أسفر اليوم الدراسي، الذي عقد مؤخرا بالمكتبة الوطنية للمملكة، والمنظم من طرف جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط وجمعية المبادرة للتنمية الثقافية وإنعاش التراث بالعرائش، حول موضوع «مستقبل المتاحف المغربية في أفق إحداث المؤسسة الوطنية للمتاحف»، عن مجموعة من التوصيات التي تبلورت من خلال مجموعة من المداخلات والنقاشات همت «مشروع قانون إحداث المؤسسة الوطنية للمتاحف». استمع المشاركون خلال هذا اليوم الدراسي إلى آراء ومساهمات مختلف الفرقاء، بهدف الارتقاء بالمشروع وتطويره وإثرائه، وذلك من أجل خلق ثقافة متحفية من جهة، وجعل الإرث المتحفي الذي تزخر به المملكة مفتوحا في وجه جميع المواطنين. في هذا السياق، سجل المشاركون عدم إشراك الفرقاء في الإعداد لوضع مشروع القانون، الذي يحمل رقم 09-01 والقاضي بإحداث «المؤسسة الوطنية للمتاحف»، التي سيكون مقرها بالرباط وسيعهد إليها بالقيام، لحساب الدولة، بمهام إدارة المتاحف وتدبير شؤونها بطريقة عصرية، تتوخى التدبير الجيد وتحسين الأداء، وذلك بهدف الحفاظ على الموروث الأركيولوجي والثقافي الوطني، وتثمينه وحسن تدبيره، وجعل المتاحف فضاءات عمومية رحبة تساهم في التعريف بمختلف أوجه الثقافة الوطنية. واستغرب المشاركون عدم أخذ الأمانة العامة للحكومة بالتعديلات التي تقدمت بها وزارة الثقافة، على عهد الوزيرة السابقة، مشيرين إلى أن الإعداد اتسم بالإستعجالية والسرية، فغابت عنه الإشارة إلى المراجع القانونية الدولية التي تنظم حقل التراث والثقافة التي صادق عليها المغرب، إضافة إلى القوانين المغربية المتعلقة بالوظيفة العمومية والقوانين المالية. وقد توزعت أشغال هذا اليوم الدراسي، الذي نظم بدعم من وزارة الثقافة (مديرية التراث الثقافي) والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، إلى جلستين تمحورت الأولى حول «تاريخ وواقع المتاحف المغربية» وقدم خلالها عرضان تناولا «المتاحف بالمغرب.. النشأة وتحديات التدبير»، و«واقع المتاحف المغربية» و«من أجل تصور تجديدي لتدبير المؤسسة المتحفية بالمغرب» و»المؤسسة المتحفية، تطور المفاهيم والمعايير طبقا لميثاق إيكوم». وتمحورت أشغال الجلسة الثانية من هذا اليوم الدراسي حول موضوع «المؤسسة الوطنية للمتاحف ومستقبل القطاع والعاملين به»، من خلال مجموعة من العروض تطرقت إلى «مشروع المؤسسة الوطنية للمتاحف، بين الحاجة والانتظارات» و»قراءة قانونية في مشروع قانون إحداث المؤسسة الوطنية للمتاحف»، و«آفاق ومستقبل القطاع المتحفي في المغرب». ومن ضمن المساهمين في اليوم الدراسي حسن الشرادي، الذي تناول تاريخ المتاحف الوطنية واختصاصاتها وتوقف عند مشاكل تطوير وتدبير هذه المتاحف. أما الباحث عبد العزيز الإدريسي فقد استعرض في تدخله حالة الصيانة في المتاحف المغربية وما تعانيه بنياتها من تآكل ورطوبة، وأحيانا، غياب شروط العرض السليمة. يوسف خيارة تحدث عن اختلالات المتاحف ومشاكلها العلمية والبشرية، واستغرب أساسا القانون المنظم للصندوق الوطني للعمل الثقافي الذي تتشكل موارده من رسوم وزيارات المتاحف والمباني التراثية، والتي لا تستفيد في المقابل من دعم هذا الصندوق. ودعا عزوز بوحميد إلى التركيز على التكوين المستمر وعلى تدبير عصري لمؤسسة التراث يقوم على الصرامة العلمية وعلى البعد الإقتصادي في تدبير النشاط الثقافي والتراثي ببلادنا. رشيد البوزيدي ضبط، انطلاقا من اللجنة العالمية للمتاحف التابعة لليونيسكو، مفاهيم المتحف والمؤسسة، مشددا على كون كل المؤسسات التي أحدثت في دول العالم هي مؤسسات للتنمية المتحفية، وأن المؤسسة الوطنية للمتاحف المزمع إحداثها بالمغرب لن تدخل ضمن لائحتها، لأنها إدارة تتكفل بتدبير شؤون الموظفين أكثر منها مؤسسة تنموية. أما الباحث القانوني عبد الكريم لحديكي، فقد استغرب إقبار مشروع قانون 00 - 43 الذي كانت تعده وزارة الثقافة على عهد الأشعري بهدف إخراج قطاع التراث من المشاكل التي يتخبط فيها والمعيقات التي تواجهه. وفي تناوله للمؤسسة الوطنية للمتاحف، خلص إلى غياب الشروط القانونية في مشروع القانون، وإلى رغبة المشرع في إفلات هذه المؤسسة وهيئاتها التسييرية من وصاية الدولة ومراقبتها المالية فلا هي تحمل مواصفات المؤسسات العمومية ولا هي مؤسسة خاصة، بمعنى عدم انتمائها إلى أي من الضفتين. على ضوء ذلك، طالب المشاركون في توصياتهم بوضع سياسة ثقافية تتضمن استراتيجية لتدبير قطاع التراث وتأهيله، وحملوا وزير الثقافة الحالي بن سالم حميش الدفاع عن تغيير مشروع القانون المقترح بإحداث مشروع المؤسسة الوطنية للمتاحف. ودعوا، من جهة أخرى، إلى تمتيع المؤسسة المراد إحداثها في هذا الشأن بصفة المؤسسة العمومية والخدمة العمومية، على غرار الوكالات والمؤسسات العمومية المشابهة، مع إخضاع المؤسسة الجديدة لوصاية الدولة ومراقبتها المالية، وكذا تمكينها من أجهزة الحكامة الجيدة، مشددين في الوقت ذاته على ضرورة إشراك الهيآت التمثيلية لمحافظي المتاحف والآثار التاريخية، وضمان احترام اختصاصاتهم المهنية والتنصيص عليها صراحة. وأكدوا على كون التراث أحد رموز السيادة بامتياز، ومن ثمة استحالة خوصصته وتفويته أو إخراجه من تحت وصاية الدولة. كما طالبوا بتمكين وزارة الثقافة من الموارد البشرية والمالية بالشكل الذي يمكنها من ضمان إقلاع قطاع التراث والثقافة بشكل جدي وعلمي، وبتحسين أوضاع العاملين، مع وجوب إحداث قانون أساسي للمتاحف يهم تنظيم وتدبير المجموعات المتحفية والموارد البشرية، وإعادة صياغة القانون المنظم للصندوق الوطني للعمل الثقافي بشكل يضمن توجيه مداخيله لتدبير وصيانة المباني التاريخية والمواقع الأثرية والمتاحف. ودعوا أيضا وزارة الثقافة إلى تنظيم حوار وطني حول التراث، بمشاركة مجموع القطاعات والفعاليات المعنية لمعالجة مختلف إشكاليات التدبير والصيانة، والأخذ بعين الإعتبار القضايا المطروحة في هذا المجال. وألحوا على أنه في حالة ما إذا تم إحداث المؤسسة، فلا بد وبالموازاة مع ذلك، من إحداث مؤسسة لتنمية المتاحف، مهمتها البحث عن الموارد وجلب الدعم والترويج وألا تقوم بتاتا بالتدبير اليومي الإداري والمالي المباشر للمتاحف، وإلا فإنها، وبحسبهم، لن تكتسب صفة الاعتراف الدولي. وضع مخطط استعجالي للنهوض بالقطاع المتحفي: إنجاز جرود مفصلة، ترميم وصيانة المباني والتحف، والتنشيط الثقافي داخل المؤسسات المتحفية. وجوب أن يدخل مشروع إحداث «المؤسسة» (l’Institution) في إطار مقاربة شمولية للتراث الثقافي (المادي واللامادي)، لا تعتمد تجزيئا أو فصلا بين مكوناته. وفي اختتام اليوم ذكر أبو القاسم الشبري، رئيس جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بأن هذه الأخيرة باشرت اتصالات مع نواب الأمة والأحزاب من أجل إصلاح ما أفسده مشروع قانون 09-01 الذي انعدمت فيه أصلا الشروط القانونية لصياغة القوانين ولا يخدم بتاتا مستقبل التراث الوطني، يقول المتحدث. وقد سبق أن عبر في افتتاح أشغال هذا اليوم عن رفض جمعيته لمشروع المؤسسة الوطنية للمتاحف مشددا على المطالبة بإحداث وكالة وطنية للتراث (المادي واللا مادي) لأن التراث في أي بلد لا يقبل التجزيء والاختزال. كما رفض أن يفرض على المهنيين أي قانون وأية مؤسسة لا يكونون طرفا في وضع لبناتها.