تستعد شركة «غود نيوز» المصرية، المتخصصة في الإنتاج السينمائي، لإنشاء 14 أستوديو مجهزة بأحدث التجهيزات والمعدات ، بتعاون مع شركة ARRI الألمانية ، فيما اعتبرته أكبر وأحدث الاستوديوهات في الشرق الأوسط . وحسب ما نشرته وسائل الإعلام المصرية، فإن هذه الاستوديوهات ستتوفرعلى أجود أنواع الكاميرات ومعدات التصوير والطبع والتحميض وتصحيح الألوان، كما سيتم بناء مجموعة كبيرة ومختلفة من الديكورات. واعتبرت ذات المصادر أن بناء هذه الاستوديوهات سيشكل فرصة للشركة، للمنافسة وجذب مختلف الشركات العالمية للتصوير في مصر لتوافر كافة الإمكانيات والتجهيزات التي يحتاجونها ، وبتكلفة أقل من مختلف بلدان العالم التي تجذب الشركات السينمائية للتصوير بها. لكن ما لم تقله وسائل الإعلام المصرية صراحة، هو أن المقصود من «بلدان العالم التي تجذب الشركات السينمائية للتصوير بها»، هو المغرب، الذي أصبح منذ مدة غير قصيرة، على لسان كل الفاعلين في المجال السينمائي، كلما فتح النقاش حول التصوير السينمائي الأجنبي، باعتباره على رأس «بلدان العالم» هذه التي تحظى بالقسط الأوفر من الانتاجات السينمائية الأجنبية التي تصور خارج بلدانها الأصلية. فقد كتب الصحفيون والنقاد، وتحدث المنتجون والفاعلون في المجال، مرارا عن السبب الذي جعل المغرب يستقبل على أرضه هذا الكم الكبير من الأفلام الأجنبية، معتبرين أن الأولى في ذلك هي مصر، لأنها «مهد السينما» في المنطقة، و«بها صناعة سينمائية حقيقية»، بل أكثر من ذلك، أن العديد من الأفلام الأجنبية التي صورت بالمغرب ، كان موضوعها التاريخ الفرعوني. كما أن البرامج السينمائية على مختلف القنوات التلفزية المصرية ، خصصت جلسات نقاش مطولة للحديث حول هذا الموضوع ، بمشاركة منتجين ومسؤولين حكوميين ومسؤولين عن قطاع السينما في أرض الكنانة، وكانت الخلاصة التي انتهت إليها أغلب النقاشات هي أن «مصر حقها مهضوم» في هذا المجال، فهي، برأيهم، التي تستحق أن تكون «هوليود الشرق» وليس المغرب. كان لا بد من التذكير بكل هذا لندرك أن الإخوة في مصر جادون في هذا المسعى ، منافسة المغرب، وأن المسألة ليست فقط ترفا فكريا ، وبالتالي فإن مشروع «غود نيوز» يندرج ضمن هذا التوجه. والمعلوم أن «غود نيوز» من أكبر شركات الإنتاج السينمائي في مصر ، فرغم أنها أسست حديثا ، إلا أنها بفضل الإمكانيات المادية التي تتوفر عليها ،استطاعت أن تتجاوز باقي شركات الإنتاج المصرية، وأنتجت عددا مهما من الأفلام منها «عمارة يعقوبيان»، «ليلة البيبي دول»، «حسن ومرقص»...إلخ فهل تستطيع مصر منافسة بلدنا إذن، في مجال جذب الشركات العالمية للتصوير في هناك؟ مبدئيا نعم، فهي بلد السينما بامتياز، ولديها من التجربة والبنية التحتية والمهارات التقنية والفنية ما يؤهلها لاستقطاب كم مهم من هذه الانتاجات، غير أن الأمر ليس بهذه البساطة ، فشركة واحدة، ولو في حجم «غود نيوز»، لن تستطيع زحزحة المغرب من المكانة التي يتبوأها كوجهة مفضلة لكبرى شركات الإنتاج في الولاياتالمتحدة وأوروبا. فهناك أسباب عديدة تجعل من الصعب على مصر، أو غيرها، منافسة المغرب في هذا المضمار، ذلك أن المغرب يجر خلفة تجربة تمتد إلى عشرة عقود، منذ بداية الإهتمام الأجنبي بالمغرب سينمائيا والذي تزامن مع بداية السينما، بالإضافة إلى أن هناك عوامل طبيعية، ليس بمقدور المال أن يعوضها، ومنها التنوع الجغرافي والإضاءة الطبيعية...كما أن وارزازات تتوفر على استوديوهات من الطراز العالمي، وبها كل ما تحتاجه شركات الإنتاج العالمية من ديكورات ويد عاملة متخصصة وكومبارس متمرس ...إلخ والأهم من هذا كله، أن التصوير الأجنبي في المغرب جزء من سياسة الدولة، والتزام على أعلى مستوى، ولذلك فإن المغرب قام بتحيين العديد من القوانين الخاصة بهذا المجال مما أصبح يسهل عمل المنتجين الأجانب، ويمنحهم الترخيص في زمن قياسي لا يتعدى ثلاثة أيام، ناهيك عن الإعفاءات الضريبية وتسهيل دخول المعدات الحربية ووضع القوات النظامية رهن إشارة هؤلاء المنتجين.... أما في مصر، وكما أشار إلى ذلك العديد من المتخصصين في مجال العمل مع الأجانب، وعلى رأسهم المنتج « جابي خوري» فالمسألة جد معقدة، لدرجة أن طلب ترخيص لتصوير فيلم في مصر يحتاج إلى عدة أشهر للحصول على الموافقة، وهو ما دفع ببعض القنوات التلفزية والمنتجين ،الذين كان خوري قد أقنعهم بالعمل في مصر ، الى تحويل وجهتهم إلى المغرب، كما حدث مع القناة التلفزية الفرنسية « فرانس 2» التي أعلنت عن مقاطعة مصر نهائيا بعد العراقيل البيروقراطية التي واجهتها هناك. لكن ورغم كل هذه المعطيات، هل يجب على المغرب، ونعني هنا المؤسسة المسؤولة عن هذا القطاع، المركز السينمائي المغربي، الركون إلى الراحة؟ بالطبع لا، أولا لأن السينما عالم متطور باستمرار، فهي صناعة واستثمار بقدر ما هي فن، وهو ما يتطلب المواكبة اليومية لكل هذه التطورات، كما أن مصر ليست الدولة الوحيدة التي ترغب في دخول مجال المنافسة مع المغرب على هذا الصعيد، فهناك الإمارات العربية المتحدة وكذلك إسبانيا وغيرها، بل إن هذه الدول تقدم إغراءات مادية عديدة للمنتجين الأجانب فقط ليأتوا عندها، بما في ذلك اللجوء إلى أساليب بعيدة كل البعد عن الروح الرياضية، وبالتالي فإن التحدي الذي أمام بلادنا، ليس فقط الحفاظ على مكانتها كقبلة مفضلة للإنتاجات السينمائية الأجنبية ، بل تطوير هذه الإمكانيات، واكتشاف ما لم يكتشف بعد من معطيات طبيعية وغيرها، لتبقى دائما في الريادة، نظرا للأهمية الإقتصادية ،السياحية والسياسية التي يحظى بها هذا المجال.