الأساسي قبل كل شيء، تعزيز العمل النقابي ودعم أدواره بمنحه إطارا بمقتضى القانون، لملء مجموعة من الفراغات الحالية والتي لا يجادل فيها اثنان. والمسودة الأولى للمشروع أصبحت اليوم جاهزة، ودراسته هي من النقط المسجلة في جدول أعمال جولة الحوار الاجتماعي لإبداء الرأي فيه.
سبق لكم أن التزمتم كذلك بمشروع للتعويض عن فقدان الشغل، أين وصل هذا المشروع، وهل هو أحد أجوبة تداعيات الأزمة على سوق الشغل ببلادنا ؟
هذا المشروع شرعنا في الإعداد له قبل بروز الأزمة الحالية، وبالتالي فهو غير مرتبط بهذه الظرفية، بالرغم من أن هذه الظرفية وكذا ما خلفته بعض الكوارث الطبيعية من انعكاسات سلبية على الأجراء الذين فقدوا دخلهم خلال توقف عمل العديد من المقاولات خارج إرادة هذه الأخيرة، مثلا ما وقع بمدينة طنجة هذه السنة.
المشروع نرمي من خلاله إلى تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية، وتطلب منا مسلسل إعداده إنجاز العديد من الدراسات من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وكذا حشد مساهمة العديد من المؤسسات العمومية التي ستتولى التدخل في تدبيره إلى جانب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كالوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل و الكفاءات و مكتب التكوين المهني وجهاز تفتيش الشغل.
وخلال جولة الحوار الاجتماعي الأخيرة تم عرض مضامينه، وسجلنا حصول توافق مبدئي حوله، فقمنا بعرضه، طبقا لما التزمنا به، على المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي قرر تكليف لجنة التسيير والدراسات بالصندوق بدراسة المشروع على وجه الاستعجال في أول اجتماع لها في بداية شهر أكتوبر.
ويهدف المشروع من تمكين كل أجيرة أو أجير مؤمن لدى الصندوق فقد عمله في حالة توفره على بعض الشروط المنصوص عليها، من تعويض مالي لمدة 6 أشهر، يحافظ خلالها على حقوقه الاجتماعية في التغطية الصحية والتعويضات العائلية، بالإضافة إلى مصاحبته من أجل إعادة الإدماج في سوق الشغل من طرف المؤسسات العمومية ذات الاختصاص في مجال الوساطة في التشغيل و التكوين المهني.
وهل حققت مدونة الشغل التي دخلت حيز التنفيذ منذ سنة 2004 انتظارات الفاعلين في هذا المجال، علما بأنه يسجل تضارب في الآراء من جانب الأجراء وكذا المشغلين ؟
دخول مدونة الشغل حيز التنفيذ كان في حد ذاته حدثا وطفرة نوعية انتقلنا خلالها من مرحلة توافق شبه عرفي وبقوانين مشتتة إلى مرحلة علاقات مهنية يؤطرها قانون جامع.
لكن أعتقد أنه من دون ثقافة مترسخة للحوار وآليات مراقبة يقظة ودائمة ومواكبة، لا يمكن للقانون لوحده أن يبلغ مبلغه المنشود، فإلى جانب تنشيط وعقد مجموع اجتماعات المؤسسات الثلاثية التركيب التي أخذت تعقد اجتماعاتها مع مطلع سنة 2008، وتفعيل برنامج الملاءمة الاجتماعية وتقوية أدوار جهاز تفتيش الشغل كما سبق توضيح ذلك، أعطينا أهمية قصوى هذه السنة لإنجاح أول محطة للانتخابات المهنية تجري بعد دخول المدونة حيز التنفيذ، والتي جرت خلال شهر ماي الفارط، حيث وصل عدد المقاولات التي نظمت هذه الانتخابات أكثر من 71 % من المقاولات، ويجب الإشارة هنا إلى أن هذا العدد لم يكن يتجاوز 45 % سنة 2003، وذلك باعتبار المكانة التي أعطيت لمؤسسة مندوبي الأجراء داخل مدونة الشغل، والتي تعتبر أحد المداخل الأساسية لتطوير آلية الحوار على صعيد المقاولة و تأسيس باقي المؤسسات التي أقرتها مدونة الشعل كلجنة الصحة والسلامة المهنية وغيرها.
ربما وصلنا الآن، بعد مرور 5 سنوات عن بدء العمل بالمدونة، إلى محطة يتعين أن نقف فيها ، حكومة وفرقاء اجتماعيين واقتصاديين، إلى تقييم ما تحقق من تقدم، وكذا حصر الصعوبات وبكل موضوعية، وفي هذا الصدد كنا قد توافقنا مع كل الفرقاء على تنظيم يوم دراسي حول الموضوع، وسنعمل على تنظيمه هذه السنة، لأنه لا يعقل أن نظل خارج أو بعيدين عن بعض القضايا المستجدة التي يعرفها سوق الشغل والعلاقات المهنية اليوم.
من جانب آخر، وأريد التأكيد من جديد على الورش الذي قمنا بفتحه لتطوير أداء جهاز تفتيش الشغل من خلال النهوض بوضعيته وبتحسينها، وتأسيس تعاقد جديد بين الوزارة وهذا الجهاز والذي من مرتكزاته: الرفع من المردودية، فبالرغم من أن أعداد المفتشين المزاولين لا يفي بالمطلوب، فإن الحصيلة الأولية، وبفعل الانخراط التدريجي المسجل لهذا الجهاز في المقاربة التي أنضجناها من خلال جلسات حوار مع ممثلي هذه الهيأة، واللقاءات المباشرة والزيارات التي قمنا بها للوقوف على ظروف عمله وما تعترضه من صعوبات في بعض الأحيان، تبرز أن تدخلات الجهاز على العموم عرفت تحسنا، تعلق الأمر بتدخلاته لتسوية النزاعات الفردية أو الجماعية للشغل، أو في التقدم في تنفيذ برنامج الملاءمة الاجتماعية للمقاولات أو في إنجاح محطة الانتخابات المهنية...
لاتزال شرائح من أجراء الحد الأدنى للأجر تنظر بكثير من عدم الرضا إلى قيمته الحالية، هل سيتم فتح هذا الملف؟
يجب الإشارة هنا، أنه تم مؤخرا إقرار وابتداء من يوليوز 2008 زيادة في الحد الأدنى للأجر بـ 10 %، بعد زيادة الشطر الثاني في يونيو 2009، وكذا الزيادة في مبلغ التعويضات العائلية إلى 200 درهم التي يصرفها الضمان الاجتماعي شهريا ومدها لأجراء القطاع الفلاحي والغابوي، وكذا مراجعة أشطر الضريبة على الدخل التي همت كذلك أجراء القطاع الخاص، وعما قريب سيتم تفعيل قرار توسيع سلة العلاجات لتشمل الأمراض غير القابلة للاستشفاء بالنسبة للأجراء المؤمنين لدى الضمان الاجتماعي.
بالتأكيد أن مطلب تحسين الدخل سيظل مطروحا، خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود، كما أشرتم، لكن اسمحوا لي أن أطرح معكم ما يطرحه الموضوع من إشكاليات لم تناقش إلى حدود اليوم بما يكفي، ومنها ما قيمة الحد الأدنى للأجر مثلا في الدار البيضاء أو الرباط أو طنجة ذات مستوى المعيشة المرتفع مقارنة مع مدن أو جهات أخرى، ألا يجب التوجه للوصول لإقرار منظومة مرنة تسمح بوضع نظام للحد الأدنى للأجر ببعد جهوي.
إن من شأن هذا التصور ، في اعتقادي، أن يسهم في إحداث حركية جد مهمة في حركية الاستثمار، ويواكب الجهد المبذول اليوم من طرف الدولة لإحداث أقطاب جهوية جديدة للتنمية بما تحدثه من فرص جديدة للشغل .
إلى جانب ذلك، أعتقد أنه يمكن التدخل بشكل إيجابي وفعال لتحسين مستوى ذوي الدخل المحدود باحترام التصريح بالأجراء وبالأجر الحقيقي، وسبق لي أن أشرت إلى ما يتم عمله في هذا الاتجاه، والرفع من أداء آليات التكوين المستمر الموجهة للأجراء لتحسين كفاءاتهم والتي تعد مدخلا لترقيتهم المهنية وبالتالي ما يحصلون عليه من دخل، والتحسين من مستوى الحماية والتغطية الصحية، وهم ما نشتغل عليه اليوم ونعطيه الأولوية.
أين وصل الحوار الاجتماعي، وما هي اقتراحاتكم من أجل مواصلته في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية على العديد من القطاعات والمطالب النقابية المطروحة خلال جولات هذا الحوار ؟
من المؤكد أن المغرب اجتاز ظرفية اقتصادية صعبة سنة 2008 بفعل ما عرفته أسعار المواد الأساسية الأولية في السوق الدولية من ارتفاع خاصة القمح والمحروقات والغاز والسكر... مما استدعى تدخل صندوق المقاصة لدعم هذه المواد، كما أن سنة 2009 تميزت هي الأخرى بتداعيات أزمة اقتصادية عالمية حادة على بعض القطاعات الإنتاجية الوطنية المصدرة، والتي تطلب، للحد من تداعياتها ، تدخل الدولة لدعم هذه القطاعات وللحفاظ على الحقوق الاجتماعية للأجراء ومناصب الشغل بها، إلى جانب تدبير مجموع الإجراءات لتحسين الدخل التي تم إقرارها سنة 2008 عقب جولات الحوار الاجتماعي، ودخلت حيز التنفيذ.
الحوار الاجتماعي ، في نظري ، آلية أساسية للتعاقد وللوصول إلى حد أدنى من التوافقات يتعين مأسسته، ولهذه الغاية تم التوصل بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين في أبريل من هذه السنة، إلى تبني منهجية عمل جديدة لتدبير القضايا المطروحة، والتوافق حول جدول أعمال لأول مرة مضبوط لجولات الحوار الاجتماعي لسنوات 2009 2010 و 2011 .
وهو الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين الحكومة و أربع مركزيات نقابية، ومازال الحوار مفتوحا مع المركزية الخامسة، وتم على هذا الأساس عقد سلسلة من الاجتماعات أفضت إلى العديد من النتائج المتوافق حولها، مع تسجيل مقاربات اختلفت بالأساس حول تدابير أجرأة بعض النقط المدرجة بجدول أعمال لجنة القطاع العام على وجه الخصوص، وليس حول المبدأ المؤسس لها الذي حصل التوافق في شأنه، تهم موضوع حذف السلالم الدنيا من 1 إلى 4، والتعويض عن العمل بالمناطق النائية والصعبة، الذي ترى الحكومة أن يشمل بالأساس في هذه المرحلة رجال التعليم والصحة بغية الحد من الهدر المدرسي والرفع من التغطية الصحية، ومراجعة حصيص الترقي لينتقل من 25 % إلى 28 % هذه السنة...، وسيعقد ، عما قريب، اجتماع بين السيد الوزير الأول والمركزيات النقابية لتقييم النتائج على ضوء الالتزامات المتفق عليها في جدول أعمال جولة 2009، ولدراسة النقط التي سجل حولها نوع من الاختلاف والتي لا تتجاوز 4 أو 5 من النقط التي تم تدارسها، لأن نقطا أخرى لم نستطع دراستها نظرا للأجندة التي صاحبت الجولة الأخيرة والمتمثلة في الاستحقاقات الانتخابية التي تهم ممثلي المأجورين، والتي
كان على المركزيات النقابية الإعداد لها، وللتهييء لفتح جولة الحوار لسنة 2010 التي سبق حصر جدول أعمالها والاتفاق عليه. ويمكن لي القول هنا إن إمكانيات التوافق حول ما بقي من نقط موجودة، حيث تبقى الحكومة منفتحة لدراسة السيناريوهات الممكنة لتجاوز ما تم الاختلاف بشأنه والذي يتعلق ، كما سبق القول، بتدابير الأجرة.
علما بأنه تنتظرنا خلال سنة 2010 ملفات جد مهمة، كملف إصلاح أنظمة التقاعد ومراجعة منظومة الأجور بالوظيفة العمومية وتطوير شبكات الحماية الاجتماعية للأجراء، ومراجعة قانون التعاضد و تعزيز أدوار جمعيات الأعمال الاجتماعية...
يروج في بعض الأوساط أن وزارتكم تفكر، إذا ما استمرت وضعية الأزمة الاقتصادية، في تقليص من عدد ساعات وأيام الشغل...
أنا من الذين يدعون، وبقناعة ، إلى ضرورة عدم السقوط في الخطاب الذي يركز على الأزمة، والخطابات التي تزرع اليأس رغبة في الإثارة في بعض الأحيان، أكثر من البحث عن الشروط التي تسمح من جهة بمواجهة تداعياتها واستخلاص الدروس اللازمة منها، والإعداد لمرحلة ما بعد الأزمة للاستفادة من الفرص التي يتعين علينا استغلالها لتقوية فرص الاستثمار وبالتالي فرص الشغل، بالموازاة مع تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية القادرة على التصدي لمثل هذه الرجات الاقتصادية وامتصاص آثارها الاجتماعية. وجوابا عن سؤالكم، ليس هناك أي تفكير في الاتجاه الذي قلتم، فساعات العمل داخل القطاع الخاص هي مقننة بمقتضى ما تنص عليه مدونة الشغل، والتي تسمح بنودها في بعض الحالات بمراجعتها إما بالزيادة في عددها كساعات إضافية أو النقصان، شريطة حصول توافق ما بين ممثلي الأجراء ورب العمل.
من المؤكد أن بعض مؤسسات القطاع الخاص عمدت، وخصوصا في القطاعات الإنتاجية المتضررة من جراء الأزمة، إلى تقليص ساعات العمل في بعض الوحدات الإنتاجية وذلك بمقتضى ما تسمح به مدونة الشغل، علما بأن الدعم الذي تقدمه الحكومة اليوم للمؤسسات المتضررة يشترط احترام الحقوق الاجتماعية للأجراء، هذا الدعم الذي مكن من إنقاذ الآلاف من مناصب الشغل التي كانت مهددة بقطاعات كالنسيج و الألبسة والجلد وأجزاء السيارات و الإيلكترونيك، إلى جانب أن نفس الشرط وضع للاستفادة من النظام الخاص بدعم برامج التكوين المستمر لفائدة الأجراء بتلك القطاعات تتحمل الدولة هو الآخر كامل نفقاته.
كيف تنظرون إلى ملف التكوين المهني اليوم؟ هناك من يرى أن هذه المؤسسات أصبحت اليوم مفتوحة في وجه المنقطعين عن الدراسة وفي وجه أبناء الطبقات الفقيرة التي لا تملك ما يؤهلها للتسجيل في المدارس والمعاهد العليا وحتى الجامعات؟
اسمحوا لي أن أقول إن الحكم على قطاع التكوين المهني بأنه اختيار فقط للمنقطعين عن الدراسة هو حكم مجانب للصواب، بحيث أصبح هذا القطاع يستقطب اليوم نخبة من خيرة خريجي منظومة التربية والتعليم، لدرجة أصبحنا نخاف اليوم أن تصبح مسالك التكوين المهني نخبوية، وهو ما نعمل جاهدين على تلافيه.
وهذا التحول في قيمة ومكانة التكوين المهني راجع أولا إلى عوامل بنيوية وتحسن في أداء القطاع، لكن هذا التحسن البنيوي هو نتيجة أيضا للتعبير الملح لسوق الشغل عن حاجته من الكفاءات التقنية في العديد من المجالات. وانسجاما مع هذه الحاجيات المعبر عنها تبذل عدة جهود اليوم لكي تكون عروض التكوين متماشية مع متطلبات الاقتصاد الوطني من الكفاءات، وهو الانسجام الذي حسن من المخرجات المهنية للمنظومة.
وهي الأسباب التي جعلت عددا مهما من حاملي شهادة الباكالوريا يتوجهون بكثافة إلى اختيار التكوين المهني وعددا وافرا من حمـلة الإجازة في بعض التخصصات. ولا يخفى على أحد اليوم، أن مقعدا واحدا في مؤسسة للتكوين المهني يتبارى حوله في المتوسط 4 مرشحين وفي بعض الشعب يصل إلى 20 مترشحا. وهو ما يدل على الدرجة الاستقطابية للمنظومة والتي أؤكد ثانية أننا نعمل جاهدين لأن تظل منفتحة وأن لا تسقط في النخبوية. علما ، هنا، بأنه يتعين علينا مواجهة تحد آخر متمثل في استيعاب الشباب المنقطع عن الدراسة، بمنحه الحق في الاستفادة من فرص للتكوين وبالتالي الاندماج في الحياة العملية، وهو ما سعينا له من خلال النهوض بأدوار التكوين بالتدرج المهني في مجموعة من المهن والقطاعات كالفلاحة والصناعة التقليدية والسياحة.... في إطار المخطط الإستعجالي للتكوين المهني 2008 -2012 .
ينتقد العديد من المهنيين تدني جودة بعض خريجي التكوين المهني في السنوات الأخيرة، و أنه أصبح التركيز على الكم عوض الاهتمام بالكيف ؟
موضوع جودة التكوين أصبح اليوم عنصرا أساسيا وحاسما لولوج سوق الشغل، بفعل ما لذلك من دور للرفع من الإنتاجية وتنافسية المقاولة. من المؤكد أنه لمواجهة الخصاص الذي كان يعرفه سوق الشغل في مجال الكفاءات المهنية، اضطرت منظومة التكوين المهني للرفع من طاقتها الإستعابية، مما أفرز بعض الانتقادات هنا وهناك، علما بأن عدة جهود بذلت في هذا الصدد تمثلت في وضع برامج التكوين المستمر للمكونين والتصديق على كفاءاتهم، ومراجعة المناهج، وإحداث مراكز لتنمية الكفاءات...
فضمان جودة التكوين يمر بالضرورة كذلك من خلال قيام شراكة فعلية مع المهنيين وبالانخراط القوي في وضع البرامج والمناهج و كذا في التداريب، مع ضرورة وضع نظام لليقظة دائم حول تقويم مردودية القطاع الداخلية والخارجية.
وفي هذا الصدد وإلى جانب الدراسات التي تنجز سنويا حول المردودية الخارجية و التي تعني قياس مستوى الولوج لسوق الشغل بالنسبة للخريجين، بادرنا هذه السنة إلى إطلاق دراسات حول الجودة تهم كافة القطاعات المكونة، وستسمح نتائجها حال إنهاء إنجازها، بالوقوف على المكاسب لتثمينها وإذا سجلت اختلالات أو سلبيات ينبغي التصدي لها، علما بأن من مرتكزات المخطط الإستعجالي التي تم وضعه ، التقدم في تعميم اعتماد إدماج المقاربة بالكفاءات بمنظومة التكوين المهني، والتي أثبتت جدواها في تحقيق الجودة المطلوبة.
ينتقد العديد من المهنيين وضعية نظام العقود الخاصة للتكوين، حيث يشتكون من التراجع الحاصل إن لم نقل الجمود المسجل، في وقت تحتاج المقاولة، خاصة المتوسطة والصغرىو لدعم هذا النظام من أجل تأهيل مواردها البشرية ؟
كان هذا الملف من الملفات التي طرحت علينا من طرف الإتحاد العام لمقاولات المغرب مباشرة في أول لقاء لي مع الرئيس السابق للإتحاد، وبدون الرجوع إلى الأسباب التي كانت من وراء هذا التراجع في أداء هذا النظام، والتي تم الوقوف عليها، نبحث اليوم مع كل الشركاء ممثلي الأجراء والمشغلين، لإدخال إصلاح جوهري عليه، ليسترجع نظام العقود الخاصة للتكوين أداءه المطلوب ويساهم في تأهيل العامل وبالتالي المقاولة المغربية، حيث تشتغل لجنة مشتركة اليوم على مشروع سيناريو هذا الإصلاح، ونأمل التوصل ، عما قريب، لتوافق يسمح بوضع هيكلة جديدة وبمساطر مضبوطة وشفافة للتدبير وقادرة على المعالجة السريعة للملفات وتستجيب لانتظارات مختلف الفاعلين.
يحسب لكم إنهاء الملف الشائك للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية والذي عمر لسنوات، حيث أشيع وعن نطاق واسع ، دخولكم في صراع شخصي مع الرئيس السابق ومع بعض المركزيات النقابية ، فأين وصل هذا الملف اليوم ؟
ليس لي أي صراع شخصي أو سياسي مع الرئيس السابق كما قلتم، وما قمت به في هذا الصدد بمعية السيد وزير المالية هو تطبيق مقتضيات القانون ليس إلا.
فبعد استنفاد كل المحاولات لحمل المسؤولين السابقين لهذه التعاضدية على احترام مقتضيات القانون، ولإعمال مجموعة من توصيات لجن الإفتحاص التابعة للمفتشية العامة للمالية، كان لا مفر من تدخل الدولة لحماية حقوق منخرطي هذه التعاضدية، وذلك بتطبيق مقتضيات المادة 26 من القانون، وبالتالي حل أجهزتها، وتعيين متصرفين مؤقتين لتدبير شؤونها.
واليوم، وبعد توصلنا بتقرير الإفتحاص الأخير للمفتشية العامة للمالية، يمكن لي القول إنه ربما حصل تأخر في تطبيق مقتضيات المادة 26، لأن ما وقف عليه التقرير، يبرز أن هذه التعاضدية وصلت حافة تهددها بالإفلاس. حيث مطلوب اليوم وضع مخطط مستعجل لتقويم تلك الإختلالات التي مست توازناتها المالية وكذا لحل المشاكل الإدارية المتعددة والمعقدة، وهو ما تشتغل عليه لجنة مشتركة تم إحداثها لهذه الغاية بين الوزارة وهذه التعاضدية.
وأود أن أوضح بالمناسبة هنا، أن هذا الموضوع تم إعطاؤه أبعادا لا يحتملها، فالضوابط القانونية واضحة، والقانون يتم وضعه لاحترامه والعمل وفقه من طرف الجميع.
لهذا كان حرصنا شديدا ،عند معالجة هذا الملف، أن يكون ذلك وفق ما ينص عليه القانون وفي احترام تام لأحكام القضاء الصادرة، فبعد قرار حل أجهزة التعاضدية، وإلى جانب تدبير شؤون التعاضدية وتسوية ملفات المرض التي كانت متراكمة، نظمنا انتخابات مندوبي المنخرطين رغم الصعوبات التي واجهتنا للوصول لتنظيم انتخابات شفافة ومقبولة ساهمت فيها كل الحساسيات النقابية وغيرها، وانتقلنا بعد ذلك لمرحلة عقد الجمع العام وإجراء انتخابات المجلس الإداري ثم المكتب المسير، فتسليم السلط للمكتب الجديد المنتخب.
كشف تتبعنا لهذا الملف أن القانون الجاري به العمل، أصبح متجاوزا، وأن ثغراته ساهمت إلى حد ما، فيما وصل إليه العمل التعاضدي اليوم ؟
ملف التعاضدية العامة وتتبع نشاط باقي التعاضديات، دفع بنا لفتح ورش إصلاح قانون جمعيات التعاون المتبادل الذي يرجع تاريخ صدوره إلى سنة 1963، حيث نعتزم التقدم بمشروع قانون لتعديل القانون المذكور، وهو المشروع الذي أبرزت المشاورات الأولى حوله خلال جولة الحوار الاجتماعي الأخيرة مع المركزيات النقابية، استحسانها ودعمها لتوجهاته وأهدافه. ونستهدف منه إعطاء نفس جديد لأدوار التعاضد المهمة، بسد مجموعة من الثغرات التي أظهرتها الممارسة العملية وما أفضت إليه خلاصات العديد من الإفتحاصات المنجزة، للوصول إلى وضع مجموعة من القواعد الاحترازية، وتحسين الحكامة بما يسمح بالفصل بين اختصاصات الأجهزة التقريرية المنتخبة واختصاصات الإدارة وتقوية آليات المراقبة الداخلية والخارجية...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.